موعظة لطلاب العلم وطالباته

منذ 2014-02-26

في هذه الأعصار التي نعيشها حيث صار الجهل هو العنوان، وتصدرنا لا لعلمنا ولكن لرأب الصدع الذي تخلف عن قبض العلماء وتصدر الرويبضة.. يجب على الإنسان أن يذكر نفسه في كل وقت وحين أنه ليس أهلا للتصدر، وليس تحلق الناس حوله دليل نجابته، ولا إحاطته وعلمه، وأن يكثر من قول لا أعلم يجهر بها ليس فقط في مواضع جهله بل في مواضع عدم تثبته من معلومته..


بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد..
في هذه الأعصار التي نعيشها حيث صار الجهل هو العنوان، وتصدرنا لا لعلمنا ولكن لرأب الصدع الذي تخلف عن قبض العلماء وتصدر الرويبضة.. يجب على الإنسان أن يذكر نفسه في كل وقت وحين أنه ليس أهلا للتصدر، وليس تحلق الناس حوله دليل نجابته، ولا إحاطته وعلمه، وأن يكثر من قول لا أعلم يجهر بها ليس فقط في مواضع جهله بل في مواضع عدم تثبته من معلومته..  

وعليه أن يبين لمن يتعلمون منه أنه بشر ينسى ويجهل، ويخطئ بقوله وعمله، ويذكرهم ونفسه أنه ليس معصوما ولا يطالبهم لا بلسان حاله ولا مقاله أن يعتنقوا كل ما يقول ويختار ويرجح، بل يعلم هو نفسه أن كلامه صواب يحتمل الخطأ، وأن ما ينجيه من العذاب إذا أخطأ فقط أن يخلص لله نيته ويطلب الحق، فإن أصابه فله أجران وإن أخطأه فله أجر، فكيف يجزم لنفسه بالأجرين وهو ليس معصوما ولا موصولا بالوحي؟

ويجاهد في ذلك على ما فيه من مكابدة، فالنفس تحب المدح والتشبع بما لم تعط، ويكون ذلك بأن يطالع ويعاشر أهل الهمم والعلم، ولو افتقد القدوة الصالحة ففي مطالعة سير النبلاء والعلماء بغيته، فيعلم قدر نفسه جيدًا في البيئة الحقيقية لطلاب العلم، ولو راقب المرء نفسه وكف عن غفلته لوجد فيها من الأمراض ما يشغله بعيبه عن عيب غيره، فيقبل عليها حتى يقطع دابرها، ومن الأمراض التي أعظك أن تكون فيك يا طالب العلم: الرغبة الأكيدة في أن يبجله طلابه ويسلمون له، ويقولون له سمعنا وأطعنا، ولوجد أنه يشهد لنفسه بالعصمة بلسان حاله أو مقاله فلينته وليجاهد نفسه وليزجرها عن ذلك، منكسرا لله ذليلا وكفى بذلك العيب سببا للانكسار والفرار إلى الله، متضرعا يجأر إلى ربه اللهم نجني من شر نفسي ولا تكلني إليها طرفة عين، وعليه ألا يترك لنفسه عنان مدح نفسه بذم الآخرين، ولا يسمح لمثل هذه الخواطر أن تعشش في قلبه ويبيض طائرها فتفرخ في قلبه ما لا تحمد عقباه..

يقول الشاطبي:

يرى نفسه بالذم أولى لأنها *** على المجد لم تلعق من الصبر والألا


فليس جهل من حولنا -بزعمنا- سببا مرضيا لمدح أنفسنا، بل ذلك من النفس حماقة ورضى بالدون، كمن سعد في اختبار الثانوية العامة بالـ(51 %) فقط لأن أصدقاءه كلهم راسبون! وفي هذه نكتة طيبة إذا راودتك نفسك بذم إنسان ولو وسوسة فازجرها زجرا غير رفيق، وغض الطرف مستحضرا عيوبك منكسرا لله بها وجلا من خشيته، عالما أن لو شاء الله لابتلاء بما لا طاقة لك على دفعه {..وَيُخْرِج أَضْغَانكُم} [محمد: 37].

ولتجتهد في معرفة قدر الله تعالى وعظمته وقدر العبد فلا يتألى على الله ولا يظن بنفسه الخير، ولا يأمن تقلب قلبه ولا يجعل من نفسه حكما على الناس يسقط هذا ويرفع هذا، ويذم هذا ويمدح هذا، وكيف يأمن وقد كان أكثر دعاء النبي: «يا مقلِّبَ القلوبِ ثبِّت قلبي على دينِكَ»؟! (صحيح الترمذي: 3522)، وكيف يأمن وقد دعا الخليل ربه متضرعا: {..وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ}؟! [إبراهيم: 45]، بل يطلب الحق ليرفع الجهل عن نفسه وعن غيره ماضيا في طريقه غير ملتفت، يدعو إلى الله رحمة بالخلق ومن أبى يسأل الله لهم الهداية، ولا يجعل نفسه كبيرة في نفسه فيعظم عليه عصيان الخلق له أو نصحهم له وكأنه خلق ليأمر فيطاع!

وليحذر طالب العلم من العنف في خلقه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنَّ اللَّهَ تَعالى رَفيقٌ يُحِبُّ الرِّفقَ ويُعطي عليهِ ما لا يُعطي على العنفِ..» (صحيح مسلم: 2593)، فكيف بطالب علم يعلم قدر ربه وصفاته، وما يحب وما يبغض ثم إذا هو متخلق بما يبغض الله زاعما أن ذلك لله؟! بل هوى لنفسك وحظ نفسك {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63].
  
اللهم ارزقنا الحكمة. 
 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام