رحلة السنوات الخمس

منذ 2014-02-02

إن هذه المرحلة تحتاج إلى حرص وإلى عناية خاصة، تناسب وضع الطفل ونموه، ففي هذه المرحلة يكون الطفل قابلًا للتوجيه والاستقبال، ويمكن اعتبار هذه المرحلة" (مرحلة إعداد لما يستقبل من الأيام).

 

نتحدّث سويًا في هذا المقال عن مرحلة الطفولة دون سن التمييز، وهي المرحلة العمرية التي تسبق دخول الطفل إلى المرحلة الابتدائية، وإلى أن يبلغ من العمر خمس سنوات أو ست سنوات تقريبًا.

نتحدّث عن طبيعة المرحلة ومميزاتها.

طبيعة المرحلة:

تُعتبر مرحلة الطفولة من أهم المراحل في حياة الإنسان؛ فهي بمثابة الأساس الذي تقوم عليه بقية المراحل، وقد بين ذلك النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: «كل مولود يولد على الفطرة، حتى يعرب عنه لسانه، فأبواه يهودانه وينصرانه» (متفق عليه)، "فإذا تكلم وبين بلسانه، نقله أبواه إلى دينهما إذا لم يكونا مسلمين، مما يُبين أهمية هذه المرحلة، وما يمكن أن تؤثر فيه على الطفل الصغير عن طريق تربيته وتهيئته وتنشئته، حتى يشب على ما عوَّده أبوه" (نحو تربية إسلامية راشدة من الطفولة حتى البلوغ، محمد بن شاكر الشريف، [ص:29]).

"وهنا نتذكر قول الشاعر:


وينشأ ناشئ الفتيان منَّا *** على ما كان عوَّده أبوه

إن هذه المرحلة تحتاج إلى حرص وإلى عناية خاصة، تناسب وضع الطفل ونموه، ففي هذه المرحلة يكون الطفل قابلًا للتوجيه والاستقبال، ويمكن اعتبار هذه المرحلة" (مرحلة إعداد لما يستقبل من الأيام).

"وقد أكدت كثير من الدراسات الحديثة على أهمية التربية في السنوات الأولى من عمر الإنسان؛ حيث تقوم بدور مهم في تشكيل شخصيته، وتكوين اتجاهاته وميوله ونظرته إلى الحياة، حيث يتعلم كثيرًا من الخبرات التي تساعده على النمو السليم في كافة جوانبه" (أصول التربية الوقائية للطفل في الإسلام، د. حسين بانبيلة، [ص:65])..

مميزات المرحلة:

تتميز المرحلة التي نتحدث عنها بعدة مميزات وخصائص ذات أهمية، منها:

الجهة الواحدة:

فالتربية في هذه المرحلة غالبًا ما تعتمد على الأبوين بصورة رئيسية؛ فالوالدان يقومان في هذه المرحلة بتنشئة الطفل وتغذيته، وتنمية أحاسيسه وإدراكه، وكذلك ضبط انفعالاته وتصرفاته. وهنا يستطيع الوالدان غرس تنشئة الطفل وفقًا للقيم والثقافة السليمة الصحيحة.

التقليد:

في هذه المرحلة يميل الطفل إلى تقليد والديه، والولد غالبًا يميل إلى تقليد والده، والبنت تميل إلى تقليد أمها، وهذا الأمر يدل على تعلق الطفل بوالديه، وهذه الميزة لها دور مهم في تربية الطفل، والمحافظة على سلامته.

"فالتصرف الحسن الذي ليس من ورائه خطورة، لا يمنع الطفل من تقليد المربي فيه؛ حتى وإن كان لا يحسنه، فقد يرى الطفل أمه في البيت وهي تصلي فيحاول أن يقلدها، فلا ينبغي منعه من ذلك، وإن كان يخلط فيها أو يفعل ما لا ينغبي، فإن تركه يفعل ذلك هو من وسائل تعويده على أداء الصلاة، بل يستحسن أن تكون له سجادة صغيرة على قدره حتى يصلي وقت الصلاة مع أمه ويسجع على ذلك. وكذلك التصرف السيئ أو السلوك غير المحمود لا ينبغي أن يظهر من الأبوين أو أحدهما أمام الطفل، فإذا كان أحد الأبوين مبتلى بشيء من ذلك كشرب الدخان مثلًا، فإن الواجب عليه أن يتوب إلى الله تعالى من هذا العمل، وفي الوقت نفسه لا ينبغي أن يراه طفله على هذا التصرف" (نحو تربية إسلامية راشدة من الطفولة حتى البلوغ، محمد بن شاكر الشريف، [ص:31]).

