المنهج النبوي في تصحيح أخطاء الغلمان

منذ 2014-01-28

لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حريصا كل الحرص على تربية أصحابه وتوجيههم، وخاصة الغلمان منهم والصغار، فمع كثرة أعبائه صلى الله عليه وسلم ومشاغله الكثيرة، لم يترك توجيه الغلمان وتصحيح أخطائهم، لعلمه بأهمية هذا الجانب، وخطورة هذا الأمر، في إخراج جيل مؤمن قوي الإيمان، يميز الحلال من الحرام والصحيح من الخطأ، والصالح من الطالح، وبذلك فقط ينمو المجتمع ويتطور، ويصبح أنموذجا يحتذى به.

 



 

وإذا كانت معالجة الأخطاء للكبار في غاية الأهمية والخطورة، فهي للصغار والغلمان أكثر أهمية و أشد خطرا، لأن الغلام والصغير إن لم تصحح أخطاؤه، وتوجه هفواته وزلاته، فإنه قد يظن أن هذه الأفعال سليمة ما دامت لم تصحح، و عادية لا شيء فيها ما دامت لم توجه، وعند ذلك قد يكررها حتى يصبح الخطأ فيما بعد عادة متأصلة في نفسه وحياته، يصعب علاجه وتوجيهه وتصحيحه .


 

لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حريصا كل الحرص على تربية أصحابه وتوجيههم، وخاصة الغلمان منهم والصغار، فمع كثرة أعبائه صلى الله عليه وسلم ومشاغله الكثيرة، لم يترك توجيه الغلمان وتصحيح أخطائهم، لعلمه بأهمية هذا الجانب، وخطورة هذا الأمر، في إخراج جيل مؤمن قوي الإيمان، يميز الحلال من الحرام والصحيح من الخطأ، والصالح من الطالح، وبذلك فقط ينمو المجتمع ويتطور، ويصبح أنموذجا يحتذى به، كما قال الله تعالى: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ} [أل عمران من الأية:110]

 

أسباب وقوع الغلمان في الخطأ:
وقبل البدء بمنهج النبي صلى الله عليه وسلم بتصحيح أخطاء الغلمان وتقويم هفواتهم وزلاتهم، لا بد أولا من معرفة الأسباب التي تجعل الغلام يقع في الخطأ، فقد ذكر علماء التربية والسلوك عدة أسباب لذلك منها:



 

1- الجهل بالشيء وعدم العلم به ذهنيا: وهو ما يسمى الخطأ الفكري، فالغلام هنا لا يعرف أن هذا الفعل أو العمل خطأ، ولا يملك فكرة صحيحة عنه، فيتصرف من نفسه، وعند ذلك يقع في الخطأ .



 

2- عدم الممارسة والتدريب: وهو ما يسمى الخطأ العملي، وهنا لا يستطيع الغلام القيام بالفعل على وجه الصحة، لعدم ممارسته لهذا الفعل من قبل، ولعدم التدرب عليه، وعند ذلك يقع في الخطأ .



 

3- الخطأ المتعمد: وهذا أمر نادر وقليل جدا عند الغلمان، وهو أن يتعمد الغلام في فعله الخطأ مع علمه بأنه على غير الصواب، ولا بد في هذه الحالة من علاج خاص وسريع  لأنها تشكل خطرا على الغلام والمجتمع بآن واحد .

المنهج النبوي في تصحيح أخطاء الغلمان:
لقد كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم منهج فريد وعظيم في تصحيح الأخطاء التي يقع فيها أصحابه بشكل عام، يتصف باللين والرفق والرحمة، وكان لهذا المنهج أثر كبير في تقويم سلوك الصحابة الكرام و غيرهم الكثير ممن كان له شرف توجيه الرسول الله صلى الله عليه وسلم و إرشاده، وهذا واحد منهم يروي قصة تعلمه من خطئه .

