من هنا الطريق
أبو البراء العوفي
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده .
الطريق إلى الله طريق محفوف بالمكاره ، موطن بالشهوات ، إننا نعيش عصراً تتسارع فيه الفتن كقطع الليل يرقق بعضها بعضاً حلفاء أبي لهبٍ فيه كثير، والمهتدون بهدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم قليل، ألا إنه لن يتم الاندفاع بهدى محمد الأمين عليه صلوات وسلام رب العالمين، إلا بالانقطاع عن خزي أبي لهب مع بيان سبيل المجرمين، ولا يصح الإيمان بذي العزة والجبروت والملكوت إلا بالكفر بالطاغوت ، فالهدي هو خير ما يحتاجه الرجال وشر بضاعة المرء الضلال ، لذا يجب على العبد أن يتفكر مصيره ومآله وذلك يكون بالنظر مليا في هذا الميثاق الذي آخذه الله عليه وهو في عالم الأرواح ، حتى يسير إلى الله بسلام لا تخترقه شياطين الإنس والجأن .
قال تعالى (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ ) قال ابن عباس: خلق الله آدم وأخذ ميثاقه أنه ربه، وكتب أجله ورزقه ومصيبته، ثم أخرج ولده من ظهره كهيئة الذر فأخذ مواثيقهم أنه ربهم، وكتب آجالهم وأرزاقهم ومصائبهم
ومع أن هذا الميثاق لا يذكره أحد منا فكان من رحمة الله بنا أن أرسل الرسل ليذكروا العباد به ، فطريق الله واحد وهو لزوم الصراط المستقيم الذي ضل عنه اليهود والنصارى وهُدِينا له ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، فواحدة في الجنة وسبعون في النار، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، إحدى وسبعون في النار وواحدة في الجنة، والذي نفس محمد بيده لتفترقن أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، فواحدة في الجنة، واثنتان وسبعون في النار) فطالب النجاة عليه بمذهب القرون الفاضلة حتى يحذوا حذوهم .فأول عمل يعمله السالك إلى ربه
1- الاهتمام بهدي السلف والتمسك بقولهم وعملهم حتى يضمن لنفسه النجاة لاسيما النظر في سيرهم فإن التربية بالقدوة من أحسن وسائل التربية في وقت عز فيه الخل الوفي ويكون ذلك بقراءة أحوالهم ، وكذلك مطالعة أحوال القلب الذي هو اشد تقلب من القدر إذا استحكم غليانا حتى يأمن لنفسه عدم الوقوع في فتنة الشهوات والشبهات
2- تعظيم الصحابة وعدم تنقص واحد منهم فالصحابة عدول مرضي عنهم وانتقاص واحد منهم انتقاص لجميعهم فلقد دخل عائذ بن عمرو المزني رضي الله عنه على بعض الولاة الظلمة يأمره وينهاه فقال له هذا الوالي اسكت فإنما أنت من نخالة أصحاب محمد صلى الله عيه وسلم فقال عائذ رضي الله عنه وهل كانت فيهم نخالة إنما كانت النخالة بعدهم وفي غيرهم ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في العقيدة الوسطية (ومن نظر في سيرة القوم بعلم وبصيرة، وما منَّ الله عليهم به من الفضائل علم يقينا أنهم خير الخلق بعد الأنبياء لا كان ولا يكون مثلهم، وأنهم الصفوة من قرون هذه الأمة التي هي خير الأمم، وأكرمها على الله)
3- أخذ العلم من مصابه النقي الذي لا يتخلله شائبة وذلك بالجلوس بين يدي العلماء الربانيين والدعاة الصادقين وعدم التطاول عليهم بهمز وغمز وغيبة ونميمة ، فالعلماء كما يصور حالهم بعض الفضلاء " هم حراس الديانة الأمناء، والغض من مكانة الحارس معناه استدعاء اللصوص، العلماء عقول الأمة، والأمة التي لا تحترم عقولها غير جديرةٍ بالبقاء، العلماء حملة الشريعة وورثة الأنبياء، والمؤتمنون على الرسالة، حبهم والذب عنهم ديانة، ما خلت ساحة من أهل العلم إلا اتخذ الناس رءوساً جهالاً يفتونهم بغير علم، فيعم الضلال، ويتبعه الوبال والنكال، وتطل عندها سحب الفتن تمطر المحن، ومن الوقيعة ما قتل، فنعوذ بالله من الخطل، وما عالم برع في علمه يؤخذ بهفوته، وإلا لما بقي معنا عالم قط، فكلٌ رادٌّ ومردودٌ عليه، والعصمة لأنبياء الله ورسله، والفاضل من عدت سقطاته، وليتنا أدركنا بعض صوابهم، أو كنا ممن يميز خطأهم على الأقل، وإذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث "
4- مجانبة أهل البدع وعدم مخالطتهم ولو بالمناظرة لمن لم يكن متحققا بالعلم الشرعي ،ومن كان متحققا قلنا له انأ بنفسك فإنك لا تأمن لنفسك السلامة فإن مخالطتهم تعدي كما يعدي الصحيح الأجرب ، فإن القلوب ضعيفة والشبه خطافه ، لذا يقول اللالكائي - رحمه الله - في كتابه شرح أصول اعتقاد أهل السنة محذرا من مخالطة أهل البدع وترك مجالستهم
(فما جني على المسلمين جناية أعظم من مناظرة المبتدعة ، ولم يكن قهر ولا ذل أعظم مما تركهم السلف على تلك الجملة ، يموتون من الغيظ كمدا ولا يجدون إلى إظهار بدعتهم سبيلا ، حتى جاء المغرورون ففتحوا لهم إليها طريقا ، وصاروا إلى هلاك الإسلام دليلا ، حتى كثرت بينهم المشاجرات ، وظهرت دعوتهم بالمناظرة ، وطرقت أسماع من لم يكن عرفها من الخاصة والعامة حتى تقابلت الشبه في الحجج ، وبلغوا من التدقيق في اللجج فصاروا أقرانا وأخدانا ، وعلى المداهنة خلانا وإخوانا ، بعد أن كانوا في الله أعداء وأضدادا وفي الهجرة في الله أعوانا يكفرونهم في وجوههم عيانا ، ويلعنونهم جهارا ، وشتان ما بين المنزلتين وهيهات ما بين المقامين.
وعن حنبل بن إسحاق قال : كتب رجل إلى أبي عبد الله ( يعني الإمام أحمد ) كتابا يستأذنه فيه أن يضع كتابا يشرح فيه الرد على أهل البدع وأن يحضر مع أهل الكلام فيناظرهم ، ويحتج عليهم ، فكتب إليه أبو عبد الله : بسم الله الرحمن الرحيم أحسن الله عاقبتك ، ودفع عنك كل مكروه ومحذور ، الذي كنا نسمع وأدركنا عليه من أدركنا من أهل العلم : أنهم كانوا يكرهون الكلام ، والجلوس مع أهل الزيغ ، وإنما الأمور في التسليم ، والانتهاء إلى ما كان في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا في الجلوس مع أهل البدع والزيغ لترد عليهم ، فإنهم يلبسون عليك ولا هم يرجعون فالسلامة إن شاء الله في ترك مجالستهم والخوض معهم في بدعتهم وضلالتهم .
5- إتقان العبادة لله عزوجل بلا إفراط ولا تفريط وبلا غلو ولا جفاء فما جني على المسلمين جناية أعظم من الغلو وظهور الغلاة في دين الإسلام العظيم أمثال الخوارج الذين كفروا المسلمين بالمعصية ، وما ضُيع أمر من أمور الشرع إلا بلغة اليسر وأن الإسلام دين اليسر والسلام فبزغ سوس المرجئة ينخر في جسد الأمة حتى أصاب الناس الوهن فتركوا العمل والله المستعان .
6- سلامة المنهج والمعتقد وأعني بالمنهج : منهج أهل السنة والجماعة في الأصول والفروع الذي يخلوا من التخبطات والاندماج في أمور ليست من دين الإسلام فولائه لله ليس لجماعة ولا حزب ولا طائفة، والحرص على أهمية المعتقد لماذا ؟ لأن المسلمين إذا لم يُحكِموا أصول الاعتقاد كانت عرضة للاهتزاز مع أول ريح عاصف بل مع أول هبة نسيم ولكن ما الحيلة أليست حرية الاعتقاد من بنود حقوق الإنسان ،وحرية الاعتقاد مكفولة كما يقولون ، لكن هناك ثوابت لا تتغير وإن زيف لها البعض وزخرف لنا القول بتخطيها والجسور عليها وقال هذا من حرية الاعتقاد ، كمن يخرج علينا ويقول بأن الردة عن الإسلام حرية ، ألا قبح الله من قال هذا، لأن العقيدة هي التي ينجوا بها العبد بين يدي الله عزوجل {يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتي الله بقلب السليم }
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ونبيه محمد وعلى آله وصحبه وسلم
- التصنيف: