المسلمون في إريتريا بين التهميش والإقصاء

منذ 2014-03-04

الناظر إلى حال المسلمين في إريتريا يجده كحال المسلمين في جميع الدول الأفريقية عموما، وخاصة غير الناطقة منها باللغة العربية، إذ يعانون من التهميش والإقصاء، على الرغم من أعدادهم الواضحة في إريتريا، والتي تقدرها الإحصاءات غير الرسمية بنحو 75% من أعداد سكان البلاد. غير أنه رغم هذه الأعداد المتزايدة، والتي تعد من الأعداد الكبيرة نسبيا في القارة السمراء، إلا أن المسلمين هناك يعانون ألوانا شتى من الاستقطاب وحملات التشويه المتواصلة.


الناظر إلى حال المسلمين في إريتريا يجده كحال المسلمين في جميع الدول الأفريقية عموما، وخاصة غير الناطقة منها باللغة العربية، إذ يعانون من التهميش والإقصاء، على الرغم من أعدادهم الواضحة في إريتريا، والتي تقدرها الإحصاءات غير الرسمية بنحو 75% من أعداد سكان البلاد. غير أنه رغم هذه الأعداد المتزايدة، والتي تعد من الأعداد الكبيرة نسبيا في القارة السمراء، إلا أن المسلمين هناك يعانون ألوانا شتى من الاستقطاب وحملات التشويه المتواصلة، فضلا عن منع وصولهم إلى أي منصب سياسي، سواء كان ذلك في داخل البلاد أو خارجها عبر السلك الدبلوماسي. قد يكون هناك مجالا متاحا للبعض منهم للانخراط في هذا العمل السياسي، غير أن هؤلاء ممن يحسبون على السلطة القائمة، الذين يبيعون دينهم بعرض زائل من الدنيا، فيصمتون على ما يمارس بحق إخوانهم المسلمين من تهميش واضح وإقصاء بين وتعنت لافت واضطهاد واسع، مقابل الرغبة من قبل السلطة في تصعيد نصارى إريتريا بشكل لافت.

وليس من نافلة القول -فإنه كما هو الحال في شأن بلاد المسلمين عموما- فإن مسلمي إريتريا يعانون من التدخل الأجنبي في شؤون بلادهم، والهيمنة على صنع قرارهم، ما يجعلهم ضحية بالتالي للاستجابة لهذا التدخل، والانصياع السياسي للهيمنة الأجنبية، حيث التدخل الأمريكي الأبرز في الشؤون الداخلية لشعب إريتريا، فضلا عن الدور الذي تلعبه إسرائيل، ما يعيد إلى الأذهان ذلك الدور التاريخي الذي لعبه هذا الثنائي بالتعاون مع إثيوبيا وبريطانيا بضم إريتريا قسرا بقرار جائر من الأمم المتحدة إلى الاتحاد الفيدرالي لإثيوبيا خلال الفترة من 1952 وحتى العام 1961، رغم معارضة غالبية الشعب الإريتري.

ومنذ هذا التاريخ والشعب المسلم في إريتريا يواجه أشكالا عدة من التبعية والهيمنة من قبل الدول الكبرى، خاصة مع بدايات القمع الأولى التي كان يمارسها نظام الإمبراطور هايله سيلاسي الأول ضد المسلمين، وهو القمع الذي يتواصل عبر أساليب مختلفة حتى يومنا، وبالطبع مع إلغاء الاتحاد الفيدرالي، ما تسبب في نشأة حركة التحرير الإرتري الشهيرة لمقاومة ما وقع على المسلمين هناك من قمع من قبل الاتحاد المشار إليه، والذي لا تزال أذنابه قائمة حتى الآن، ما كان دافعا أيضا إلى ظهور العديد من الحركات الأخرى والتي تستهدف جميعها الاهتمام بالتعليم والتربية الإسلامية، والمشاركة في النشاطات الوطنية، وتحقيق الوحدة والوطنية، والحفاظ على الهوية الإسلامية، وقبل ذلك تعزيز التمسك بالعقيدة الإسلامية.

وكعادة المحتل دائما ما يخلف رواسب له، فمع استقلال إريتريا، فإن هذه الرواسب لا تزال تعمل بنفس عقلية المحتل وتحقيق أهدافه بتأكيد التبعية وتعزيز الاستبداد، وهو ما انعكس على وضعية المسلمين من خلال التهميش والإقصاء، بل وممارسة عمليات تهجير قسري لكل من يحاول أن يغرد خارج سرب التبعية والإذلال، إلا أن الروح الوثابة للمسلمين هناك ورغبتهم في التمسك بدينهم والذود عنه جعلتهم في رباط لمقاومة أي ظلم واقع عليهم، أو يعمل لتشويه دينهم، مهما كلفهم ذلك من عنت وتحديات. وحقيقة هذه الحالة عليها الكثير من الشعوب الإفريقية المسلمة التي دائما ما تصارع تحدياتها بغية الحفاظ على إسلامها، على الرغم من كل التحديات التي تتعرض لها، غير أنها تظل متمسكة ومواجهة لكافة أشكال التهميش والإقصاء، وما النماذج الماثلة حاليا في القارة السمراء عن ذلك الوصف ببعيد.

والقاسم المشترك في ما يطلبه مسلمو إريتريا وغيرهم من مسلمي القارة الإفريقية هو دعمهم ليس فقط ماديا، ولكن معنويا، بل إنهم من فرط مطالبتهم بإغاثتهم ماديا من قبل المنظمات العربية والإسلامية المختلفة، فإنهم قد أعياهم هذا المطلب، بعد غض الطرف عنه، ما جعلهم يناشدون دول العالم العربي والإسلامي بدعمهم معنويا بتركيز إعلامهم على قضاياهم في إريتريا، وهو الأمر الواضح بالفعل إذ أن هناك ندرة هائلة في التعرض لأوضاع المسلمين في إريتريا على المستوى الاعلامي بأشكاله المختلفة، إذ لم يشغل هذا الفضاء الاعلامي الواسع في الدول العربية والإسلامية نفسه في تسليط الأضواء على أوضاع المسلمين في القارة الإفريقية، إلا فيما ندر، وعلى وجه التسطيح وليس العمق الإعلامي، على نحو ما نسمع ونشاهد من تركيزه على قضايا هامشية وسطحية لا تخدم الأمة في شيء، بل تضرها في هويتها وتمسها بدينها أكثر مما تنفع.


ويأمل المسلمون في إريتريا أن تتوحد الجبهات والحركات الفعالة على الأرض، خاصة وأن هدفهم جميعا واحد وهو دعم قضيتهم والحفاظ على هويتهم، والتركيز الإعلامي على ما يحدث داخل بلادهم، وتقديم العون المادي والتعليمي للاجئين الإرتريين في مناطق تواجدهم المختلفة، وخاصة في السودان، والصومال، وجيبوتي، وأن تعمل الجهات المعنية بالدول العربية والإسلامية، وعلى رأسها الأزهر الشريف في إيفاد الدعاة ورجال الدين، سواء على الصعيد الداخلي أو في مناطق اللاجئين.

ومن أبرز مطالب مسلمي إريتريا مساعدتهم في مجابهة التنصير هناك، والذي لم يتوقف عند الداخل فقط، بل تجاوزه الى الخارج، عندما امتد إلى داخل معسكرات اللاجئين، ما يعكس حجم التحدي، وخطورة هذا الغول المتوحش المضاد للعقيدة الإسلامية، الرامي إلى إفسادها بين أبناء الشعب المسلم في إريتريا وأماكن لجوئه، علاوة على مطالبتهم بضرورة الاهتمام بالتعليم الإسلامي داخل معسكرات اللاجئين، ليكون حاميا من أي مخطط يسعى لتشويه العقيدة الإسلامية، أو النيل منها، فضلا عن تعلم اللغة العربية، والتي تحظى برغبة حقيقية من جانبهم لتعلمها، خاصة وأنها لغة القرآن الكريم، وسط تحدي آخر وهو انتشار وتعزيز اللهجات واللغات غير العربية في إريتريا، ما يجعل نصرة هذا الشعب المسلم ضرورة ملحة في عالم تتصارعه الأمواج، لتلتهم كل المتمسكين بعقيدتهم الإسلامية وهويتهم.

علا محمود سامي