فقد أخرج مسلم في صحيحه عن معاوية بن الحكم السلمي قال: بينا أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه و سلم إذ عطس رجل من القوم، فقلت: يرحمك الله فرماني القوم بأبصارهم، فقلت: واثكل أمياه ما شأنكم تنظرون إلي؟ فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم، فلما رأيتهم يصمتونني سكت، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبأبي هو وأمي ما رأيت معلما قبله ولا بعده أحسن تعليما منه، فوالله ما كهرني ولا ضربني ولا شتمني، قال: «إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن». والأمثلة على ذلك كثيرة ليست مجال البحث هنا .



 

وإذا كان توجيه الكبار وتقويم سلوكهم ليس بالأمر اليسير، فإن تقويم سلوك الغلمان وتصحيح أخطائهم أخطر وأصعب، لأن الغلام يحتاج في التوجيه والتقويم إلى طريقة خاصة، وأسلوب تربوي يتناسب مع مداركه العقلية والنفسية، وهذا ما انفرد به رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي ورث العالم أعظم الوسائل التربوية و السلوكية، التي تصلح لكل زمان ومكان .

لقد اتبع الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم عدة وسائل في تقويم وتصحيح أخطاء الغلمان، وأهمها:
1- التعليم والتنبيه:
أي تصحيح الخطأ من خلال تعليم الغلام ما كان يجهله مما كان سببا في وقوعه بالخطأ، وهو ما يسمى التصحيح الفكري للخطأ، فكثيرا ما يقع الغلام في الخطأ لجهله وعدم علمه، ولا يحتاج في مثل هذه الحالة إلا إلى التعليم، وهذا ما كان يفعله صلى الله عليه وسلم في كثير من الأمثلة .

مثال1: أخرج البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أخذ الحسن بن علي رضي الله عنهما تمرة من تمر الصدقة فجعلها في فيه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «كخ كخ» ليطرحها ثم قال: «أما شعرت أنا لا نأكل الصدقة».
فقد علم الرسول صلى الله عليه وسلم الحسن بن علي، أن الأنبياء وآل بيت النبوة لا يجوز لهم أن يأكلوا من تمر الصدقة، فصحح له خطأه الذي وقع فيه بسبب عدم العلم .

مثال2: وفي هذا المثال لم يكتف الرسول صلى الله عليه وسلم بالتعليم، بل أعطى الغلام الذي وقع في الخطأ بديلا مناسبا لما كان يفعله، فقد أخرج أبو داود عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عُقْبَةَ عَنْ أَبِي عُقْبَةَ وَكَانَ مَوْلًى مِنْ أَهْلِ فَارِسَ قَالَ: شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُحُدًا فَضَرَبْتُ رَجُلًا مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَقُلْتُ: خُذْهَا مِنِّي وَأَنَا الْغُلَامُ الْفَارِسِيُّ. فَالْتَفَتَ إِلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «فَهَلَّا قُلْتَ خُذْهَا مِنِّي وَأَنَا الْغُلَامُ الْأَنْصَارِيُّ».

مثال3: وفي هذا الحديث أيضا علم الرسول صلى الله عليه وسلم الغلام المخطئ، وصحح خطأه مع إعطائه البديل المناسب، فقد أخرج الحاكم في المستدرك عن رافع بن عمرو الغفاري قال: كنت أرمي نخلا للأنصار وأنا غلام، فرآني النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «يا غلام لم ترمي النخل؟» فقلت: آكل قال: «فلا ترم النخل و كل مما يسقط في أسفلها»، ثم مسح رأسي و قال: «اللهم اشبع بطنه» .

لقد نبه الرسول صلى الله عليه وسلم الغلام أولا إلى خطئه بأن أكل من شجر الغير دون إذن منهم، ثم رخص له أن يأكل ما يسقط في أسفل الشجرة، ثم دعا له بشبع البطن حتى لا يكون شرها في الأكل، وهذا من لطائف تربيته وتعليمه صلى الله عليه وسلم .

2- التصحيح العملي لخطأ الغلام:
فقد يكون خطأ الغلام ناجما عن قلة الخبرة العملية، وعدم التدريب الجيد المسبق على الفعل، فعندما يرى الغلام الفعل الصحيح عمليا، ويحاول بعد ذلك المحاكاة والتدريب، فإنه بذلك سيتدارك الخطأ ويصححه .

