مسألة زواج السَّيِّد الشريف من غير الشريفة، والعكس
الأصل في المرء أن يبحث عن ذات الدِّين ولا يفضل غيرها عليها، لكن لو أراد أن يجمع بين الدِّين والجمال فلا حرج، ولو أراد أن يجمع بين الدِّين والنسب فلا حرج، ولو أراد أن يجمع بين الثلاثة فهذا أولى.
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين القائل: «ألا لا فضلَ لعربيٍّ على عجميٍّ، ولا عجميٍّ على عربيٍّ، ولا لأحمرَ على أسودَ، ولا لأسودَ على أحمرَ إلا بالتقوى» (السلسلة الصحيحة:2700).
أما بعد:
فقد اختلف الفقهاء في اعتبار كفاءة النسب في النكاح، فمنهم من اعتبره وقال لا يصح لغير الشريف أن يتزوج بالشريفة الهاشمية، والصحيح أنه ليس شرطاً معتبراً في النكاح فقد زوَّج النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم زينب بنت جحش القرشية من زيد بن حارثة مولاه، وزوج فاطمة بنت قيس الفهرية القرشية من أسامة بن زيد، وتزوج بلال بن رباح بأخت عبد الرحمن بن عوف القرشية، وزوَّج النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم ابنتيه من عثمان ابن عفان رضي الله عنه وهو ليس بهاشمي بل من بني عبد شمس، وزوَّج علي ابنته أم كلثوم بنت فاطمة الزهراء من عمر بن الخطاب رضي الله عنهم جميعاً وهو عدوي وليس بهاشمي، وفي الحديث: «إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه» (رواه الترمذي وحسنه).
قال الحافظ ابن القيم في (زاد المعاد:5/144): "فالذي يقتضيه حكمه صلى الله عليه وسلم اعتبار الدِّين في الكفاءة أصلاً وكمالاً، فلا تُزوَّج مسلمة بكافر، ولا عفيفة بفاجر، ولم يعتبر القرآن والسنة في الكفاءة أمراً وراء ذلك، فإنه حرَّم على المسلمة نكاح الزاني الخبيث، ولم يعتبر نسباً ولا صناعة، ولا غنى ولا حرية، فجوَّز للعبد القن نكاح الحرة النسيبة الغنية إذا كان عفيفاً مسلماً، وجوَّز لغير القرشيين نكاح القرشيات، ولغير الهاشميين نكاح الهاشميات، وللفقراء نكاح الموسرات" (أ.هـ).
لكن كونه ليس شرطاً في النكاح ليس معناه ألا يختار الزوجة ذات النسب، فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم امتدح نساء قريش فقال: «خير نساء ركبن الإبل صالح نساء قريش، أحناه على ولده في صغره، وأرعاه على زوج في ذات يده» (رواه البخاري، ومسلم)، قال الحافظ ابن حجر في (الفتح:9/126): "قوله: «ركبن الإبل» إشارة إلى العرب لأنهم الذين يكثر منهم ركوب الإبل، وقد عُرف أن العرب خير من غيرهم مطلقاً في الجملة فيستفاد منه تفضيلهن مطلقاً على نساء غيرهن مطلقاً.. وفي الحديث الحث على نكاح الأشراف خصوصاً القرشيات، ومقتضاه أنه كلما كان نسبها أعلى تأكد الاستحباب، ويؤخذ منه اعتبار الكفاءة في النسب، وأنَّ غير القرشيات -كذا في جميع النسخ وأظنه تصحيفاً، والصواب: غير القرشي- ليس كفأ لهن" (أ.هـ).
وفي الصحيحين أيضاً: «تُنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين ترِبت يداك»، قال القرطبي في (المفهم:6/43): "هذه الأربع خصال هي الْمُرغِّبة في نكاح المرأة، وهي التي يقصدها الرِّجال من النساء، فهو خبرٌ عما في الوجود من ذلك، لا أنه أمرٌ بذلك، وظاهره إباحة النكاح لقصد مجموع هذه الخصال أو لواحدة منها، لكن قصد الدِّين أولى وأهم، ولذلك قال: «فاظفر بذات الدِّين»" (أ.هـ).
وقال الحافظ ابن حجر في (الفتح:9/131): "قوله «تنكح المرأة لأربع» أي لأجل أربع، قوله: «لمالها ولحسبها»، وذكر النسب على هذا تأكيد، ويؤخذ منه أن الشريف النسيب يستحب له أن يتزوج نسيبة إلا إن تعارض نسيبة غير ديِّنة وغير نسيبة ديِّنة فتقدم ذات الدِّين، وهكذا في كل الصفات، قوله: «وجمالها» يؤخذ منه استحباب تزوج الجميلة إلا إن تعارض الجميلة الغير ديِّنة والغير جميلة الديِّنة، نعم لو تساوتا في الدِّين فالجميلة أولى" (أ.هـ)، وكذا لو تساوتا في الدين فالنسيبة أولى، فكيف بالشريفة؟
فالأصل في المرء أن يبحث عن ذات الدِّين ولا يفضل غيرها عليها، لكن لو أراد أن يجمع بين الدِّين والجمال فلا حرج، ولو أراد أن يجمع بين الدِّين والنسب فلا حرج، ولو أراد أن يجمع بين الثلاثة فهذا أولى وأولى، قال الشيخ عبد الرحمن السعدي في (بهجة قلوب الأبرار:ص172): "فإن حصل مع الدِّين غيره فذاك، وإلا فالدِّين أعظم الصفات المقصودة"، وقال الشيخ ابن عثيمين في (الشرح الممتع:12/13): "فإذا اجتمع مع الدِّين جمالٌ ومالٌ وحسبٌ، فذلك نور على نور، وإلا فالذي ينبغي أن يختار الديِّنة".
وعليه فلا حرج أن يختار الإنسان لنفسه ذات الشرف في النسب بشرط ألا يقدِّمها على ذات الدِّين والخلق، كذلك الهاشمية لو اختار لها وليُّها هاشمياً ذا دين وخلق فهذا حسن، ويكون قد جمع بين الحسنيين.
والله أعلم.
- التصنيف: