من معاني السماحة

منذ 2014-02-09

معنى السَّمَاحَة لغةً: مادة (سمح) تدل على سلَاسةٍ وَسُهولةٍ. والمسامَحة: المساهَلة، وسمح بكذا يسمح سُمُوحًا وسَماحه: جاد وأعطى، أو وافق على ما أريد منه [1714] مقاييس اللغة لابن فارس (3/99)، لسان العرب لابن منظور (3/99)، المصباح المنير للفيومي (1/288).

 
  • معنى السَّمَاحَة لغةً واصطلاحًا:
  1. معنى السَّمَاحَة لغةً: مادة (سمح) تدل على سلَاسةٍ وَسُهولةٍ. والمسامَحة: المساهَلة، وسمح بكذا يسمح سُمُوحًا وسَماحه: جاد وأعطى، أو وافق على ما أريد منه [1714] مقاييس اللغة لابن فارس (3/99)، لسان العرب لابن منظور (3/99)، المصباح المنير للفيومي (1/288).
     
  2. معنى السَّمَاحَة اصطلاحًا: السَّمَاحَة في الاصطلاح تطلق على معنيين:
  • الأول: (بذل ما لا يجب تفضلًا) [1715] التعريفات للجرجاني (ص 160).
     
  • الثاني: (في معنى التَّسامح مع الغير، في المعاملات المختلفة، ويكون ذلك بتيسير الأمور، والملاينة فيها، التي تتجلى في التيسير وعدم القهر) [1716] نضرة النعيم (6/2287).
 
قال الله تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف: 199].
 
قال السعدي: هذه الآية جامعة لحسن الخلق مع النَّاس، وما ينبغي في معاملتهم، فالذي ينبغي أن يعامل به النَّاس، أن يأخذ العفو، أي: ما سمحت به أنفسهم، وما سهل عليهم من الأعمال والأخلاق، ويتجاوز عن تقصيرهم، ويغض طرفه عن نقصهم [1717] تيسير الكريم الرحمن (ص 313).
 
وقال سبحانه: {وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إَلاَّ أَن يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَن تَعْفُواْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [البقرة: 237].
 
قال ابن عاشور: ومعنى كون العفو أقرب للتقوى، أنَّ العفو أقرب إلى صفة التقوى من التمسك بالحق؛ لأن التمسك بالحق لا ينافي التقوى، لكنه يؤذن بتصلب صاحبه وشدته، والعفو يؤذن بسماحة صاحبه ورحمته، والقلب المطبوع على السَّمَاحَة والرَّحْمَة أقرب إلى التقوى، من القلب الصلب الشديد؛ لأنَّ التقوى تقرب بمقدار قوَّة الوازع، والوازع شرعي وطبيعي، وفي القلب المفطور على الرَّأفة والسَّمَاحَة، لين يزعه عن المظالم والقساوة، فتكون التقوى أقرب إليه؛ لكثرة أسبابها فيه [1718] التحرير والتنوير (2/465).
 
ونفى الله عن رسوله الفظاظة، وغلظ القلب، فقال تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} [آل عمران: 159].

قال السعدي: أي: برحمة الله لك ولأصحابك، منَّ الله عليك أن ألنت لهم جانبك، وخفضت لهم جناحك، وترققت عليهم، وحسنت لهم خلقك، فاجتمعوا عليك وأحبوك، وامتثلوا أمرك. وَلَوْ كُنتَ فَظًّا أي: سيئ الخلق غَلِيظَ الْقَلْبِ أي: قاسيه، لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ لأنَّ هذا يُنفرهم ويبغضهم لمن قام به هذا الخلق السيِّئ [1719] تيسير الكريم الرحمن (ص 154).
 
وقال تعالى: {وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 280].
 
ففي هذه الآية وجَّه الله الدائنين إلى التيسير على المدينين المعسرين، فعلَّمهم الله بذلك سماحة النفس، وحسن التغاضي عن المعسرين [1720] الأخلاق الإسلامية لعبد الرحمن الميداني (2/467).

 
  • ثانيًا: في السُّنَّة النَّبويَّة:
عن جابر بن عبد الله، رضي الله عنهما أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «رحم الله رجلًا سمحًا إذا باع، وإذا اشترى، وإذا اقتضى» [1721] رواه البخاري (2076).
 
قال ابن بطال: فيه الحضُّ على السَّمَاحَة، وحسن المعاملة، واستعمال معالي الأخلاق ومكارمها، وترك المشاحة والرقة في البيع، وذلك سبب إلى وجود البركة فيه؛ لأن النَّبي عليه السلام لا يحض أمته إلا على ما فيه النفع لهم، في الدنيا والآخرة [1722] شرح صحيح البخاري (6/210).
 
وقال المناوي: «رحم الله عبدًا». دعاء أو خبر، وقرينة الاستقبال المستفاد من. «إذا». تجعله دعاء.

«سَمْحًا». بفتح فسكون، جوادًا أو متساهلًا، غير مضايق في الأمور، وهذا صفة مشبَّهة تدل على الثبوت؛ ولذا كرر أحوال البيع والشراء والتقاضي، حيث قال: «إذا باع، سمحًا إذا اشترى، سمحًا إذا قضى». أي: وفى ما عليه بسهولة. «سمحًا إذا اقتضى». أي: طلب قضاء حقه، وهذا مسوق للحث على المسامحة في المعاملة، وترك المشاححة والتضييق في الطلب، والتَّخلُّق بمكارم الأخلاق، وقال القاضي: رتَّب الدعاء على ذلك؛ ليدل على أنَّ السهولة والتسامح سبب لاستحقاق الدعاء، ويكون أهلًا للرحمة والاقتضاء والتقاضي، وهو طلب قضاء الحق [1723] فيض القدير (2/441).
 
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ألا أخبركم بمن يحرم على النار أو بمن تحرم عليه النار؟ على كل قريب هيِّن سهل» [1724] رواه الترمذي (2488)، وابن حبان (2/215) (469)، والطبراني في المعجم الكبير (10/231). قال المنذري في الترغيب والترهيب (2697): إسناده جيد. وصححه لغيره الألباني في صحيح الترغيب (1744).
 
قال القاري: أي: تحرم على كل سهل طلق حليم، ليِّن الجانب، قيل: هما يطلقان على الإنسان بالتثقيل والتخفيف. «قريب». أي: من النَّاس بمجالستهم في محافل الطاعة، وملاطفتهم قدر الطاعة.
«سهل». أي: في قضاء حوائجهم، أو معناه أنَّه سمح القضاء، سمح الاقتضاء، سمح البيع، سمح الشراء [1725] مرقاة المفاتيح (8/3179).
 
وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض، فجاء بنو آدم على قدر الأرض، جاء منهم الأحمر، والأبيض، والأسود، وبين ذلك، والسهل، والحزن، والخبيث، والطيب».[1726] رواه أبو داود (4693)، والترمذي (2955)، وأحمد (4/400) (19597). قال الترمذي حسن صحيح. وصححه   الألباني في صحيح الجامع (1759).
 
قال الطيبي: ولما كانت الأوصاف الأربعة ظاهرة في الإنسان والأرض، أجريت على حقيقتها، وأُوِّلت الأربعة الأخيرة؛ لأنَّها من الأخلاق الباطنة، فإنَّ المعني بالسهل: الرفق واللين، وبالحزن: الخرق والعنف، وبالطيِّب: الذي يعني به الأرض العذبة، المؤمن الذي هو نفع كله، بالخبيث: الذي يراد به الأرض السبخة، الكافر الذي هو ضر كله، والذي سبق له الحديث هو الأمور الباطنة؛ لأنَّها داخلة في حديث القدر بالخير والشر، وأما الأمور الظاهرة من الألوان، وإن كانت مقدرة فلا اعتبار لها فيه [1727] مرقاة المفاتيح للقاري (1/176).
 
والنفس السَّمحة كالأرض الطَّيِّبَة الهيِّنَة المستوية، فهي لكل ما يراد منها من خير صالحة، إن أردت عبورها هانت، وإن أردت حرثها وزراعتها لانت، وإن أردت البناء فيها سهلت، وإن شئت النوم عليها تمهدت [1728] الأخلاق الإسلامية لعبد الرحمن الميداني (2/446).
 
وعن حذيفة رضي الله عنه قال: أتى الله بعبد من عباده آتاه الله مالًا، فقال له: ماذا عملت فى الدنيا؟ -قال ولا يكتمون الله حديثًا- قال: يا رب آتيتني مالك، فكنت أبايع النَّاس، وكان من خلقي الجواز، فكنت أتيسَّر على الموسر، وأنظر المعسر. فقال الله: أنا أحق بذا منك، تجاوزوا عن عبدي [1729] رواه البخاري   (2077)، ومسلم (1560) واللفظ له.
 
قال النووي: والتَّجاوز والتَّجوز معناهما، المسامحة في الاقتضاء، والاستيفاء، وقبول ما فيه نقص يسير، كما قال وأتجوَّز في السِّكَّة، وفي هذه الأحاديث فضل إنظار المعسر والوضع عنه، إمَّا كل الدين، وإما بعضه من كثير، أو قليل، وفضل المسامحة في الاقتضاء وفي الاستيفاء، سواء استوفي من موسر أو معسر، وفضل الوضع من الدين، وأنَّه لا يحتقر شيء من أفعال الخير، فلعله سبب السعادة والرَّحْمَة [1730] شرح مسلم للنووي (10/225).
 
قال ابن تيمية: وأما السَّمَاحَة والصبر، فخلقان في النفس. قال تعالى: {وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ} [البلد: 17] وهذا أعلى من ذاك، وهو أن يكون صبَّارًا شكورًا، فيه سماحة بالرَّحْمَة للإنسان، وصبر على المكاره، وهذا ضد الذي خلق هلوعًا، إذا مسه الشر جزوعًا، وإذا مسه الخير منوعًا؛ فإنَّ ذاك ليس فيه سماحة عند النعمة، ولا صبر عند المصيبة [1731] مجموع الفتاوى لابن تيمية (7/264).

     
المصدر: الدرر السنية