أخرج ابن حبان في صحيحه وأصحاب السنن عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه و سلم مر بغلام يسلخ شاة، فقال له: «تنح حتى أريك فإني لا أراك تحسن تسلخ» قال: فأدخل رسول الله صلى الله عليه و سلم يده بين الجلد واللحم فدحس بها حتى توارت إلى الإبط ثم قال صلى الله عليه و سلم: «هكذا يا غلام فاسلخ» ثم انطلق فصلى ولم يتوضأ ولم يمس ماء .

3- تصحيح خطأ الغلمان من خلال استثمار الأوقات المناسبة:
فالغلام عندما يكون في النزهة والطريق، أو عندما يجلس على مائدة الطعام، فإنه ينطلق على سجيته وطبعه دون تكلف أو تصنع، فإذا بدرت منه هفوة أو خطأ، فما على المربي والمعلم إلا أن يصحح ويقوم، فهذه الأوقات مناسبة لذلك .

مثال الطريق: فقد ورد في صحيح البخاري ومسلم عن أنس رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في بعض أسفاره، وله غلام حبشي مملوك يقال له أنجشة، يحدو لهم ويسوق بهم (أي بالنساء وفيهن أم سليم)، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ويحك يا أنجشة رويدا سوقك بالقوارير» فقد استثمر الرسول صلى الله عليه وسلم الطريق والسفر لتصحيح الخطأ والتوجيه، لأنه أدعى للقبول في نفس الغلام .

مثال الطعام: أخرج البخاري ومسلم عن أبي سلمى قال: كنت غلاما في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت يدي تطيش في الصحفة، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا غلام سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك». فما زالت تلك طعمتي بعد (أي: صفة أكلي وطريقتي فيه) بعد توجيه الرسول صلى الله عليه وسلم وتصحيح الخطأ .

وهناك وقت آخر يصلح لتصحيح خطأ الغلام وتقويمه، ألا وهو وقت المرض، حيث تلين قلوب الكبار، فكيف بالغلمان والصغار، فلا بد للمربي أن يغتنم هذا الوقت لتصحيح الخطأ وتوجيه النصح والإرشاد المناسب .



 

أخرج البخاري في صحيحه عن أنس رضي الله عنه قال: كان غلام يهودي يخدم النبي صلى الله عليه و سلم فمرض، فأتاه النبي صلى الله عليه و سلم يعوده، فقعد عند رأسه فقال له: «أسلم». فنظر إلى أبيه وهو عنده فقال له: أطع أبا القاسم فأسلم فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: «الحمد لله الذي أنقذه من النار».

4- تصحيح الخطأ بشد الأذن:
وهو أسلوب نبوي رائع في تصحيح أخطاء الغلمان، وذلك بمداعبة جسدية تتمثل بشد الأذن بشكل لطيف وخفيف، تحمل في طياتها المداعبة والمعاتبة والتأديب، للفت انتباه الغلام بأن ما قام به خطأ يستوجب الاقلاع عنه وعدم تكراره .

فقد ورد بإسناد صحيح أن عبد الله بن بسر المازني قال: بعثتني أمي إلى النبي صلى الله عليه وسلم بقطف من عنب فأكلت منه قبل أن أبلغه إياه فلما جئت به أخذ بأذني وقال: «يا غدر».

وقد ورد حديث آخر لتصحيح خطأ الغلام بشد الأذن أو الأخذ بالرأس أو التحويل، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: بت عند خالتي ميمونة، فلما كان بعض الليل قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي، فأتى شنا معلقا فتوضأ وضوءا خفيفا ثم قام فصلى، فقمت فتوضأت و صنعت مثل الذي صنع، ثم قمت عن يساره فحولني عن يمينه، فصلى ما شاء الله ثم اضطجع فنام حتى نفخ، ثم أتاه المؤذن يؤذنه بالصلاة فخرج فصلى وفيه تصحيح لخطأ الغلام الذي التحق بالنبي صلى الله عليه وسلم، وصلى خلفه واقفا عن يساره، فصحح له ذلك وجعله يقف عن يمينه لا عن يساره.

