الخطوط العريضة .. الخطط المضيئة

منذ 2014-02-26

البعض يشعر بالتقصير تجاه بعض السنن بينما هو قابع غارق في الآثام الكبرى، وبينما هو متألم من الغفلة عن بعض المستحبات إذا به ساكتٌ راض عن كثير من المحرمات والمنكرات!

 

كثيرًا ما أتلقى رسائل وأسئلة حول شكوى البعض من تقصير في باب من أبواب العبادة وحول غفلة عن تطبيق السنن والأعمال، وكثيرًا ما نسمع كلمة "تقصير" في حلقات الدروس وحديث الطيبين مع بعضهم بعضًا.

 

ولاشك أن الألم من التقصير شيء إيجابي، وأن السعي للنموذج والقدوة شيء مطلوب وأن الشعور الدائم بالتقصير في جنب الله سبحانه مبشر بخير ودافع إلى الأفضل.

 

ولكن ما يلفتني هاهنا هو ذلك الاعوجاج في النظرة إلى الأعمال، فالبعض يشعر بالتقصير تجاه بعض السنن بينما هو قابع غارق في الآثام الكبرى، وبينما هو متألم من الغفلة عن بعض المستحبات إذا به ساكتٌ راض عن كثير من المحرمات والمنكرات!

 

لقيني قبل أيام أحد التجار فقال: أحمد الله على تجارتي الواسعة ورزقي المبارك، وأنا أحاول أن أعمل الصالحات وأتصدق وغير ذلك، ولكنني مقصر في كثير من الأعمال كقيام الليل وحضور دروس العلم، وأنا أشعر أني اتراجع يومًا بعد يوم برغم نيتي الطيبة.

 

فقلت له: تعال بنا نبدأ بالبداية الصائبة، هل حرصت على تنقية قلبك من شوائب الشرك وآثامه؟ هل ثبَّت قلبك على يقين الإيمان؟ هل علمت حق الله عليك فسعيت في تطبيق ذلك؟ هل علمت حق نبيك صلى الله عليه وسلم وحق دينك فقمت به؟ هل أنكرت على نفسك الآثام الكبرى فنقيت نفسك منها، هل فعلت ذلك ابتداءً؟!

 

قال الرجل: ظننت من نفسي أني أفعل ذلك، لكنني في الحقيقة كذلك مقصر في كل ما ذكرت!

 

قلت له: وكيف تقصيرك في باب الآثام الكبار إذن؟

 

قال: سأصدقك، للأسف فأنا مقيم على معصيتين ثابتتين منذ سنين لا استطيع تركهما، الأولى هو غش بعض البضاعة التي أبيعها، لكن صدقني كل التجار يغشونها ولست وحدي، والثانية كثرة الكذب والحلف الكاذب في وعود رد الأموال وإعطائها، بل الكذب في معظم الكلام الخاص بالتجارة!

 

قلت له: هاهنا إذن لنقف، أنت قابع على كبيرتين هما الغش والكذب، ثم أنت تتألم من ضعف الالتزام بقيام الليل، إن قيام الليل يا أيها التاجر نعمة من الله ومنة يمُن بها الله سبحانه على عباده، وقديمًا قال ابن ادهم لمن شكى له عدم قيامه بالليل: "قيَّدتك ذنوبك".

 

وكذلك فالصالحات الأخرى شيء عظيم كريم مرغوب فيه، لكننا يجب علينا أن نصارح أنفسنا لنبني قلوبنا بناءً صائبًا لنحرص على تنقيتها من أمراضها وآثامها بينما نحن نهتم بالصالحات أيضًا.

 

لنتبع السيئة الحسنة بصورة فورية سريعة، فنندم على الذنب ونحدث الطاعة والاستغفار والتوبة.

 

لنقطع على أنفسنا طريق الإثم الذي اعتدناه، ونسعى في كبته والندم عليه والتخلص منه، مع حرصنا على الطاعات، لننتظم ونثبت على الفرائض والواجبات مع سعينا للالتزام بالمستحبات.

 

في الصحيحين أن الرسول صلى الله عليه وسلم مرَّ بقبرين فقال: «إنهما ليعذبان، وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان لا يتنزه من بوله، وأما الآخر فكان يمشي بين الناس بالنميمة» (متفق عليه).

 

خالد روشه