انعكاسات الوقود الصخري على اقتصادات دول الخليج

منذ 2014-02-04

إن الطلب على النفط الخام والغاز الطبيعي لا يزال مرتفعاً ويمثلا معاً نسبة 57 في المائة من الاستهلاك العالمي للطاقة الأولية في عام 2012، وتشير الدراسات إلى احتمال أن يرتفع الطلب على النفط الخام من 89 مليون برميل الى 104 مليون برميل في عام 2030.

 
 
الطاقة تمثل عصب التطور، وتسعى الدول التي حباها الله بمصادر للطاقة إلى الاستخدام الأمثل لهذه المصادر للمحافظة على استمرار عجلة النمو فيها، ويؤدي التطور في التقنيات الحديثة إلى فتح آفاق جديدة في إنتاج النفط والغاز على نحو ساعد على تطور الاحتياطات الهيدروكربونية في المكامن المعقدة، في المقابل أدى التطور في تقنيات الاستكشاف والاستغلال إلى ظهور مصادر هيدروكربونية غير تقليدية مثل النفط الصخري والغاز الصخري، هذه المصادر غير التقليدية للطاقة قد تبدو للبعض أنها يمكن أن تشكل تهديداً للمصادر التقليدية للطاقة أو أنها يمكن أن تؤثر على عوائد الدول المصدرة للنفط والغاز. وأدى هذا الأمر إلى حدوث قلق لدي المنتجين التقليديين من الآثار المحتملة على أسعار النفط والغاز المنتجة من مصادر تقليدية وبالأخص على أسعار الغاز.

في اعتقادي أن هذا القلق مبالغ فيه إلى حد ما وبالأخص بشأن النفط الخام، فارتفاع تكلفة إنتاج النفط الصخري والآثار البيئية المترتبة على هذا الإنتاج تدل على أنه ربما يواجه تحديات كبيرة أو يكون على نطاق أقل لا يؤهله إلى مزاحمة إنتاج النفط التقليدي.
 
وللتعرف عن كثب على حجم هذه التغيّرات يمكن الإشارة إلى القفزة الكبيرة في إنتاج الولايات المتحدة من النفط والغاز الصخريين خلال السنوات الخمس الماضية، حيث ارتفع إنتاج النفط من 5 ملايين برميل يومياً في عام 2008 إلى 5.7 مليون برميل في عام 2013، في حين تشير بعض التوقعات إلى وصوله إلى 10 ملايين برميل في عام 2014، لتصبح الولايات المتحدة أكبر منتج للنفط في العالم، متجاوزة كلاً من السعودية وروسيا، وذلك بعد أن تحولت إلى أكبر منتج للغاز بنسبة 4.20 % من الإنتاج العالمي، لتنتقل من مستورد للغاز الطبيعي إلى مصدر له خلال الفترة نفسها.
 
إن الطلب على النفط الخام والغاز الطبيعي لا يزال مرتفعاً ويمثلا معاً نسبة 57 في المائة من الاستهلاك العالمي للطاقة الأولية في عام 2012، وتشير الدراسات إلى احتمال أن يرتفع الطلب على النفط الخام من 89 مليون برميل الى 104 مليون برميل في عام 2030، وهناك العديد من الدراسات التي تؤكد زيادة الإنتاج العالمي من النفط خلال العقد الحالي، في ضوء زيادة إنتاج الولايات المتحدة الأمريكية لنحو 5.10 مليون برميل يومياً بحلول عام 2015 متضمناً 1.2 مليون برميل من النفط الصخري، وقد يصل إلى 1.14 مليون برميل عام 2020.

أما روسيا، فتواجه انخفاضاً في إنتاج حقول غرب سيبريا، ومن ثم نجد أن الدراسات الموجودة على الساحة النفطية العالمية متفائلة في شأن أوضاع الولايات المتحدة في مجال الطاقة والنفط إذ ترى أنها ستتحرر من الاعتماد على الاستيراد بحلول عام 2020.

من الجدير بالذكر الإشارة إلى أن إمكانية إنتاج البترول الصخري متوافرة منذ عقد الأربعينيات في القرن الماضي، إلا أنه أصبح من المستطاع إنتاجه تجارياً بأسعار معقولة منذ سنتين تقريباً تقرير جديد صادر عن إدارة معلومات الطاقة الأميركية في منتصف حزيران (يونيو) 2013، والذي تضمن مسحاً للتكوينات النفطية والغازية القابلة للاستخراج في 41 دولة في العالم، أماط اللثام عن الحقائق الآتية:
 
  • إن الاحتياطات القابلة للاستخراج من النفط الصخري في العالم تصل إلى 345 مليار برميل.
     
  • إن الاحتياطات القابلة للاستخراج من الغاز الصخري تقدر بنحو 7201 ترليون قدم مكعبة.
     
  • بالرغم من أن النفط والغاز الصخريين ينتجان حالياً في كل من الولايات المتحدة وكندا، بيد أن أكثر من نصف الاحتياطات من النفط الصخري عالمياً خارج الولايات المتحدة تتواجد في أربع دول هي روسيا والصين والأرجنتين وليبيا، بينما تتواجد احتياطيات الغاز العالمية خارج الولايات المتحدة في صف دول هي الصين والأرجنتين والجزائر وكندا والمكسيك.

ويشكل البترول الصخري وفقاً للعديد من المراقبين أكبر تحد يواجه صناعة البترول التقليدية منذ أن بدأ إنتاجهما تجارياً أواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، إذ لم تتمكن أي من البدائل المستدامة كالطاقة المتجددة أو الطاقة النووية أن تحل محلها رغم الاستثمارات الطائلة التي وظفت إذ لم تزد حصتها على 15% من مزيج الطاقة العالمي.
 
وتنبئ هذه التطورات على أننا مقبلون على ولادة حقبة نفطية جديدة تتسم بوفرة الاحتياطات النفطية والغازية في وجه الطلب العالمي المتعاظم للطاقة.
 
أن البترول كسلعة قابلة للنضوب، دفع الدول المتقدمة وفي مقدمتها أمريكا إلى اللجوء إلى مصادر البترول والغاز غير التقليدية، وذلك بعد أن استطاعت تطوير تقنيات الحفر وتكنولوجيا المعالجة ما مكنها من التوصل إلى إنتاج البترول والغاز من مصادر غير تقليدية مثل معالجة البترول الثقيل جداً، وبترول الرمال المتراصة (oil sands) والمسمى بتيومين، والسجيل الزيتي (oil shale) والسجيل الغازي (gas shale) هذا بالإضافة إلى أن التقنيات الحديثة تمكنت من تحويل الغاز إلى بترول واستخلاص البترول من الفحم الجيري.

ويعتبر الصخر الزيتي (Oil Shale) والنفط الصخري (Tight Oil)، أحد أشكال النفط الخام الخفيف ويوجد في الصخور العميقة تحت سطح الأرض ويتم استخراجه "بالتكسير" من خلال آبار أفقية عميقة، وترتبط بقدرته الإنتاجية للنفط والغاز أو استخدامه كوقود للحرق، هذا وتتشابه خواص الزيت الصخري مع النفط الخام العادي، وهو أيضا يشمل النفط المحصور بين صخور عديمة النفاذية، وتستخدم في استخراجه تقنيات مشابهة لتقنيات الغاز الصخري، ويتم استخلاص النفط الناتج وتجميعه لمزيد من المعالجة والتكرير في مصفاة بترول عادية وعلى الرغم من التوقعات الكبيرة بأن يُحدث الغاز الصخري "ثورة" في مجال الطاقة في حال إمكانية استنساخه في دول أخرى من العالم، فإن هذه التوقعات ربما تجد لها سقفًا محدودًا بالنظر إلى عوامل عديدة، أهمها:
 
  • ارتفاع تكلفة استخراج الغاز الصخري (غير التقليدي) مقارنة بنظيره الطبيعي التقليدي.
     
  • ازدياد الطلب الآسيوي على منتجات الطاقة التقليدية (النفط والغاز) بسبب النمو الاقتصادي المتسارع في العديد من دول هذه القارة.
     
  • التوجه العام نحو إنشاء إطار تنظيمي أكثر صرامة لعملية التكسير الهيدروليكي المستخدمة في إنتاج الغاز الصخري نظرًا لما يرافق هذه العملية من أضرار بيئية خطيرة.
     

فالملاحظ أن هذا الإنتاج الهائل من النفط والغاز بواسطة التكسير المائي يجري وسط حملة احتجاج واسعة في الولايات المتحدة تقوم بها منظمات المجتمع المدني المهتمة بقضايا حماية البيئة.

 

وتدرج هذه المنظمات المحاذير الآتية:
 
  • التخوف من تلوث طبقات المياه العذبة القريبة من السطح بالمياه والمواد الكيميائية المستعملة في عملية التكسير، أو بالغاز المنتج.
     
  • تلوث الجداول والأنهار بالمياه المستعادة من الآبار.
     
  • ضجيج الشاحنات الهائلة الحجم التي تنقل المعدات والمياه والرمال، وتصاعد الغبار، وتأثير هذه الإزعاجات اليومية المتواصلة على حياة الناس الآهلين في المنطقة.
     
  • الهزات الأرضية الضعيفة الناتجة عن حقن كميات هائلة من المياه.
     
  • حرق الغاز المصاحب لإنتاج النفط، لكثرة الآبار المنتشرة على رقعة واسعة وعدم توافر الكابسات ومعامل معالجة الغاز، كما هي الحال في ولاية داكوتا الشمالية الأميركية التي تنتج الآن نحو 600 ألف برميل يومياً بدءاً من الصفر تقريباً قبل ثلاث سنوات.
     
وبالتأكيد، فإن لهذه التطورات انعكاسات كبيرة على منتجي النفط والغاز، وبالأخص في منطقة الخليج العربي، التي تعتمد بصورة شبه شاملة على مواردها الهيدروكربونية حيث:
  • تمتلك منطقة الخليج التي تضم دول مجلس التعاون الخليجي وإيران والعراق 56% من احتياطيات النفط التقليدية المؤكدة و40% من احتياطيات الغاز التقليدية المؤكدة على مستوى العالم.
     
  • ورغم هذا، تلبي منطقة الخليج فقط 37% و14% من الطلب العالمي على الطاقة.
     
  • ومع الوضع في الاعتبار الانخفاض النسبي لتكلفة الإنتاج مقارنة بأنحاء أخرى من العالم، فإن هذا التباين ما بين الاحتياطيات والإنتاج يعني أن المنطقة سوف تلعب دوراً أكبر بكثير لتلبية الزيادة في الطلب على الطاقة في المستقبل.
     
  • من المقدر أن يرتفع الاستهلاك العالمي للطاقة بنسبة 50% خلال الفترة من 2005 إلى 2030، وأن يستمر الوقود الأحفوري (النفط والغاز والفحم) في توفير معظم الاحتياجات من الطاقة على مستوى العالم.
     
  • تنفيذ المشروعات المتعلقة بالنفط والغاز يتطلب استثمارات كبيرة، ومن المتوقع أن تبلغ الاستثمارات الرأسمالية في مجال الطاقة في منطقة الخليج نحو 470 مليار دولارا أمريكي في الفترة من 2010 إلى 2014، بنسبة 47% لسلسلة النفط و36% لسلسلة الغاز.

أما من حيث التأثيرات غير المباشرة لثورة الغاز الصخري على اقتصاديات الدول الخليجية، فتجدر الإشارة إلى تحذيرات الاتحاد الخليجي للبتروكيماويات التي وجهها إلى قطاع التصنيع في منطقة الشرق الأوسط عمومًا وفي منطقة الخليج بشكل خاص، من التداعيات التي قد يشهدها قطاع البتروكيماويات خاصة ما يتعلق بمستقبل قطاع الأسمدة؛ حيث يتوقع أن يتأثر قطاع الأسمدة في دول مجلس التعاون الخليجي سلبًا نتيجة لنمو إنتاج الغاز الصخري في الولايات المتحدة الأميركية، لما يتيحه ذلك من حصول المصانع الأمريكية على المواد الأولية الداخلة في تركيب الأسمدة مثل النتروجين والكبريت بأسعار منخفضة، والذي قد يعرّض الشركات المنتجة في منطقة الخليج إلى التراجع.
 
ومما لا شك فيه أن هذه الاكتشافات الجديدة بالولايات المتحدة، بجانب الاكتشافات في مناطق أخرى في العالم، ستجعل الولايات المتحدة أقل اعتمادًا على إمدادات الطاقة من منطقة الشرق الأوسط خلال السنوات المقبلة، وهو ما ستكون له آثار استراتيجية واسعة، فمن المعروف أن السياسة الخارجية الأمريكية تجاه منطقة الشرق الأوسط طوال العقود الماضية كانت تقوم على أساس حماية مصلحتين أساسيتين، هما:
 
  • الدفاع عن أمن إسرائيل، وتأمين مصادر الطاقة للولايات المتحدة.
     
  • كما أن هذه الاكتشافات ستكون لها تداعيات اقتصادية مهمة تتعلق بقدرة المنطقة على الاستمرار في جذب استثمارات جديدة في قطاع الطاقة التقليدية؛ حيث بدأت بالفعل الكثير من شركات الطاقة الكبرى وخاصة الأوربية تندفع نحو تأمين هذه المصادر الجديدة سواء في أمريكا الشمالية أو في القارة الأوروبية. ومع الانسحاب التدريجي للولايات المتحدة وتخليها عن دورها ك «ضامن أمني» قد نجد الكثير من الشركات الغربية تغير من خططها الاستثمارية المستقبلية في المنطقة، وتتطلب هذه المستجدات التأقلم معها للمحافظة على المصالح الاستراتيجية لمختلف البلدان، وهو الأمر الذي يمكن أن يتم من خلال دراسة الظواهر والتطورات الجديدة ووضع الاستراتيجيات اللازمة للتكيف معها بهدف تقليل تأثيراتها السلبية إلى أقصى حد ممكن وتعظيم الاستفادة من الفرص والمكاسب التي تتيحها.


    الكـاتب : حسين عبد المطلب الأسرج