اعدام صدام بين السلبيات والإيجابيات

منذ 2007-01-09

حوار مع فضيلة الشيخ عبدالعزيز بن مرزوق الطريفي حفظه الله

كان هذا الحوار مع فضيلة الشيخ عبدالعزيز بن مرزوق الطريفي حفظه الله.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

في يوم العاشر من ذي الحجة والمسلمون يحتفلون بعيد الأضحى المبارك ويريقون دماء الأضاحي قربةً لله تعالى واقتداءً وأسوة برسول الهدى صلى الله عليه وسلم، تفاجأ العالم بأسره بنبأ إعدام رئيس العراق السابق صدام حسين وقد أثار هذا الحدث ضجة إعلامية وتساؤلات شرعية فأحببنا تسليط الضوء عليها من خلال إجراء هذا الحوار مع فضيلتكم:

1. تم قتل الرئيس العراقي السابق صدام حسين في أرض العراق..

أ ) فما الهدف من توقيت قتل صدام في يوم عيد الأضحى المبارك؟

بسم الله الرحمن الرحيم وبعد.. سؤالك -أخي- عن الهدف من قتل صدام، وتخطي حال صدام وتاريخه، قبل وبعد اعتقاله، يدل على معرفة تلك الحال.

تحدث الكثير عنه، إما للدفاع عنه أو للتشنيع عليه، أمريكا لا يعنيها شخص صدام حسين أموجود هو في الحياة أم لا، تحدث أم سكت، لأن تاريخ تأثيره انتهى، وخرج من معادلة الصراع تماماً منذ اعتقاله - لم يعد له أي تأثير على قرارها، فهو قد كسب الأتباع بالقوة، وبذلك ملك الجوارح وما ملك القلوب، إلا من ندر، وبزوال القوة، يزول لازمها، وليس هو وحده بل يقاس عليه كل من أخذ جاهه بالهيبة والقوة، وكل من نال جاهاً بسبب فزوال جاهه بزوال ذلك السبب محتوم، وكل من لم يقدر من الناس على القيام بنفسه في جميع حاجاته وافتقر لمن يخدمه افتقر إلى جاه في قلب خادمه.

وهكذا حال كل ناصر ومنصور، والأصل في الشريعة أن الجاه لا يطلب، بل يتحقق تبعاً -من غير قصد- للقول والعمل.. دعنا نترك تاريخ صدام بحلوه ومره، وأرجع إلى سؤالك، حول: "الهدف من قتل صدام"؟

صدام لم يعد له أي تأثير وباعتقاله خرج من الصراع، لكنه بقي رمزاً رئيساً عربياً مسلماً، كان يملك القوة العسكرية الرابعة في العالم، ورئيس الدولة العربية الوحيد الذي هدد أمريكا علانية وهدد بضرب إسرائيل، بل ضربها، وضرب وهدد أولياءها الباطنيين "إيران" وأشياعها، فهو الرئيس الوحيد الذي جمع أركان التحدي، وبه يتعزى العربي حينما يشعر بالضعف والهوان، بل به يتعزى من أراد أن يكتم رزايا صدام في لحظة اليأس من أن تكون أمته مصدراً للقوة، ويتمثل قول الجرجاني:

ذهب الطرف فاحتسب وتصبر              للرزايا فالحر من يتعزى

إذا عرفنا ذلك، عرفنا الهدف من توقيت قتل صدام، لكي يبقى تاريخاً لا ينسى، ووقتاً لا يُسأل عنه فيقال (متى)، هذا ما أرادت أن تقدمه أمريكا للمسلمين والعرب على الخصوص، وللرؤساء العرب منهم على الأخص، وأن يزداد المسلمون يأساً وإحباطاً، ويتذكروا دوماً قتل ذلك الرئيس... لقد وصلت الرسالة التى تريد قوى الاستعمار إيصالها إلى آذان العرب والمسلمين بل وإلى المنتسبين إلى الإسلام كلهم بما فيهم إيران، وإن كان الإعدام نفذ بيدها، وبيد ابنها "مقتدى الصدر"، التوقيت لا أشك انه بنصيحة من إيران والرافضة على وجه العموم .

ب) اختيار مكان قتله في الكاظمية؟

نعم... لا أدري ربما يكون لأنها أكثر أمناً لهم، أو لأنها شهدت سنين طويلة من كبت وقتل الشيعة بيد صدام، حيث أسس فيها "الشعبة الخامسة" أحد قلاع القمع والتعذيب للشيعة فيها، ويظهر أن هذا من الأسباب لكي يتشفى أهلها منه، ولا أحد من الطوائف يحمل من رغبة الانتقام وشدة التشفي من الخصوم مع شدة الضغينة كالرافضة، وسبب ذلك جعلهم من مآسيهم ومصائبهم مواسم للعبادة والتذكار، كي لا ينسون، ولشدة غيظهم وحب انتقامهم يضعون أيديهم بأيدي من يرون أنه عدواً لهم في دينهم في سبيل الانتصار على من آذاهم، كما صنعوه الآن في العراق في قتل وتشريد لأهل السنة، تحت رضا وحماية الصليبيين، مع إيمانهم بكفر اليهود والنصارى، وعند كلام بعض علمائهم في العقائد يذكرون أن أهل السنة أقرب لهم من اليهود والنصارى.

وهكذا كان أسلافهم، وستدور الدائرة عليهم كما دارت على من سبقهم، فابن العلقمي الوزير المبير البغدادي الرافضي تولى الوزارة في العراق أربع عشرة سنة وكان حقوداً على أهل السنة قرر مع التتار أموراً انعكست عليه وكان سبباً في دخول التتار العراق، ومعيناً له، وأكل يده ندماً وبقي بعد تلك الرتبة الرفيعة في حالة وضيعة يركب الحمير في شوارع بغداد، يصيح به النساء: يا ابن العلقمي أهكذا كنت تركب قبل!

وكان الذي حمله على مناصرة التتار، الحقد على العباسيين وأذيتهم للرافضة.

ج) الفئة التي قتلته؟

لا أشك -يا أخي- أن القاتل هم الرافضة بموافقة وحماية أمريكية، فأمريكا لو أرادت قتلته دون تسليمه لأحد، ولكنها أرادات أن يكون القتل، بيد خصم لدود، يتحقق به المصالح التي تريدها، تقوية للرافضة وإهانة للسنة، بصورة رسمية، فالقتلة هم رجالات الحكومة العراقية، الذين انتقتهم أمريكا.

الهتافات التى كان يرددها القاتلون لصدام حين قتله تدل على أن لهذه القتلة، بهذا الوقت، وبهذه الصورة، أبعاداً كثيرة تتجاوز ذات صدام أو وزرائه ومساعديه أو رموز حكمه.

الشماتة والغيظ والحقد على أهل السنة وعلى المجاهدين العراقيين كانت هي السائد على ردود كل الصفويين.

يجب أن نعلم حقيقة كالشمس، أنهم لا يفرقون بين طاغية آذى كل الشعب العراقي، وآذى الإسلام وعلمائه، وبين إنتمائه المذهبي, فهم يحملون أهل السنة وزر صدام, كما حملوهم جريمة مقتل الحسين رضي الله عنه.

هم على مر التاريخ يتحينون كل فرصة، لأخذ الثأر من السنة على أنهم أحفاد يزيد بن معاوية وهم أحفاد الحسين بن علي رضي الله عنه .

الإعدام لصدام الذي يربط الصفيون بين أفعاله ومعتقد أهل السنة ليس إعداماً لشخص تعدى ظلمه, بل أرادوه إعداماً لأهل السنة جميعاً وجعلوا إعدامه تنكيلهم بأهل السنة في العراق وغير العراق.

2. ما السلبيات والإيجابيات من قتل الرئيس العراقي السابق (صدام حسين) على الوضع العراقي؟

لا أظن أنه سيكون له أثر خارجي يتعلق بالوضع في العراق، سوى أنه سيقوي عاطفة العامة في تأييد المجاهدين ضد المحتل، ومن يعاونه من الرافضة، أما داخلياً فسيزيد من تأييد عامة العراقيين من نصرة المقاومة، ودعمها، وزيادة في فهم حقيقة الرافضة وولائهم للمستعمر، يقول الله تعالى:

{وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 216]

فالله تعالى يأخذ ويعطي، وفي كل خير، والعبرة بالباطن والعواقب، فالبشر جبلوا على حب عطاء الخير وبغض منعه، بل الإسراع إلى إنكار سلب الخير، والتضجر من ذلك، قبل التفكر في عاقبته، وهذا عند عامة الناس، إلا من شاء الله، وفي قوله تعالى في ختم الآية السابقة {وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ}

توجيه إلى التعلق بالأمر الغيبي الذي لا يعلم من التقدير، وكثير من الوقائع فيها من الحكم والمقاصد ما تقصر عنها أفهام الخلق، وفي تغييبها حكمة، ولو ظهرت لازدروها، لأنها لا تدرك حقيقتها لفظاً حتى يروها واقعة.

وفي هذا درس لحكام المسلمين الذين تسلطوا وظلموا، وغاب عنهم سلطان وقدرة الله عليهم، لعل فيه درساً لأولئك الذين ضيعوا حقوق العباد ورب العباد، والذين غيروا وبدلوا حكم الله وحدوده، ولعل فيه درساً للمتألهين في هذه الأرض، الذين عاثوا فساداً عشرات السنين بلا مراقبة لله، ولا محاسبة من أحد في الأرض، يئدون الإيمان ويقتلون الفضيلة وينفون الإحسان ويسدون أبواب الدعوة إلى الله يسجنون ويشردون ويعذبون ويقتلون ويضيعون شريعة الله، اغتراراً بسلطان المادة، فالله يغضب وينتقم وهو شديد الانتقام، وله سلطان في الأرض يسلطه على من يشاء بحكمة.

 

قال تعالى: {وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ} [إبراهيم: 42]

 

هذا درس عظيم لمن أراد أن يعتبر، درس رأي العين، مثله ونظائره يقص في القرآن، قال تعالى: { فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } [النمل: 51-52]

بسبب الظلم، والمقصود من نزول وقص هذه القصص والحوادث { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ }

إذا ظالم استحســـن الظلم مـــذهبا               ولج عتوا في قبيح اكتسابـــــــه

فكلــه إلــى ريب الزمــــان فإنـــه             ستبدي له ما لم يكن في حسابــه

فكــــــم قد رأينــــا ظالمـاً متجبراً               يرى النجم تيها تحت ظل ركابه

فلما تمــادى واستطـــال بظلمــــه              أناخت صروف الحادثات ببابـه

وعوقب بالظلم الذي كـــــان يقتفي             وصب عليه الله سوط عذابـــــه

يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم :

«إن الله يملي للظالم فإذا أخذه لم يفلته» ، {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} [هود: 102]

رواه مسلم من حديث بريد بن أبي بردة عن أبيه عن أبي موسى.

يقول الشاعر :

عاقبة الظلم لا تنام وإن           تأخرت مدة من المدد

ويكفي في ذلك قوله تعالى: { وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً } [طه: 111]

ومن الإيجابيات: أن يعرف المسلمون عداء الصفويين الرافضة لهم، وولائهم للنصارى بل واليهود في سبيل الانتقام منهم، وأن كل عداء يظهر بينهم ومقاتلة وتهديد هو تصنع، أو تقاتل أولياء يتآلفون سريعاً، فمقتدى الصدر الذي أظهر العداء لأمريكا في العراق بل وأظهر قتاله لها في مدينة الصدر، هو من سلمت أمريكا له صدام ليقتله ويشنقه بيده!

ومن أكبر حسنات صدام أنه أوقف المد الصفوي الذي يعيث في بغداد فساداً اليوم.