5- تصحيح الخطأ بالتلميح من خلال الثناء والمدح:
فقد كان من عادة رسول الله صلى الله عليه وسلم في تصحيح الأخطاء، أن يبدأ أولا بمدح الغلام والثناء عليه، ليظهر محاسنه وفضائله، وأن الخطأ الذي وقع فيه، لا ينقص من فضله و مكانته، ثم يبادر بعد ذلك لتصحيح الخطأ وتقويمه، خاصة عندما يكون الموضوع متعلقا بالنوافل والسنن، لا بالفرائض والواجبات .

أخرج البخاري في صحيحه عن الزهري عن سالم عن أبيه رضي الله عنه قال: كان الرجل في حياة النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأى رؤيا يقصها على رسول الله صلى الله عليه وسلم وكنت غلاما شابا، وكنت أنام في المسجد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرأيت في النوم كأن ملكين أخذاني فذهبا بي الى النار، فإذا هي مطوية كطي البئر، وإذا لها قرنان وإذا فيها أناس قد عرفتهم، فجعلت أقول: أعوذ بالله من النار. قال: فلقينا ملك آخر قال لي: لم ترع. فقصصتها على حفصة فقصتها حفصة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل». فكان بعد ( أي عبد الله )لا ينام من الليل إلا قليلا .

6- تصحيح الخطأ من خلال غض الطرف عنه:
فما دام الخطأ مما يقع فيه الغلمان عادة في هذه الفترة من حياتهم، كحبهم للعب مع أقرانهم حبا شديدا، وربما يكون أحيانا على حساب عملهم أو خدمتهم لأهاليهم، أو غير ذلك من الواجبات المترتبة عليهم، فالأفضل في مثل هذه الحالات التغاضي و التغافل عن مثل هذه الأخطاء، لأنها حالة طبيعية للغلام بحكم تكوينه النفسي والجسدي في مثل هذه الفترة من حياته، وهذا ما تعلمناه من خلال طريقة تعامل الرسول صلى الله عليه وسلم مع بعض الأخطاء التي ظهرت من بعض الغلمان، وكيفية معالجته صلى الله عليه وسلم لمثل هذه الأخطاء .

عن أَنَسٍ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: خَدَمْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرَ سِنِينَ فَمَا أَمَرَنِي بِأَمْرٍ فَتَوَانَيْتُ عَنْهُ أَوْ ضَيَّعْتُهُ فَلَامَنِي، فَإِنْ لَامَنِي أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ إِلَّا قَالَ: «دَعُوهُ فَلَوْ قُدِّرَ أَوْ قَالَ لَوْ قُضِيَ أَنْ يَكُونَ كَانَ». فكثرة اللوم والعتاب على أخطاء الغلام في مثل هذا السن غير مفيدة ولا مثمرة، بل ربما تكون لها نتائج  سلبية .



 

وفي حديث آخر له نفس الدلالة والمعنى، كان الرسول صلى الله عليه وسلم فيه يبتعد عن اللوم والمعاتبة للغلام إذا أخطأ، قال أنس رضي الله عنه: خَدَمْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرَ سِنِينَ وَاللَّهِ مَا قَالَ لِي أُفًّا قَطُّ وَلَا قَالَ لِي لِشَيْءٍ لِمَ فَعَلْتَ كَذَا. وفي رواية: وما قال لشيء صنعته لم صنعته؟ ولا لشيء تركته لم تركته؟.

وفي حديث ثالث غضت أم أنس رضي الله عنهما الطرف عن خطئ ابنها أنس عندما تأخر عن وقته المعتاد، لأنه كان في خدمة الرسول صلى الله عليه وسلم، قال أنس رضي الله عنه: خدمت رسول الله صلى الله عليه و سلم يوما، حتى إذا رأيت أني قد فرغت من خدمتي قلت: يقيل رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرجت إلى صبيان يلعبون، قال: فجئت أنظر إلى لعبهم قال: فجاء رسول الله صلى الله عليه و سلم فسلم على الصبيان وهم يلعبون، فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعثني إلى حاجة له فذهبت فيها، وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم في فيء حتى أتيته واحتبست عن أمي عن الإتيان الذي كنت آتيها فيه، فلما أتيتها قالت: ما حبسك؟ قلت: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم في حاجة له، قالت: وما هي؟ قلت: هو سر لرسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: فاحفظ على رسول الله صلى الله عليه وسلم سره.

