{لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ} (3) - (4) أحسن القصص
في ظل هذه الفتن التي نعيشها، الفتن ظلمات، وسورة الكهف تُنير لك الطريق إلى الجمعة الأخرى، الذي يمشي في الظلمة ومعه نور، يسلم من أثر الظلمة، والذي ليس معه نور، قد يقع في حفرة أو يصيبه من الهوام والدواب ما الله به عليم، إذاً نحن بحاجة إلى قراءة هذه السورة في كل جمعة، حتى ننجو من هذه الفتن، حتى نخرج من هذا البلاء
سلام الله عليكم ورحمته وبركاته.
أيها الإخوة المؤمنون، أيها الإخوة الصائمون، نواصل مع سورة الكهف.
ذكرتُ في الحلقة الماضية بعض خصائص سورة الكهف، وأواصل أيضاً من خصائصها تعالج كما قلت قضايا الفتن وأصول الفتن.
وأيضاً من خصائصها ولا يعني عندما نقول من خصائصها أن هذا لا يُوجد في سُورٍ أخرى، كلا بل قد يوجد في سُورٍ أخرى، لكن تتميز بشكلٍ أدق في مثل هذه السورة أنها ركزت على القصة، السورة أغلبها قصص وهي قصص حقيقية.
القصص في القرآن كثيرة جداً، هناك سورة اسمها سورة (القصص)، هناك سورة (يوسف) من أولها إلى آخرها قصص.
هذه السورة فيها مجموعة من القصص أما سورة (القصص) فركزت على قصة موسى عليه السلام.
القصص التي فيها لما نقول من ميزاتها أو من خصائصها أنها لم ترد في غيرها، قصة (الفتية أصحاب الكهف)، فقط في سورة الكهف، (صاحب الجنتين مع من يحاوره مع صاحبه {قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ} [الكهف:37]، فقط في سورة الكهف، قصة (موسى والخضر) عليهما السلام في سورة الكهف.
مع أن العلماء ذكروا أن أكثر القصص التي كررت في القرآن هي قصة (موسى) عليه السلام مع (فرعون) ومع قومه من بني إسرائيل، أما قصته مع الخضر عليه السلام فلم ترد إلا في سورة الكهف فقط.
قصة (ذوالقرنين) فقصة ذي القرنين لم ترد إلا في سورة الكهف.
نأخذ من هنا أهمية القصة في الأحكام والتربية أما ما يتعلق بالأحكام فهي ترد في الكتاب، والسنُّة، والتشريع مقصور على الكتاب والسنُّة، لكن اليوم في ظل هذا الواقع الإعلامي، والقنوات الفضائية وكتب ما يُسمى بكتب الأدب، لابد لنا من وقفة مع ما يتعلق بالقصص ما هي؟
كثير من الآباء والأمهات والمربيّن يتساهلون في موضوع القصص وقد يتركون أبنائهم أمام القنوات الفضائية، أو يشترون لأبنائهم قصصاً ولا ينتبهون هل هي قصص هادفة أو ليست بهادفة وبخاصة مع أسلوب العرض العجيب سواء في القنوات الفضائية والإبداع في الإخراج الذي يجذب أبناءنا لما يذكرونه من هذه القصص، أو في كتب الأدب كما يقولون، وقد يكون الأدب أبعد ما يكون عنها، وهذا أيضاً أمر مشكل.
يأتي القرآن وقد أتى قبل ذلك، يُرسم لنا المنهج الحقيقي في القصص، كيف؟
لابد أن تكون القصة حقيقية، فالقصص التي في القرآن حقيقية قصة (موسى) عليه السلام في سورة القصص، هذه القصص في سورة الكهف، قصة (يوسف) عليه السلام، وغيرها من قصص القرآن كثيرة جداً، قصص حقيقية واقعية، وليس كما يقول بعض المشككين.
أيضاً هي قصص هادفة لها آثار ودلالات.
ثالثاً: تجد عرضاً عجيباً فيها، لو أشرنا إشارة إلى سورة يوسف، كثير من القصص المعاصر يركز على قصص الغرام ويعرضها في أسلوب فيه اسفاف، لكن انظروا كيف عرض الله جلّ وعلا قصة يوسف مع امرأة العزيز! عرض عجيب {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ ۖ وَهَمَّ بِهَا} [يوسف:24]، أساليب بلاغية دون -وحاشاه هذا أسلوب القرآن- أن يكون في أساليب كما تقع في كثير فيما يُسمى بالأدب وليس من الأدب في شيء، إذاً يرسم لنا كيف نرسم القصة، ويبين لنا تأثير القصة، القصة مؤثرة جداً.
ولذلك القرآن نسبة كبرى في سورة فيها قصص، يؤخذ منها التشريع والأحكام والعبرة {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} [يوسف:111]، {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ} [يوسف:3].
{فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ} [القصص:25].
ونحن نعرض على أبنائنا وتلاميذنا وطلابنا القصص يجب أن تكون بأسلوب رفيع وبديع، وفي المقابل علينا أن نبعد عن أبنائنا عن القصص الذي فيه اسفاف.
تسأل بعض الآباء: أبناءك يشاهدون القنوات الفضائية؟ قال: نعم
هل تعلم ماذا يعرض في هذه القنوات الفضائية من روايات ودراما وغيرها؟ قال: لا، والله أنا مشغول!
فيها عرض مخالفة للعقيدة، بعضها يؤدي للكفر، ألا تلحظون نشوء بعض العبارات في بعض أبناء المسلمين، من أين أتوا بهذه العبارات؟ ليست في مجتمعهم! ليست من أبيهم وأمهم! أخذوها من هذه القصص، وهذه الروايات وما يسمى بالدراما وغيرها والتمثيلايات فهم يربون أبناءنا، مع كل أسف ونحن غفلة، في بُعد، المهم أنهم شغلوا الأبناء عنّا وهذا ملحظ خطير جداً.
والقصة لها جانبان: ما يعرض مباشرة، والخلفية الفكرية وما يخاطب الباطني وهو أخطر، لقد قصرنا كثيراً فيما يتعلق بالقصص الإسلامي والأدب الإسلامي، وعرض القصة، بل إن بعض ما يسمون بالأدباء المسلمين تأثروا بعرض الروايات عند الآخرين فأدخلوا قضايا العشق والغرام، وشاكلوهم في أساليبهم وانتشرت في مكتباتنا وفي بيوتنا.
هنا الحقيقة أقول إن موضوع القصة مؤثر، تأتي سورة (الكهف) تعرض لنا نماذج بأسلوب عجيب كامل وافي، دقيق، صدق، فيه الأحكام فيه التشريع؛ لأن العلماء ذكروا أن سورة الكهف كلها مُحكمة كما ذكر (ابن حزم) وغيره، ليس فيها من المنسوخ شيء، فكلها مُحكمة بقصصها، وآياتها فإذاً لها دلالات، لها آثار.
إذاً هي مدرسة متكاملة حول القصة وتأثيرها على الأبناء فلننتبه لأبنائنا وما يجري اليوم في كثير كما قلت من الروايات والكتب أو الصحف والمجلات، مما يغيّر عقليات أبنائنا ثم نندم بعد ذلك، بعد أن غُرست فيهم هذه الأفكار وهذه المبادئ من صغيرهم.
أختم هذه الحلقة، أقول من فضائل هذه السورة -وفضلها عظيم- ورود ثلاثة أحاديث:
- فضل قراءتها أيها الإخوة قد ورد في الحديث « »، أو « »، على اختلاف في الروايات فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « »، وهكذا وقع موقوفاً وكذا رواه الثوري وغيره.
- وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: « » ثم قال هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه الحديث الأول عن ابن سعيد الخدري موقوف على ابن سعيد أما هذا فمرفوع.
إذاً فقد ورد فضل سورة الكهف في يومها وليلتها.
قد يسأل سائل هل تُقرأ في اليوم أو الليلة؟
فيه خلاف بين العلماء، قيل تُقرأ في اليوم (أي في النهار)، وقيل: في الليل، والقول الراجح: أنه لما يطلق اليوم فهو يشمل الليل والنهار، فتصح هنا وهناك، الشاهد: وردت أحاديث في فضلها.
الحديث الثاني: أنها تعصم من الدجال كما ورد عند الإمام مسلم: « ».
وكذلك ورد أيضاً، يقول النبي صلى الله عليه وسلم فيه حديث النواس بن سمعان في قصة الدجال: « ».
وقد ورد في آخر سورة الكهف وهو عند مسلم، ولكن رجح العلماء أن قراءة فواتح سورة الكهف، أو عشر آيات من أولها تعصم من الدجال هذا من فضلها وهو فضل عظيم جداً، فالدجال من أعظم فتنة يلاقيها البشر.
الحديث الثالث: أنها تتنزل في فضلها السكينة فقد ثبت في الحديث الصحيح: « ».
كان يقرأ سورة الكهف عن البراء، قال: كان رجل يقرأ سورة الكهف وعنده فرس مربوط.
الشاهد: قال النبي صلى الله عليه وسلم « »، فذكر العلماء أنه من قرأها تنزلت له السكينة، هذه فضائل في هذه السورة العظيمة كل منها له خير.
سأعلق في اللحظات الباقية على ما يتعلق « »، وهو ورد برواياتٍ مختلفة، كيف؟
في ظل هذه الفتن التي نعيشها، الفتن ظلمات، وسورة الكهف تُنير لك الطريق إلى الجمعة الأخرى، الذي يمشي في الظلمة ومعه نور، يسلم من أثر الظلمة، والذي ليس معه نور، قد يقع في حفرة أو يصيبه من الهوام والدواب ما الله به عليم، إذاً نحن بحاجة إلى قراءة هذه السورة في كل جمعة، حتى ننجو من هذه الفتن، حتى نخرج من هذا البلاء.
أسأل الله أن ينور قلوبنا وقلوبكم وأن ينفعنا بهذه السورة العظيمة في هذا الشهر الكريم وفي غيره، اقرأوها وتدبروها وأبشروا بالخير، وعلموها أبناءكم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ناصر بن سليمان العمر
أستاذ التفسير بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض سابقا
- التصنيف:
- المصدر: