الجزء المفقود من الجزء الأول من المصنف (1)

منذ 2007-07-22

بيان الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين حفظه الله تعالى

بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله الملك العلام، الذي شرع الشرائع وأوضح الأحكام، وأرسل محمداً صلى الله عليه وسلم وكمل به دين الإسلام، ووفق صحابته الكرام لتلقي الدين القويم وبيان الحلال والحرام وصلى الله وسلم على محمد خير الأنام، وعلى آله وصحبه البررة الكرام.

أما بعد ...

فقد اطلعت على رسالة بعنوان: (الجزء المفقود من الجزء الأول من المصنف)، ويعني مصنف عبد الرزاق المشهور المطبوع، بتحقيق من سمى نفسه الدكتور/ عيسى بن عبد الله بن محمد بن مانع الحميري، وتقديم د/ محمود سعيد ممدوح، وذكر المحقق أن سبب نشره حيث لم يوجد لهم في المطبوع حديث قد عزاه بعض الصوفية إلى عبد الرزاق عن جابر، في خلق نور محمد صلى الله عليه وسلم أول المخلوقات، وهو حديث موضوع بلا شك، وقد انشغل هؤلاء الصوفية لما لم يوجد هذا الحديث في المصنف المطبوع، ولا في مصنفات عبد الرزاق الأخرى، ولما رأوا أن المطبوع قد سقط منه في أوله بعض الأبواب، اغتنموا هذا النقص، وأوهموا أن الحديث المطلوب في أول الكتاب، فاحتالوا مع بعضهم ووضعوا أبواباً ركبوا فيها أسانيد، وذكروا فيها آثاراً وأحاديث موضوعة، وكملوها من المصنف، وكتبوا في أول الجزء المذكور (كتاب الإيمان) لإدخال هذا الحديث فيه.

وقد بدؤوا هذا الباب بحديث طويل موقوف على السائب بن يزيد، وفيه خلق شجرة ذات أغصان أربعة، ثم خلق نور محمد صلى الله عليه وسلم، ومثله بالطاووس، وسرد كلاماً ركيكاً طويلاً في هذا الأثر الذي لا أصل له، ثم لم يعلق عليه بتخريج ولا مراجع، لأنه موضوع لا أصل له، وإنما ذكروه ليكون مقدمة بين يدي الحديث المطلوب، ثم ذكر بعده أحاديث وآثاراً موقوفة في صفة النبي صلى الله عليه وسلم، بعضها صحيح وبعضها ضعيف، وليس فيها ما يتقوى به حقاً حديث جابر الذي هو بيت القصيد، فقد ختم الباب به، وكان هو المقصود، ولما علم أن هناك من رده وكذبه/ كتب هذا المحقق قبل البدء في الباب المكذوب نحو خمس عشرة صفحة، كجواب لما فيه، أي في حديث جابر، وما ذكر فيه من ركاكة في الألفاظ، ومبالغات في الأوصاف،و عبارات تمجها الأسماع، وتنفر منها الطباع.

وهكذا بعدما أورد الحديث علق عليه، وذكر الإشكالات التي يمكن أن يعترض بها على جمل الحديث، وتكلف في الجواب عنها ومناقشتها، وما أمكنه من الكلام المتكلف والمتعسف، كرد لتلك الاعتراضات، وختم كتاب الإيمان بهذا الحديث المكذوب، بعد أن ركب له إسناداً من أصح الأسانيد وأشهرها.

ولا يشك كل ذي عقل سليم وفهم مستقيم أن هذا الباب والأبواب بعده في هذه النشرة مكذوبة مختلقة، لم يوردها عبد الرزاق رحمه الله ولا غيره من العلماء والأئمة، وإنما حملهم على هذا الاختلاق الحرص على إثبات حديث جابر الذي ذكره شيخ الطريقة وهو ابن عربي الاتحادي الضال، ويظهر أنه الذي افتراه وعزاه إلى عبد الرزاق، لعدم شهرة كتبه.

