شنودة واستلهام روح الحروب الصليبية

منذ 2014-01-25

في أعقاب انتصار المسلمين بقيادة الناصر صلاح الدين الأيوبي على الصليبين في حطين سنة 583، ثم نجاحهم في تحرير بيت المقدس بعد ذلك بثلاثة شهور، أصدر البابا جريجوري الثامن قرارًا كنسيًا يلزم أتباع الكنيسة الكاثوليكية بالصيام يوم الجمعة لمدة خمس سنوات متصلة، والامتناع عن أكل اللحم السبت والأربعاء، وذلك من أجل استعادة الروح الصليبية التي ضعفت لدرجة مكنت المسلمين من تحرير بيت المقدس.


في أعقاب انتصار المسلمين بقيادة الناصر صلاح الدين الأيوبي على الصليبين في حطين سنة 583، ثم نجاحهم في تحرير بيت المقدس بعد ذلك بثلاثة شهور، أصدر البابا جريجوري الثامن قرارًا كنسيًا يلزم أتباع الكنيسة الكاثوليكية بالصيام يوم الجمعة لمدة خمس سنوات متصلة، والامتناع عن أكل اللحم السبت والأربعاء، وذلك من أجل استعادة الروح الصليبية التي ضعفت لدرجة مكنت المسلمين من تحرير بيت المقدس .

أثر الحروب الصليبية على العقلية النصرانية

ـ تعتبر الحملات الصليبية التي شنها الغرب المسيحي على العالم الإسلامي في القرون الوسطى من الحوادث الاستثنائية في تاريخ البشرية على مر العصور، فعلى الرغم من كونها لم تتجاوز القرنين من الزمان، وهي فترة صغيرة مقارنة بالعمر الإنساني منذ بداية الخليقة، إلا أنها شكلت العقلية النصرانية عمومًا والأوروبية خصوصًا، وطبعتها لفترة طويلة، وأثرت حضاريًا وثقافيًا واجتماعيًا وسياسيًا على المجتمعات النصرانية وتجلت آثار ذلك فيما بعد في حركة الاستعمار الأوروبية التي شنتها أوروبا على العالم الإسلامي والتي امتدت لعدة قرون.

ـ لم تكن الحروب الصليبية مجرد عدوان طارئ على العالم الإسلامي لأهداف مادية مجردة بقدر ما كانت مشروعًا استيطانياً توسعيًا أرسى السابقة التاريخية لحركة الاستعمار الأوروبي في القرن الثامن عشر والتاسع عشر ميلادي، والحركة الصهيونية في القرن العشرين.

ـ الحروب الصليبية تركت إرثًا من الفكر السياسي والديني والثقافي ما زال العالم الإسلامي يعاني منه حتى اليوم،فما زالت روح الحروب الصليبية تسيطر على عقلية كثير من القادة السياسيين والدينين في العالم النصراني، وما زالت مصطلحات وألفاظ وأفكار الحروب الصليبية جارية على ألسنتهم وتحكم أفكارهم، وتجدها بادية على صفحات وجوههم.

فهذا بوش الصغير يخطب في الشعب الأمريكي مدشنًا الحرب على أفغانستان سنة 2001 بقوله: "دعوني أقودكم في حرب صليبية جديدة" ومثل ذلك قال بلير الانجليزي وبرلسكوني الإيطالي، وأسبانيا ترسل قواتها العسكرية للقتال بالعراق، وتطلق عليها اسم فرقة القديس جورج، وجورج هذا معروف في التاريخ الإسباني بجزار المسلمين؛ حيث أباد الكثير منهم ممن بقى بعد سقوط الأندلس، ونجد الكثير من العتاد الأوروبي والأمريكي المستخدم في قصف المدن العراقية مرسوم عليه الصلبان والعلامات والإشارات الصليبية، ونجد هذا الإرث ماثلًا ومخلدًا على أعلام الكثير من الدول ذات الإرث الصليبي مثل علم انجلترا والسويد والدانمارك وسويسرا.