7- تصحيح خطأ الغلام بالمداعبة:
كثيرا ما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يستخدم أسلوب المداعبة مع الصحابة الكرام، ولعل مداعبته للغلمان كانت هي الأكثر، بسبب ميلهم لهذا الأسلوب وحبهم له، ورغبة منه صلى الله عليه وسلم في التودد إليهم وتعليمهم وإرشادهم وتصحيح أخطائهم من خلال ذلك .

قال أنَس رضي الله عنه: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ خُلُقًا فَأَرْسَلَنِي يَوْمًا لِحَاجَةٍ فَقُلْتُ: وَاللَّهِ لَا أَذْهَبُ وَفِي نَفْسي أَنْ أَذْهَبَ لِمَا أَمَرَنِي بِهِ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَرَجْتُ حَتَّى أَمُرَّ عَلَى صِبْيَانٍ وَهُمْ يَلْعَبُونَ فِي السُّوقِ فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ قَبَضَ بِقَفَايَ مِنْ وَرَائِي. قَالَ: فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ وَهُوَ يَضْحَكُ فَقَالَ: «يَا أُنَيْسُ أَذَهَبْتَ حَيْثُ أَمَرْتُكَ». قَالَ: قُلْتُ نَعَمْ أَنَا أَذْهَبُ يَا رَسُولَ اللَّهِ .



 

وفي الحديث اشارة ملفتة في تصحيح الأخطاء من خلال أسلوب المداعبة مع الغلام المخطئ، حيث كان من عادته صلى الله عليه وسلم استخدام أسلوب تصغير اسم الغلام تعبيرا منه عن المداعبة والتودد له، وتصحيح منه للخطأ بهذا الأسلوب اللطيف والمحبب .



 

8- تصحيح خطأ الغلام بالحوار والإقناع:
فقد يرتكب الغلام والشاب الصغير الخطأ عمدا تحت ضغط شهواته وأهوائه، ولا سبيل لتصحيح مثل هذا الخطأ إلا بأسلوب الحوار والنقاش الهادئ، كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم، في الحديث الذي أخرجه أحمد في مسنده، مع ذلك الفتى الشاب الذي جاءه يقول: يا رسول الله ائذن لي بالزنا؟! فأقبل القوم عليه فزجروه وقالوا مه مه، فقال: أدنه فدنا منه قريبا، قال فجلس، قال: «أتحبه لأمك؟!». قال: لا والله جعلني الله فداءك، قال: «ولا الناس يحبونه لأمهاتهم»، قال: «أفتحبه لابنتك؟». قال: لا والله يا رسول الله جعلني الله فداءك، قال: «ولا الناس يحبونه لبناتهم»، قال: «أفتحبه لأختك؟!». قال: لا والله جعلني الله فداءك، قال: «ولا الناس يحبونه لأخواتهم»، قال: «أفتحبه لعمتك؟!». قال: لا والله جعلني الله فداءك، قال: «ولا الناس يحبونه لعماتهم»، قال: «أفتحبه لخالتك؟!». قال: لا والله جعلني الله فداءك، قال: «ولا الناس يحبونه لخالاتهم»، قال: فوضع يده عليه وقال: «اللهم اغفر ذنبه وطهر قلبه وحصن فرجه». فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء (قال الشيخ شعيب الأرناؤوط: إسناده صحيح رجاله ثقات رجال الصحيح) .



 

إن تصحيح أخطاء الغلمان وتوجيههم، ليس عملا انتقاميا ولا عدائيا، وإنما هو عمل تربوي وتعليمي، هدفه الأول والأخير الارتقاء بهذا الجيل الجديد، إلى المستوى الأخلاقي الإسلامي الرفيع، الذي يجعل من هؤلاء الغلمان في المستقبل القريب، نواة تقدم الأمة وازدهارها، وإعادة عزها ومجدها، في القريب العاجل إن شاء الله تعالى.