وقد علم أن عبد الرزاق تتلمذ عليه الكثير من الأئمة، ورووا عنه الكثير من الأحاديث الموجودة في مصنفه، فالإمام أحمد روى عنه حديثاً عن سفيان بن عيينة عن ابن المنكدر برقم (14123)، وحديثاً برقم (14453) عن ابن جريج عن ابن المنكدر، وغيرهما كثير، ولو كان هذا الحديث موجوداً في مصنفه كما زعم هؤلاء المتصوفة لما خفي على أئمة الحديث، كأهل الصحيحين وأهل السنن وأهل المسانيد وأهل التخاريج والمفسرين وعلماء الحديث الحريصين على ما ثبت في السنة، وما له صلة بفضل النبي صلى الله عليه وسلم، فقد أخرجوا أحاديث كثيرة، رواها الإمام عبد الرزاق عن شيخه معمر، وأثبتوها في مؤلفاتهم، فكيف أعرضوا عن هذا الحديث، مع أن إسناده أئمة ثقات مشهورون، لهم الروايات المتكررة في كتب الحديث.

وكل ذلك مما يؤكد أنه مختلق مكذوب، تجرأ هذا المتصوف وادعى العثور عليه في نسخة لا يعرف موضعها ولا مصدرها، خفيت على المحققين والمحدثين طوال هذه القرون وتجرأ هذا الدعي على الحديث، واتفق مع أهل نحلته فوضعوها، وتناسوا قول النبي صلى الله عليه وسلم: «من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار» .

وقد انتبه لهذه الأكذوبة الشيخ/ محمد زياد بن عمر التكلة وفقه الله تعالى، فتتبع تلك الأكاذيب، وأوضح أنها مكذوبة مختلقة، وأورد من الأدلة والقرائن ما يتجلى معه أن تلك الآثار والأحاديث لا أصل لها من رواية عبد الرزاق في مقدمة مصنفه، وأنها من وضع أولئك الصوفية الغلاة، ليبرروا موقف إمامهم ابن عربي الاتحادي، ففي أساليبها وركاكة ألفاظها ما يتضح أنها حديثة الوضع والكتابة، لا أنها من نسخ القرن العاشر كما يدعون.

والحمد لله الذي فضح هؤلاء الوضاعين، وكشف سترهم، وتبين براءة الإمام عبد الرزاق من نقل تلك الأحاديث المختلقة ونحوها في مصنفة.

والله أعلم.

وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.
قاله
عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين
عضو الإفتاء سابقاَ

بيان  الشيخ سعد بن عبد الله الحميد

الحمد لله حق حمده، وصلاته وسلامه على محمد وصحبه، وسلم تسليماً، أما بعد:

فقد اطلعت هذه الأيام على إصدار بعنوان "الجزء المفقود من المصنف للحافظ الكبير أبي بكر عبد الرزاق بن همام الصنعاني"، وهو بتحقيق الدكتور عيسى بن عبد الله بن محمد بن مانع الحميري، وقرظه محمود سعيد ممدوح.

فلما نظرت في هذا الجزء وتصفحته هالني ما رأيت، وما ظننت أن أحداً سيقدم على مثل هذه الجريمة التي لا تقل عن جريمة الدانمارك لو كان المسلمون على قدر من الوعي .. إذ كيف يجرؤ هذا الأفَّاك الذي أقدم على الوضع والكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصحابته الكرام رضي الله عنهم، والتابعين لهم بإحسان، وفي هذا العصر الذي ظننا معه أن الوضع في الحديث قد انتهى وطوي بساطه منذ أكثر من ألف عام، وإذا بقوم يخرجون في هذا الزمن وقد خلعوا ربقة الدين والخوف من الله، ونزعوا جلباب الحياء من عباد الله الذين سيفضحونهم ويكشفون جريمتهم.

من الذي قال لهم إن "مصنف عبد الرزاق" فيه سقط؟ وعلى أي شيء اعتمدوا؟ وهل الكتاب الذي فيه سقط تسقط معه جميع طرق أحاديثه وآثاره ؟

ثم انظروا يا عباد الله في ألفاظ تلك الأحاديث والآثار وسخافتها، وبعضها فيها تعبير لا يعرف في العصور الخوالي، ولا يعرف إلا في هذه الأزمان، ولَكْنَةُ الأعاجم فيها ظاهرة، والجهل برجال الحديث يعرفه فيه أهل الاختصاص، فتجد فيه رجلاً من أتباع التابعين يصرح بالسماع من الصحابة، لعلَّه صار ممن كُشفت له حُجُبُ الزمان، والجنون فنون! فنسأل الله تعالى أن يهتك ستر واضعه، ومن أعانه، وعلم بذلك ورضيه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

كتبه / سعد بن عبد الله بن عبد العزيز الحميِّد