الطفل والمحسوسات:

في هذه المرحلة يعتمد الطفل على المحسوسات بصورة كبيرة، بينما لا يستوعب القضايا المجردة أو المعنية، والتي لم يسبق لذنه أن مرّ على نموذج واقعي لها، ومثال ذلك:

إذا قالت الأم لطفلها: أنا أحبك، فهذا غالبًا لا يعني له شيئًا ذا بال، لكن إذا ضمته الأم إلى صدرها أو قبلته أو منحته شيئًا يحبه، هنا سيشعر بحقيقة الحب.

الرغبة في الاستكشاف:

الطفل في هذه المرحلة يكثر السؤال عن الأشياء المادية من حوله، فهي غالب غريب بالنسبة له، وهنا يتقدم المربي الحاذق ويقتنص الفرصة ليزود طفله بالكثير من المعلومات، ولا ينبغي أن ينهر الطفل أو يلام لكثرة أسئلته، بل على العكس، ينبغي أن يحرص المربي على الجواب على كل أسئلته بإجابات واضحة وكلمات قليلة يسهل على الطفل حفظها، وهكذا يتزوّد الطفل بالمعلومات وتزداد حصيلته اللغوية وقدرته على تكوين الجمل ذات المعني.

الطاقة التي لا تنفد:

إن معظم المربين يُقرّ بأن طفله لديه طاقة لا تنفد وحركة وحيوية مستمرة، وهذا صحيح، فطفلك يمتلك طاقة حركية كبيرة، يظل يمارسها طول فترة يقظته، وهي علامة صحة جسدية ونفسية، وإذا لم يقم المربي باستغلال هذه الطاقة وهذه الحركة الاستغلال الأمثل فسوف تُسبِّب له إرهاقًا، ولعل الكثير منا مر بهذه التجربة.

ولذلك نقول؛ لا ينبغي منع الطفل من هذه الحركة الدائمة كليًا، بل على المربي أن يشغل الطفل بما يستفد فيه هذه الطاقة قبل أن يشغله، ومن الأفضل أن تتنوّع مظاهر النشاط والحركة فلا تقتصر على نوع واحد كاللعب بالكره، بل يكون إلى جانب ذلك الجري، وركوب الدراجة ونحو ذلك.

"ومن الأمور غير الجيدة في التعامل مع هذه الظاهرة أن يعمد المربين إلى سلطة الأمر والنهي فقط، من غير أن يشغل الطفل بشيء، فإن الطفل بعد لحظات معدودات من الهدوء والسكينة التزامًا بالتعليمات، سرعان ما يعود إلى ما كان عليه، وكأن شيئًا لم يحدث. وقد تتكرر هذه الحالة، مما يدفع المربين إلى معاقبة الطفل أو تخويفه بأشياء يمتد تأثيرها على الطفل لسنوات طويلة، كتخويفه بالجن والعفارين، مما يعرِّض شخصيته للاهتزاز والجبن، وخاصة في الأماكن المظلمة. ولو تنبّه المربي أن الحركة الكثيرة من خصائص المرحلة، لكان عليه أن يحل المشكلة بطريقة مختلفة وتحمل فائدة للطفل، بأن يشغله بشيء يفرغ الطفل فيه طاقته، وفي الوقت نفسه يستفيد منه كبعض الألعاب المفيدة، أو يكلفله بعمل يسير في مستوى قدرته واستعداده" (نحو تربية إسلامية راشدة من الطفولة حتى البلوغ، محمد بن شاكر الشريف، [ص:31]).

التلقين:

يسهل على الطفل في هذه المرحلة التلقين، فيمكن للوالدين أن يقوما بتلقين الطفل المعلومات الأساسية بحيث يتمكن من حفظها كما تم تلقينها إياه، ويمكن تكرار هذه المعلومات حتى يحفظها، ومن المفيد جدًا أن تستغل هذه الفترة في تلقين الطفل للقرآن الكريم ويبدأ بالحفظ من قصار السور، مع الاستعانة في ذلك بما ظهر من الأجهزة كالمسجلات وأجهزة الحاسب ونحو ذلك.
 

 


 

المصدر: مفكرة الإسلام