أين نحن من الإحسان!

منذ 2014-03-26

وصف لحال المسلمين وتعاملهم فيما بينهم... ومدى الحاجة لتطبيق الإحسان...

المتأمِّل لأحوال المسلمين ككل والمجتمع العربي خاصةً؛ يجد أن تأخر المسلمين عن ركب الحضارة الإنسانية الحديثة وطمع الأمم فيهم وتكالبهم على استباحة بيضة المسلمين... وسماعنا المستمر لمآسي المسلمين في كل مكان، يدرك المرء مع كل هذا أن هناك خللًا في الأمة وأن هناك حلقة مفقودة.

أرى أن تلك الحلقة هي افتقادنا للإحسان في كل شيء إلا من رحم الله... نفتقد إلى الإحسان في علاقتنا بربنا. نفتقد إلى الإحسان الإحسان في تحصيل الإخلاص والإحسان في تحصيل العلم الشرعي الصحيح وتطبيقه، وسلوكياتنا الشرعية خير شاهد على تخلفنا عن مرتبة الإحسان -إلامن رحم الله-.

كما نفتقد إليه في علاقاتنا الشخصية مع بعضنا البعض؛ علاقاتنا بالوالدين، والإخوة والأخوات، والأبناء والزوجات، والإحسان للنساء والصبيان، والضِّعاف والجيران، والأقرباء وزملاء العمل والرؤساء، ونفتقده في أعمالنا وفي مشاريعنا وفي مدارسنا وشوارعنا وجامعاتنا ومستشفياتنا، نفتقد الإحسان كسلوك...

ونعلم يقينًا أن المتطلِّع لمرتبة لو اجتهد وبذل ما في الوسع؛ فإنه إما أن يحصلها أو أن يحصل مرتبة قريبة منها، أما من رضي بالدون من المراتب ففي الغالب لا يحصل إلا ما هو أدنى مما رضي.

قال الراغب في المفردات: "الإحسان على وجهين؛ أحدهما: الإنعام على الغير. والثاني: إحسان في فعله، وذلك إذا علم علمًا حسنًا أو عمل عملًا حسنًا".

وقد أمر الله عز وجل عباده بالإحسان فقال: {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النَّحل:90].

قال السعدي في تفسيره: "الإحْسَان فضيلة مستحبٌّ، وذلك كنفع النَّاس بالمال والبدن والعِلْم، وغير ذلك مِن أنواع النَّفع حتى إنَّه يدخل فيه الإحْسَان إلى الحيوان البهيم المأكول وغيره".

عن شدَّاد بن أوس رضي الله عنه قال: "ثنتان حفظتهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ قال: «إنَّ الله كتب الإحْسَان على كلِّ شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القِتْلَة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذَّبح، وليُحِدَّ أحدكم شَفْرَتَه، فليُرح ذبيحته»" (رواه مسلم).

قال المباركفوري: "قوله: «إن الله كتب الإحسان على كل شيء» أي: إلى كلِّ شيء، أو «على» بمعنى: في، أي: أمركم بالإحْسَان في كلِّ شيء، والمراد منه العموم الشَّامل للإنسان حيًّا وميتًا" (تحفة الأحوزي للمباركفوري).

وقال ابن رجب في جامع العلوم والحكم: "والإحْسَان الواجب في معاملة الخَلْق ومعاشرتهم: القيام بما أوجب الله مِن حقوق ذلك كلِّه، والإحْسَان الواجب في ولاية الخَلْق وسياستهم، القيام بواجبات الولاية كلِّها".

وأما المستحب منه فهو "القَدْرُ الزَّائد على الواجب في ذلك كلِّه". ومثال ذلك: "بذل نفع بدنيٍ، أو ماليٍ، أو علميٍ، أو توجيه لخير دينيٍ، أو مصلحة دنيويَّة، فكلُّ معروف صَدَقة، وكلُّ ما أدخل السُّرور على الخَلْق صَدَقة وإحسان. وكلُّ ما أزال عنهم ما يكرهون، ودفع عنهم ما لا يرتضون مِن قليل أو كثير، فهو صَدَقة وإحسان".

وقد جمع النبي صلى الله عليه وسلم معاني الإحسان كلها في قوله: «الإحْسَان أن تعبد الله كأنَّك تراه فإن لم تكن تراه فإنَّه يراك» (متفقٌ عليه).

قال أبو الفتح البستي:
إن كنتَ تطلبُ رتبةَ الأشرافِ *** فعليك بالإحسانِ والإنصافِ
وإذا اعتدى خِلٌّ عليكَ فخلِّهِ *** والدَّهرَ فهو له مكافٍ كافِ


 

 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

أبو الهيثم محمد درويش

دكتوراه المناهج وطرق التدريس في تخصص تكنولوجيا التعليم من كلية التربية بجامعة طنطا بمصر.