بل إن الأمر قد وصل لحد الاحتفاء بهذه الرموز والأفكار الصليبية في الميادين الرياضية، فنجد أن الشعار الرسمي للعديد من الفرق الإنجليزية الشهيرة مثل مانشستر يوناتيد وتشلسي وغيرهم مرسومًا عليه الصليب، حتى أن فريق ميلانو الإيطالي لما ذهب لملاعبة فريق غلطة سراي التركي بأنقرة ارتدى اللاعبون الطليان قمصان مرسومًا عليها شارة الصليب التي كان يرسمها الفرسان الصليبيون على صدورهم أيام الحروب الصليبية الأولى، على الرغم من أن قمصان الفريق الأصلية لا تحمل هذه الشارة، في تحد واضح واستفزاز لمشاعر المسلمين الأتراك الذين واجهوا الحملات الصليبية لعدة قرون متتالية .

شنودة واستلهام روح الحروب الصليبية

ـ وامتدادًا لذلك الفكر وتلك العقلية، يأتي الباب شنودة اليوم ليحيي آثار هذه الحروب ويستلهم روح البابا جريجوري الثامن من عباب التاريخ، ويرتدي عباءته، ويعلن الصوم العام حدادًا على الضحايا الذي قتلهم شنودة بتثويرهم وتحريضهم على الثورة والاضطراب، فهؤلاء الشباب الذين غرر بهم فخرجوا موتورين حانقين على أوهام مكذوبة وأماني موعودة، تمامًا مثلما خرج قرابة المليون أوروبي في الحملة الصليبية الأولى التي عرفت بحملة الرعاع بحثًا عن كنوز الشرق وخيرات المسلمين، شنودة اليوم يأمر أتباعه بالثورة وحمل السلاح دفاعاً عن الدين والعقيدة بزعمه، فيخرجون بأعداد كبيرة يتم حشدهم واستنفارهم من جنوب مصر لشمالها، فيسيرون متشحين بالسواد يقودهم القساوسة والرهبان، رافعين الصلبان، يتلون الترانيم والصلوات الإنجيلية، في مشهد من مشاهد القرون الوسطي، ولا أدري لماذا لم يفعل ذلك مع قدس الأقداس وكعبة دينهم في بيت لحم والناصرة التي ترزح تحت الاحتلال الصهيوني الغاشم منذ عشرات السنين من غير أن يأمر أتباعه بالغضب أو الثورة أو حمل السلاح دفاعاً عن الدين والكنيسة .

ـ إن المشهد الدامي الذي وقع بماسبيرو من أرض مصر والذي أدمى قلوب المصريين جميعا مسلمين ونصارى، ليدفعنا للتساؤل عن الجاني؟ ومن يقف خلفه؟ ومن المستفيد من هذه الحادثة الدامية؟ وإن إدمان اتهام الفلول و يتامى مبارك والقلة المندسة، بكل مصيبة تحصل في البلاد بعد الثورة نوع من الهروب والضعف والتنصل من مواجهة المشكلة الحقيقية ومعرفة أسبابها الفعلية، وإن إعمال القانون على الجميع لهو الضمانة الوحيدة للخروج من هذه الأزمة الخانقة، فلتجر التحقيقات الجادة، وليعرف من الجاني، ومن بدأ بإطلاق الرصاص، وليحاسب كائنًا من كان، ومهما كانت رتبته أو درجته، فالجميع أمام القانون سواء، ولكن للأسف أنه لا أحد على ما يبدو يريد إنهاء هذه المشكلة العويصة، ويبدو أن هناك العديد من الأطراف الداخلية والخارجية التي من صالحها بقاء هذا الملف مفتوحاً، والجرح غائرًا، ليستمر النزيف ويبق الوطن رهين صراع طويل الأمد لا ينتهي في الأمد القريب والله أعلم.