أقوال السَّلف والعلماء في الحثِّ على السَّتْر

منذ 2014-02-05

وقال ابن رجب: رُوي عن بعض السَّلف أنَّه قال: أدركت قومًا لم يكن لهم عيوب، فذكروا عيوب النَّاس، فذكر النَّاس عيوبهم. وأدركت أقوامًا، كانت لهم عيوب فكَفُّوا عن عيوب النَّاس فنُسيت عيوبهم.



 
قال أبو بكر الصِّديق رضي الله عنه: لو أخذت سارقًا لأحببت أن يَسْتُره الله عزَّ وجلَّ، ولو أخذت شاربًا، لأحببت أن يَسْتُره الله عزَّ وجلَّ [1577] رواه ابن سعد في الطَّبقات الكبرى (5/13)، وابن أبي شيبة في المصنَّف (5/474)، وصحَّح إسناده ابن حجر في الإصابة (1/575).
 
وعن أبي الشَّعثاء قال: كان شُرَحْبِيل بن السِّمْط على جيشٍ، فقال لجيشه: إنَّكم نزلتم أرضًا كثيرة النِّساء والشَّراب -يعني الخمر-، فمن أصاب منكم حدًّا فليأتنا، فنطهِّره، فأتاه ناس، فبلغ ذلك عمر بن الخطَّاب، فكتب إليه: أنت -لا أمَّ لك- الذي يأمر النَّاس أن يهتكوا سِتْر الله الذي سَتَرَهم به [1578] مصنَّف عبد الرزاق الصنعاني (5/197) (9371)، والزهد لهناد بن السري (2/646).
 
وعن المعْرُور بن سُوَيْد قال: أُتي عمر بامرأة راعية زنت، فقال عمر: ويح المرِّيَّة، أفسدت حَسَبَها، اذهبا بالمرِّيَّة فاجلداها، ولا تخرقا عليها جلدها، إنَّما جعل الله أربعة شهداء سترًا ستركم به دون فواحشكم، ولو شاء لجعله رجلًا صادقًا أو كاذبًا، فلا يطَّلعنَّ سِتْر الله منكم أحد [1579] مصنَّف عبد الرزاق الصنعاني (7/374) (13530)، والتوبيخ والتنبيه لأبي الشيخ الأصبهاني (1/65).
 
وعن الشَّعبي: أنَّ رجلًا أتى عمر بن الخطَّاب، قال: إنَّ ابنة لي أصابت حدًّا، فعَمَدت إلى الشَّفْرة، فذبَحَت نفسها، فأدركتُها، وقد قطعت بعض أوداجها، فداويتها فبرأت، ثم أنَّها نَسَكت، فأقبلت على القرآن، فهي تُخْطب إليَّ، فأخبر من شأنها بالذي كان، فقال له عمر: تعمد إلى سِتْر سَتَره الله فتكشفه؟ لئن بلغني أنَّك ذكرت شيئًا من أمرها، لأجعلنَّك نَكالًا لأهل الأمصار، بل أنكِحها نكاح العفيفة المسلمة [1580] رواه عبد الرزاق في المصنَّف (6/246)، وهناد في الزهد (1409)، والحارث في بغية الباحث (507) واللَّفظ له. قال ابن كثير في مسند الفاروق (1/393): فيه انقطاع. وقال البوصيري في إتحاف الخيرة المهرة (4/272): إسناده رجاله ثقات إلا أنه منقطع، فإنَّ رواية الشَّعبي عن عمر مرسلة.
 
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: ثلاث أحلف عليهنَّ، والرَّابعة لو حلفت لبَررْت: لا يجعل الله من له سهم في الإسلام كمن لا سهم له، ولا يتولَّى اللهَ عبدٌ في الدُّنيا فولَّاه غيره يوم القيامة، ولا يحبُّ رجل قومًا، إلا جاء معهم يوم القيامة، والرَّابعة التي لو حلفت عليها لبَررْت: لا يَسْتُر الله على عبد في الدُّنيا، إلَّا سَتَر عليه في الآخرة [1581] رواه عبد الرزاق في المصنَّف (11/199)، وصحَّح إسناده الألباني في سلسلة الأحاديث الصَّحيحة (1387) وقال: رجاله ثقات رجال الشيخين.
 
وعن مريم بنت طارق: أنَّ امرأة قالت لعائشة رضي الله عنها: يا أمَّ المؤمنين، إنَّ كَرِيًّا أخذ بساقي [1582] الكري: الذي يكري دابته. انظر: لسان العرب لابن منظور (15/219). وأنا مُحْرِمَة، فقالت رضي الله عنها: حِجْرًا حِجْرًا حِجْرًا [1583] حجرا أي سترا وبراءة من هذا الأمر. انظر: لسان العرب لابن منظور (4/167)، وأعرضت بوجهها، وقالت بكفِّها، وقالت: يا نساء المؤمنين، إذا أذنبت إحداكنَّ ذنبًا، فلا تخبرنَّ به النَّاس، ولتستغفر الله تعالى، ولتتب إليه؛ فإنَّ العباد يُعَيِّرُون ولا يُغَيِّرُون، والله تعالى يُغَيِّر ولا يُعَيِّر [1584] مكارم الأخلاق للخرائطي (1/153) (451).
 
وعن أبي عثمان النَّهدي، قال: إنَّ المؤمن ليُعطى كتابه في سِتْرٍ من الله تعالى، فيقرأ سيِّئاته فيتغيَّر لونه، ثمَّ يقرأ حسناته فيرجع إليه لونه، ثمَّ ينظر، وإذا سيِّئاته قد بُدِّلت حسنات، فعند ذلك يقول: هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ [الحاقة: 19] [1585] الزهد والرقائق لابن المبارك (1/497) (1415).
 
وقال الحسن البصري: من كان بينه وبين أخيه سِتْر فلا يكشفه [1586] مكارم الأخلاق للخرائطي (1/149) (441).
 
وعن إبراهيم بن أدهم، قال: بلغني أنَّ عمر بن عبد العزيز قال لخالد ابن صفوان: عِظْني وأوجز. قال: فقال خالد: يا أمير المؤمنين، إنَّ أقوامًا غرَّهم سِتْر الله عزَّ وجلَّ، وفتنهم حُسْن الثَّناء، فلا يغلبنَّ جهل غيرك بك علمك بنفسك، أعاذنا الله وإياك أن نكون بالسِّتْر مغرورين، وبثناء النَّاس مسرورين، وعمَّا افترض الله متخلِّفين مقصرين، وإلى الأهواء مائلين. قال: فبكى، ثم قال: أعاذنا الله وإياك من اتِّباع الهوى [1587] الزهد الكبير للبيهقي (1/187) (449).
 
وقال العلاء بن بدر: لا يعذِّب الله عزَّ وجلَّ قومًا يسترون الذُّنوب [1588] مكارم الأخلاق للخرائطي (1/153) (450).
 
وعن محمود بن آدم قال: سمعت سفيان بن عيينة، يقول: لولا ستْر الله عزَّ وجلَّ ما جالسَنا أحدٌ [1589] شعب الإيمان للبيهقي (6/290) (4203).

وعن شُبَيْل بن عوف الأَحْمَسِي، قال: كان يقال: من سمع بفاحشة، فأفشاها، كان فيها كالذي بدأها [1590] الزهد لوكيع (1/768) (450).
 
وعن عبد الله بن المبارك، قال: كان الرَّجل إذا رأى من أخيه ما يكره، أمره في سِتْر، ونهاه في سِتْر، فيُؤجر في سِتْره، ويُؤجر في نهيه، فأمَّا اليوم فإذا رأى أحدٌ من أحدٍ ما يكره، استغضب أخاه، وهتك سِتْره [1591] روضة العقلاء لابن حبان البستي (1/196).
 
وقال الفضيل بن عياض: المؤمن يَسْتر وينصح، والفاجر يهتِك ويُعيِّر [1592] جامع العلوم والحكم لابن رجب (1/225).
 
وعن عبيد الله بن عبد الكريم الجِيْلِي، قال: من رأيته يطلب العثرات على النَّاس، فاعلم أنَّه معيوب، ومن ذكر عَورات المؤمنين، فقد هتك سِتْر الله المرخَى على عباده [1593] التوبيخ   والتنبيه لأبي الشيخ الأصبهاني (1/101) (232).
 
وقال ابن رجب: رُوي عن بعض السَّلف أنَّه قال: أدركت قومًا لم يكن لهم عيوب، فذكروا عيوب النَّاس، فذكر النَّاس عيوبهم. وأدركت أقوامًا، كانت لهم عيوب فكَفُّوا عن عيوب النَّاس فنُسيت عيوبهم [1594] جامع العلوم والحكم (2/291).
 
وقال ابن القيِّم: وأمَّا اكتفاؤه في القتل بشاهدين دون الزِّنا، ففي غاية الحِكْمة والمصلحة؛ فإنَّ الشَّارع احتاط للقصاص والدِّماء، واحتاط لحدِّ الزِّنا، فلو لم يقبل في القتل إلَّا أربعة لضاعت الدِّماء، وتواثب العادون، وتجرَّءوا على القتل؛ وأمَّا الزِّنا فإنَّه بَالَغَ في سِتْره، كما قدَّر الله سِتْره، فاجتمع على ستْره شرع الله وقدره، فلم يقبل فيه إلَّا أربعة يصِفُون الفِعْل وصف مشاهدة، ينتفي معها الاحتمال؛ وكذلك في الإقرار، لم يكتف بأقلَّ من أربع مرَّات، حرصًا على سِتْر ما قدَّر الله ستْره، وكَرِه إظهاره، والتَّكلُّم به، وتوعَّد من يحبُّ إشاعته في المؤمنين بالعذاب الأليم، في الدُّنيا والآخرة [1595] إعلام الموقعين عن رب العالمين (2/50).
 
وقال أيضًا: للعبد سِتْرٌ بينه وبين الله، وسِتْرٌ بينه وبين النَّاس، فمن هتك السِّتْر الذي بينه وبين الله، هتك الله السِّتْر الذي بينه وبين النَّاس [1596] الفوائد (1/31).
 
وقال أيضًا: ومن النَّاس من طبعه طبع خنزير: يمرُّ بالطَّيِّبات فلا يلوي عليها، فإذا قام الإنسان عن رجيعه قَمَّه [1597] قم الشيء قما: كنسه، وقم الرجلُ: أكل ما على الخوان. انظر: لسان العرب لابن منظور (12/493)، القاموس المحيط للفيروزآبادي (1151)، وهكذا كثير من النَّاس، يسمع منك، ويرى من المحاسن أضعاف أضعاف المساوئ، فلا يحفظها، ولا ينقلها، ولا تناسبه، فإذا رأى سقطة، أو كلمة عَوْراء، وجد بغيته، وما يناسبها، فجعلها فاكهته ونقله [1598] مدارج السالكين (1/406).
 
وقال أبو البركات الغزي العامري في كلامه عن آداب العِشْرة بين المسلمين: ومنها: الاجتهاد في سِتْر عَورَات الإخوان وقبائحهم، وإظهار مناقبهم، وكونهم يدًا واحدةً في جميع الأوقات [1599] آداب العشرة لأبي البركات الغزي العامري (1/53).
المصدر: الدرر السنية