3. تضاربت آراء الناس في مقتل الرئيس العراقي صدام حسين حول:

أ ) هل يصلى عليه؟ و إن قمنا بالصلاة فهل يصلى عليه صلاة الغائب؟

هذا يتفرع عن القول بإسلامه، وصدام كان بعثياً، والبعث عقيدة كفرية، ولكن الذي أظهره في آخر أمره التوبة والرجوع إلى الإسلام، والتوبة الصادقة لا تبقي أثراً لما سلف، قال الله تعالى:

{قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: 38]

وقال تعالى : {إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} [الفرقان: 70]

وقال في الذين قالوا: إن الله ثالث ثلاثة، وهم النصارى

{أَفَلاَ يَتُوبُونَ إِلَى اللّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [المائدة: 74]

وقال لكل مذنب مسرف {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى} [طه: 82]

وأخرج مسلم وابن خزيمة عن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

«إن الإسلام يهدم ما قبله»

ويكفي ما ظهر منه من إعلان الشهادتين قبل موته، وقبل ذلك مراراً، وأما التعلق بأنه لا يعرف معناها ولم يعمل بمقتضاها، فهذا ظن لا يثبت مع الأصل واليقين، إذ لم يظهر منه ما يخالفها يثبت ذلك الظن.

أما صلاة الغائب :

الصلاة على الميت مشروعة، على الصحيح وهو قول الشافعي والمشهور عن أحمد، وإذا قام بها البعض تسقط عن الباقين، ومن مات من المسلمين، في البلاد البعيدة، وقد صلي عليه، فلا يصلى عليه أياً كان رئيساً أو مرؤساً، حاكماً أو محكوماً، لا يصلى على الغائب إلا إذا وقع موته في بلد ليس بها من يصلى عليه وهذا الذي يظهر أنه عمل السلف من الصحابة والتابعين، وبهذا ترجم أبو داود في السنن، واختاره ابن تيمية.

وقال بعض الأئمة بالصلاة على الغائب المعروف بالصلاح المشتهر به المقتدى به، قال أحمد : " إذا مات رجل صالح صُلي عليه ".

ب) هل يترحم عليه وقد نطق بالشهادتين في آخر حياته؟

يترحم على كل من ثبت إسلامه، وختم له به.

ج) هل يسمى شهيداً؟ وهل يعد من أهل السنة؟

لا، لا يسمى شهيداً، فما قاتل لأجل الإسلام ولا لرفع رايته، بل سمعناه ينادي عند دخول القوات الأمريكية بغداد يقول: (باسم البعث)، وبقي حتى تم اعتقاله فيما يظهر، ثم أعلن تمسكه بالإسلام والعمل بالقرآن بعد ذلك.

والأصل في الأسير المقاتل لأجل راية الإسلام إذا قتله الأعداء الشهادة هذا عند عامة العلماء، وهذا مالم يتحقق فيه.

د) ما حكم إعلان الحداد عليه ثلاثة أيام؟

الإحداد ليس للرجال بل هو خاص بالنساء يقول عليه الصلاة والسلام: ( لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشراً) رواه البخاري ومسلم.

فيجوز للمرأة خاصة بالاتفاق، أن تحد على أي ميت تشاء ثلاثاً، ولا تزيد، وأما الرجل فلا.

فقد مات في حياة النبي صلى الله عليه وسلم جماعة من الصحابة ولم يفعل شيء من ذلك، مات ابنه إبراهيم وبناته الثلاث، وقد قُتل في زمانه أمراء جيش مؤتة وهم من خيرة الصحابة: زيد بن حارثة، وجعفر بن أبي طالب، وعبد الله بن رواحة.

وقد مات خير الخلق محمد صلى الله عليه وسلم ولم يحد عليه أحد من الصحابة، ومات خلفاؤه كذلك وهكذا في القرون المفضلة ومن جاء بعدهم.

وهذا النوع من الإحداد من إحداثات المتأخرين.

والواجب على الأمة المسلمة الإعداد، وليس الإحداد..

المصدر: شبكة نور الإسلام