العلمانية

منذ 2007-07-28

العلمانية Secularism وترجمتها الصحيحة: اللادينية أو الدنيوية، وهي دعوة إلى إقامة الحياة على العلم الوضعي والعقل ومراعاة المصلحة بعيداً عن الدين

التعريف:
العلمانية Secularism وترجمتها الصحيحة: اللادينية أو الدنيوية، وهي دعوة إلى إقامة الحياة على العلم الوضعي والعقل ومراعاة المصلحة بعيداً عن الدين. وتعني في جانبها السياسي بالذات اللادينية في الحكم، وهي اصطلاح لا صلة له بكلمة العلم SCIENCE وقد ظهرت في أوروبا منذ القرن السابع عشر وانتقلت إلى الشرق في بداية القرن التاسع عشر وانتقلت بشكل أساسي إلى مصر وتركيا وإيران ولبنان وسوريا ثم تونس ولحقتها العراق في نهاية القرن التاسع عشر. أما بقية الدول العربية فقد انتقلت إليها في القرن العشرين، وقد اختيرت كلمة علمانية لأنها أقل إثارة من كلمة لا دينية.

ومدلول العلمانية المتفق عليه يعني عزل الدين عن الدولة وحياة المجتمع وإبقاءه حبيساً في ضمير الفرد لا يتجاوز العلاقة الخاصة بينه وبين ربه فإن سمح له بالتعبير عن نفسه ففي الشعائر التعبدية والمراسم المتعلقة بالزواج والوفاة ونحوهما.

تتفق العلمانية مع الديانة النصرانية في فصل الدين عن الدولة حيث لقيصر سلطة الدولة ولله سلطة الكنيسة. وهذا واضح فيما يُنسب إلى السيد المسيح من قوله: "إعط ما لقيصر لقيصر وما لله لله". أما الإسلام فلا يعرف هذه الثنائية والمسلم كله لله وحياته كلها لله {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [سورة الأنعام: 162].


التأسيس وأبرز الشخصيات:
انتشرت هذه الدعوة في أوروبا وعمت أقطار العالم بحكم النفوذ الغربي والتغلغل الشيوعي. وقد أدت ظروف كثيرة قبل الثورة الفرنسية سنة 1789م وبعدها إلى انتشارها الواسع وتبلور منهجها وأفكارها وقد تطورت الأحداث وفق الترتيب التالي:


- تحول رجال الدين إلى طواغيت ومحترفين سياسيين ومستبدين تحت ستار الإكليروس والرهبانية والعشاء الرباني وبيع صكوك الغفران.
- وقوف الكنيسة ضد العلم وهيمنتها على الفكر وتشكيلها لمحاكم التفتيش واتهام العلماء بالهرطقة، مثل:


1- كوبرنيكوس: نشر سنة 1543م كتاب حركات الأجرام السماوية وقد حرمت الكنيسة هذا الكتاب.
2- جرادانو: صنع التلسكوب فعُذب عذاباً شديداً وعمره سبعون سنة وتوفي سنة 1642م.
3- سبينوزا: صاحب مدرسة النقد التاريخي وقد كان مصيره الموت مسلولاً.
4- جون لوك طالب بإخضاع الوحي للعقل عند التعارض.

- ظهور مبدأ العقل والطبيعة: فقد أخذ العلمانيون يدعون إلى تحرر العقل وإضفاء صفات الإله على الطبيعة.

- الثورة الفرنسية: نتيجة لهذا الصراع بين الكنيسة من جهة وبين الحركة الجديدة من جهة أخرى، كانت ولادة الحكومة الفرنسية سنة 1789م وهي أول حكومة لا دينية تحكم باسم الشعب. وهناك من يرى أن الماسون استغلوا أخطاء الكنيسة والحكومة الفرنسية وركبوا موجة الثورة لتحقيق ما يمكن تحقيقه من أهدافهم.

- جان جاك روسو سنة 1778م له كتاب العقد الاجتماعي الذي يعد إنجيل الثورة، مونتسكيو له روح القوانين، سبينوزا يهودي يعتبر رائد العلمانية باعتبارها منهجاً للحياة والسلوك وله رسالة في اللاهوت والسياسة، فولتير صاحب القانون الطبيعي كانت له الدين في حدود العقل وحده سنة 1804م، وليم جودين 1793م له العدالة السياسية ودعوته فيه دعوة علمانية صريحة.

- ميرابو الذي يعد خطيب وزعيم وفيلسوف الثورة الفرنسية.



- سارت الجموع الغوغائية لهدم الباستيل وشعارها الخبز ثم تحول شعارها إلى الحرية والمساواة والإخاء وهو شعار ماسوني و"لتسقط الرجعية" وهي كلمة ملتوية تعني الدين وقد تغلغل اليهود بهذا الشعار لكسر الحواجز بينهم وبين أجهزة الدولة وإذابة الفوارق الدينية وتحولت الثورة من ثورة على مظالم رجال الدين إلى ثورة على الدين نفسه.

- نظرية التطور: ظهر كتاب أصل الأنواع سنة 1859م لتشارلز دارون الذي يركز على قانون الانتقاء الطبيعي وبقاء الأنسب وقد جعلت الجد الحقيقي للإنسان جرثومة صغيرة عاشت في مستنقع راكد قبل ملايين السنين، والقرد مرحلة من مراحل التطور التي كان الإنسان آخرها. وهذه النظرية أدت إلى انهيار العقيدة الدينية ونشر الإلحاد وقد استغل اليهود هذه النظرية بدهاء وخبث.

- ظهور نيتشة: وفلسفته التي تزعم بأن الإله قد مات وأن الإنسان الأعلى السوبر مان ينبغي أن يحل محله.

- دور كايم اليهودي: جمع بين حيوانية الإنسان وماديته بنظرية العقل الجمعي.

- فرويد اليهودي: اعتمد الدافع الجنسي مفسراً لكل الظواهر والإنسان في نظره حيوان جنسي.

- كارل ماركس اليهودي: صاحب التفسير المادي للتاريخ الذي يؤمن بالتطور الحتمي وهو داعية الشيوعية ومؤسسها الأول الذي اعتبر الدين أفيون الشعوب.

- جان بول سارتر: في الوجودية وكولن ولسون في اللامنتمي يدعوان إلى الوجودية والإلحاد.

- الاتجاهات العلمانية في العالم العربي والإسلامي نذكر نماذج منها:


1- في مصر: دخلت العلمانية مصر مع حملة نابليون بونابرت. وقد أشار إليها الجبرتي في تاريخه الجزء المخصص للحملة الفرنسية على مصر وأحداثها بعبارات تدور حول معنى العلمانية وإن لم تذكر اللفظة صراحة. أما أول من استخدم هذا المصطلح العلمانية فهو نصراني يُدعى إلياس بقطر في معجم عربي فرنسي من تأليفه سنة 1827م. وأدخل الخديوي إسماعيل القانون الفرنسي سنة 1883م، وكان هذا الخديوي مفتوناً بالغرب، وكان أمله أن يجعل من مصر قطعة من أوروبا.
2- الهند: حتى سنة 1791م كانت الأحكام وفق الشريعة الإسلامية ثم بدأ التدرج من هذا التاريخ لإلغاء الشريعة بتدبير الإنجليز وانتهت تماماً في أواسط القرن التاسع عشر.
3- الجزائر: إلغاء الشريعة الإسلامية عقب الاحتلال الفرنسي سنة 1830م.
4- تونس: أدخل القانون الفرنسي فيها سنة 1906م.
5- المغرب: أدخل القانون الفرنسي فيها سنة 1913م.
6- تركيا: لبست ثوب العلمانية عقب إلغاء الخلافة واستقرار الأمور تحت سيطرة مصطفى كمال أتاتورك، وإن كانت قد وجدت هناك إرهاصات ومقدمات سابقة.
7- العراق والشام: ألغيت الشريعة أيام إلغاء الخلافة العثمانية وتم تثبيت أقدام الإنجليز والفرنسيين فيهما.
8- معظم أفريقيا: فيها حكومات نصرانية امتلكت السلطة بعد رحيل الاستعمار.
9- أندونيسيا ومعظم بلاد جنوب شرقي آسيا: دول علمانية.
10- انتشار الأحزاب العلمانية والنزعات القومية: حزب البعث، الحزب القومي السوري، النزعة الفرعونية، النزعة الطورانية، القومية العربية.
11- من أشهر دعاة العلمانية في العالم العربي والإسلامي: أحمد لطفي السيد، إسماعيل مظهر، قاسم أمين، طه حسين، عبدالعزيز فهمي، ميشيل عفلق، أنطون سعادة، سوكارنو، سوهارتو، نهرو، مصطفى كمال أتاتورك، جمال عبد الناصر، أنور السادات صاحب شعار "لا دين في السياسة ولا سياسة في الدين"، د. فؤاد زكريا. د. فرج فودة وقد اغتيل بالقاهرة مؤخراً، وغيرهم.

الأفكار والمعتقدات:


• بعض العلمانيين ينكرون وجود الله أصلاً. وبعضهم يؤمنون بوجود الله لكنهم يعتقدون بعدم وجود أية علاقة بين الله وبين حياة الإنسان.
• الحياة تقوم على أساس العلم المطلق وتحت سلطان العقل والتجريب.
• إقامة حاجز سميك بين عالمي الروح والمادة، والقيم الروحية لديهم قيم سلبية.
• فصل الدين عن السياسة وإقامة الحياة على أساس مادي.
• تطبيق مبدأ النفعية Pragmatism على كل شيء في الحياة.
• اعتماد مبدأ الميكيافيلية في فلسفة الحكم والسياسة والأخلاق.
• نشر الإباحية والفوضى الأخلاقية وتهديم كيان الأسرة باعتبارها النواة الأولى في البنية الإجتماعية.

أما معتقدات العلمانية في العالم الإسلامي والعربي التي انتشرت بفضل الاستعمار والتبشير فهي:


- الطعن في حقيقة الإسلام والقرآن والنبوة.
- الزعم بأن الإسلام استنفذ أغراضه وهو عبارة عن طقوس وشعائر روحية.
- الزعم بأن الفقه الإسلامي مأخوذ عن القانون الروماني.
- الزعم بأن الإسلام لا يتلاءم مع الحضارة ويدعو إلى التخلف.
- الدعوة إلى تحرير المرأة وفق الأسلوب الغربي.
- تشويه الحضارة الإسلامية وتضخيم حجم الحركات الهدامة في التاريخ الإسلامي والزعم بأنها حركات إصلاح.
- إحياء الحضارات القديمة.
- اقتباس الأنظمة والمناهج اللادينية عن الغرب ومحاكاته فيها.
- تربية الأجيال تربية لا دينية.

• إذا كان هناك عذر ما لوجود العلمانية في الغرب فليس هناك أي عذر لوجودها في بلاد المسلمين لأن النصراني إذا حكمه قانون مدني وضعي لا ينزعج كثيراً ولا قليلاً لأنه لا يعطل قانوناً فرضه عليه دينه وليس في دينه ما يعتبر منهجاً للحياة، أما مع المسلم فالأمر مختلف حيث يوجب عليه إيمانه الاحتكام إلى شرع الله.
ومن ناحية أخرى فإنه إذا انفصلت الدولة عن الدين بقى الدين النصراني قائماً في ظل سلطته القوية الفتية المتمكنة وبقيت جيوشها من الرهبان والراهبات والمبشرين والمبشرات تعمل في مجالاتها المختلفة دون أن يكون للدولة عليهم سلطان بخلاف ما لو فعلت ذلك دولة إسلامية فإن النتيجة أن يبقى الدين بغير سلطان يؤيده ولا قوة تسنده حيث لا بابوية له ولا كهنوت ولا أكليروس، وصدق الخليفة الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه حين قال: "إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن".


الجذور الفكرية والعقائدية:


• العداء المطلق للكنيسة أولاً، وللدين ثانياً أيًّا كان، سواء وقف إلى جانب العلم أم عاداه.
• لليهود دور بارز في ترسيخ العلمانية من أجل إزالة الحاجز الديني الذي يقف أمام اليهود حائلاً بينهم وبين أمم الأرض.
• يقول ألفرد هوايت هيو: "ما من مسألة ناقض العلم فيها الدين إلا وكان الصواب بجانب العلم والخطأ حليف الدين" وهذا القول إن صح بين العلم واللاهوت في أوروبا فهو قول مردود ولا يصح بحال فيما يخص الإسلام حيث لا تعارض إطلاقاً بين الإسلام وبين حقائق العلم، ولم يقم بينهما أي صراع كما حدث في النصرانية. وقد نقل عن أحد الصحابة قوله عن الإسلام: "ما أمر بشيء، فقال العقل: ليته نهى عنه، ولانهى عن شيء، فقال العقل: ليته أمر به". وهذا القول تصدقه الحقائق العلمية والموضوعية وقد أذعن لذلك صفوة من علماء الغرب وأفصحوا عن إعجابهم وتصديقهم لتلك الحقيقة في مئات النصوص الصادرة عنهم.

- تعميم نظرية العداء بين العلم من جهة والدين من جهة لتشمل الدين الإسلامي على الرغم من أن الدين الإسلامي لم يقف موقف الكنيسة ضد الحياة والعلم بل كان الإسلام سباقاً إلى تطبيق المنهج التجريبي ونشر العلوم.
• إنكار الآخرة وعدم العمل لها واليقين بأن الحياة الدنيا هي المجال الوحيد للمتع والملذات.

• لماذا يرفض الإسلام العلمانية:


- لأنها تغفل طبيعة الإنسان البشرية باعتباره مكوناً من جسم وروح فتهتم بمطالب جسمه ولاتلقي اعتباراً لأشواق روحه.
- لأنها نبتت في البيئة الغربية وفقاً لظروفها التاريخية والاجتماعية والسياسية وتعتبر فكراً غريباً في بيئتنا الشرقية.
- لأنها تفصل الدين عن الدولة فتفتح المجال للفردية والطبقية والعنصرية والمذهبية والقومية والحزبية والطائفية.
- لأنها تفسح المجال لانتشار الإلحاد وعدم الإنتماء والاغتراب والتفسخ والفساد والانحلال.
- لأنها تجعلنا نفكر بعقلية الغرب، فلا ندين العلاقات الحرة بين الجنسين وندوس على أخلاقيات المجتمع ونفتح الأبواب على مصراعيها للممارسات الدنيئة، وتبيح التعامل بالربا وتعلي من قدر الفن للفن، ويسعى كل إنسان لإسعاد نفسه ولو على حساب غيره.
- لأنها تنقل إلينا أمراض المجتمع الغربي من إنكار الحساب في اليوم الآخر ومن ثم تسعى لأن يعيش الإنسان حياة متقلبة منطلقة من قيد الوازع الديني، مهيجة للغرائز الدنيوية كالطمع والمنفعة وتنازع البقاء ويصبح صوت الضمير عدماً.
- مع ظهور العلمانية يتم تكريس التعليم لدراسة ظواهر الحياة الخاضعة للتجريب والمشاهدة وتُهمل أمور الغيب من إيمان بالله والبعث والثواب والعقاب، وينشأ بذلك مجتمع غايته متاع الحياة وكل لهو رخيص.

الانتشار ومواقع النفوذ :


• بدأت العلمانية في أوروبا وصار لها وجود سياسي مع ميلاد الثورة الفرنسية سنة 1789م. وقد عمت أوروبا في القرن التاسع عشر وانتقلت لتشمل معظم دول العالم في السياسة والحكم في القرن العشرين بتأثير الاستعمار والتبشر.

يتضح مما سبق:


• أن العلمانية دعوة إلى إقامة الحياة على أسس العلم الوضعي والعقل بعيداً عن الدين الذي يتم فصله عن الدولة وحياة المجتمع وحبسه في ضمير الفرد ولا يصرح بالتعبير عنه إلاَّ في أضيق الحدود. وعلى ذلك فإن الذي يؤمن بالعلمانية بديلاً عن الدين ولا يقبل تحكيم الشرعية الإسلامية في كل جوانب الحياة ولا يحرم ما حرم الله يعتبر مرتداً ولا ينتمي إلى الإسلام. والواجب إقامة الحجة عليه واستتابته حتى يدخل في حظيرة الإسلام وإلا جرت عليه أحكام المرتدين المارقين في الحياة وبعد الوفاة.



مراجع للتوسع :


- جاهلية القرن العشرين، محمد قطب.
- المستقبل لهذا الدين، سيد قطب.
- تهافت العلمانية، عماد الدين خليل.
- الإسلام والحضارة الغربية، محمد محمد حسين.
- العلمانية، سفر بن عبد الرحمن الحوالي.
- تاريخ الجمعيات السرية والحركات الهدامة، محمد عبدالله عنان.
- الإسلام ومشكلات الحضارة، سيد قطب.
- الغارة على العالم الإسلامي، ترجمة محب الدين الخطيب ومساعد اليافي.
- الفكر الإسلامي في مواجهة الأفكار الغربية، محمد المبارك.
- الفكر الإسلامي الحديث وصلته بالاستعمار الغربي، محمد البهي.
- الإسلام والعلمانية وجهاً لوجه، د. يوسف القرضاوي.
- العلمانية: النشأة والأثر في الشرق والغرب، زكريا فايد.
- وجوب تحكيم الشريعة الإسلامية للخروج من دائرة الكفر الاعتقادي، د. محمد شتا أبو سعد، القاهرة، 1413هـ.
- جذور العلمانية، د. السيد أحمد فرج دار الوفاء المنصورة 1990م.
-علماني وعلمانية، د. السيد أحمد فرج - بحث ضمن المعجمية الدولية بتونس 1986م.


إعداد الندوة العالمية للشباب الإسلامي

المصدر: صيد الفوائد