مداخلتي في الشأن العراقي
25/11/1427
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وأزواجه وأصحابه أجمعين.
مثل المؤمنين كمثل الجسد الواحد، كما وصفهم النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا الجسد يألم بعضه لبعض.
وعلة هذا الجسد من ذاته قبل غيره، وعلينا أن نمتلك الشجاعة لنواجه أنفسنا بهذه الحقيقة المرة، ولا أدل على ذلك من أننا هزمنا أعداءنا الخارجيين مرات كثيرة، ولقّنّاهم دروساً لا تنسى، برغم قلة عددنا وإمكاناتنا، ولكننا ننهزم أمام أنفسنا وأمام قوة الهدم الداخلية، فمشكلة المسلمين هي من المسلمين، ومشكلة العراق هي من العراقيين، ومشكلة السنة هي من السنة، ويجب ألا نتجاوز هذه الحقيقة قبل أن نمنحها حقها من الروية والنظر والتفكير.
العراق يسير في نفق مظلم ومعاناة شعبه العظيم تثير أسى المشفقين وحزنهم، والوقود اليومي لهذه الحرب الغاشمة من دماء أبناء العراق وشيوخه وأطفاله ونسائه توجب ألا يقف المسلمون كتوفي الأيدي تجاه ما يحدث.
وعلى الحكومات والجمعيات والمؤسسات والأفراد جزء من هذه التبعة.
الخطر قائم في العراق، ومحدق بجيرانه، والنار قد تستعر لتأكل من أوقدها ومن لم يوقدها، والمخوف أن "الحرب القادمة" سواء كانت حرباً باردة أو ساخنة، ستكون شيعية سنية، أو عربية فارسية، وسيوقدها المستفيد الأكبر منها، من نوى التطرف الغربي والصهيوني، والخاسر فيها هو الذي يخوضها، والرابح من يفلح في تجاوزها.
وهذه بعض الأفكار التي يحسن التداول حولها بشأن المستقبل العراقي:
1 - الوحدة الوطنية مطلب صحيح وعادل، وقد عاش العراقيون زمناً طويلاً بعضهم بجوار بعض، دون بغي أو عدوان، وينبغي أن يكون عودة الوئام وتجنب الصدام والسعي المشترك لإعادة الحياة الطبيعية إلى العراق هو الهدف الذي يسعى إليه الجميع.
نعم، الأصل هو توزيع الفرص بحسب الاستحقاق، لكن لا يمنع قبول قول فئةٍ بعينها إنها أحق، ولا يجوز أبداً أن يستغل طرف ما الظروف الصعبة التي يمر بها العراق من احتلال واضطراب وخلط للأوراق للزحف على مؤسساته بحجة تصحيح الوضع أو إزالته المظلومية كما يقال، لأن هذا الاندفاع بمثل هذه الحجة، وفي مثل هذه الظروف هو من أهم الممهدات لقيام الفتنة وإشعالها، والعرب كانت تقول:
جاء شقيق عارضاً رمحه إن بني عمك فيهم رماح!
يجب رفض تهميش أبناء العراق الأصلاء ورجالاته التاريخيين ومخلصيه المعروفين بصدقهم وانتمائهم الوطني.
لقد وقع ظلم على السنة وتهجير وإقصاء تحت حجج وذرائع هي أقسى من ذلك الظلم، كما وقع على فصائل لا يستهان بها من أبناء الشيعة العرب وغير العرب المعروفين بوطنيتهم ورفضهم للعدوان والاحتلال.
2 - المقاومة الشريفة الصادقة المشروعة التي تسعى لتحرير البلد وطرد المحتل وحماية الأرض والثروات ليست إرهاباً، بل هي لون من الجهاد المشروع {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} (الحج:39).
والإرهاب هو الذي يقتل الأبرياء ويسفك دم أبناء العراق البررة، ويمارس التعذيب والتطهير العرقي، ويعتدي على الأطفال والنساء والشيوخ، وهو عمل قامت به قوات الاحتلال، وشاركتها في ذلك قوى من الميليشيات الطائفية والمجموعات التكفيرية يجب على المخلصين أن يعلنوا استنكار أعمالها ورفض جراءتها على الدماء.
3 - المقاومة وسيلة وليست غاية، والجهاد ذاته وسيلة لحفظ الأمة وحماية دينها ودعوتها.
4 - المشاركة في العملية السياسية محل اجتهاد، والعمل السياسي ليس خيانة، وإن كان يخطئ ويصيب.
5 - وأهل السنة خاصة تنقصهم القدرة على تنظيم أنفسهم وترتيب أوراقهم، والقدرة على التنازل وتقديم جانب وحدة صفهم على المواقف والاجتهادات الفرعية التي يطول الجدل حولها وقد لا يخرج المتجادلون بطائل.
وقد يجد أهل العراق أن بإمكانهم تشكيل جهة موحدة شاملة تمثل فيها كل القوى الفاعلة في الساحة، كانت قبلية أم سياسية أم اجتماعية أم عسكرية، وتكون ذات تأثير ونفوذ، وليس واجهة أو لافتة فحسب.
وحين يكون ثمة هدف واضح يسعى إليه الجميع لا يلتفت للأطراف الجانبية التي لا تملك الرؤية والوعي والخبرة.
إن السنة لم يعيشوا عبر تاريخ العراق لأنفسهم فحسب، بل كانوا نسيج العراق وصمام أمانه وضمانة وحدته وانسجامه، ولن يفلح الصف ما لم يكن للعلماء وأهل الرأي تأثير قوي على المقاومة الراشدة.
6 - آن الأوان لدول الجوار التي وقفت موقف المتفرج أن تؤدي واجبها نحو الشعب العراقي المنكوب، وأن تسهم في الوقوف إلى جانبه في محنته الراهنة، بجسور الإغاثة، والعون الإنساني، والخدمات الصحية والطبية، وإنشاء المدارس وإعادة تأهيل القائم منها، والمنح الدراسية والتسهيل الوظيفي.. ولعل الدولة المستضيفة لهذا المؤتمر هي جزء من هذا الحق، فإن هذا يساعد على تضميد الجراح، وإعادة اللحمة، وإعادة التوازن داخل العراق، وتفويت الفرصة على قوى الانفصال والفتنة التي تريد عزل العراق عن عمقه العربي والإسلامي. ومن ذلك دعم المؤسسات القائمة العلمية والسياسية والدعوية، وتمكينها من أداء دورها المنشود داخل السنة، بل داخل العراق كله.
7 - إنه لا مصلحة لأحدٍ قط في أن يشتعل فتيل حرب أهلية تأكل الأخضر واليابس، ويمتد لهبها إلى الجيران، إلا للقوى الصهيونية وحلفائها، وعلينا السعي للحيلولة دون ذلك بالتزام العدل والإنصاف والتقوى والمجادلة بالتي هي أحسن، وألا نعتبر الوضع القائم فرصة للاستيلاء على المزيد من المكاسب، والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.
سلمان بن فهد العودة
الأستاذ بكلية الشريعة وأصول الدين بالقصيم -سابقًا-
- التصنيف: