{فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا}

منذ 2014-03-31

{فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُم بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ . تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ} [الأحقاف:24-25].

كثير من الناس يأمَن عقاب الله عز وجل وتغرُّه الدنيا، فتارةً يُبارِز الجبار بالمعصية، وتارةً يكفر بنعم الملك عليه وإنعامه، وتارةً يظلم الخلق ويتجبَّر عليهم، وتارةً ينشر الرذيلة والفساد في الأرض، وتارةً تكبُر نفسه في عينه حتى يظن أن باستطاعته فعل كل شيء، وتارةً يستهزئ بالدين وأهله وكل من يتمسك به أو يؤذيهم ويُمعِن في إيذائهم وظلمهم وتشويههم... وتارات وتارات... حتى يأتي العذاب أو يَسبِق الحتف فلا يجد إلا القبر.

فإلى متى؟!

هذا سيد الخلق وحبيب الرحمن عليه أفضل الصلاة والسلام؛ يهرع ويتضرَّع خائفًا من سبق العذاب على الأمة:

روى الإمام أحمد بسنده عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مستجمِعًا ضاحكًا حتى أرى منه لهواته، إنما كان يتبسم. قالت: وكان إذا رأى غيمًا -أو ريحًا- عُرِفَ ذلك في وجهه، قالت: يا رسول الله، الناس إذا رأوا الغيم فرِحوا رجاء أن يكون فيه المطر، وأراك إذا رأيته عرفت في وجهك الكراهية؟ فقال: «يا عائشة! ما يؤمنني أن يكون فيه عذاب، قد عُذِّب قوم بالريح، وقد رأى قوم العذاب فقالوا: هذا عارِضٌ مُمطِرنا». وأخرجاه من حديث ابن وهب.

وذكر ابن كثير في تفسيره ما أخرجه الطبراني:

قال الطبراني: "حدَّثنا عبدان بن أحمد، حدَّثنا إسماعيل بن زكريا الكوفي، حدَّثنا أبو مالك، عن مسلم الملائي، عن مجاهد وسعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما فتح على عاد من الريح إلا مثل موضع الخاتم، ثم أُرسِلَت عليهم [فحملتهم] البدو إلى الحضر فلما رآها أهل الحضر قالوا: هذا عارِضٌ مُمطِرنا مُستقبل أوديتنا. وكان أهل البوادي فيها، فألقي أهل البادية على أهل الحاضرة حتى هلكوا». قال: «عتت على خزانها حتى خرجت من خلال الأبواب».

وأخرج نحوه ابن حجر في لمطالب العالية بلفظ: "قَالَ أَبُو يَعْلَى: حدَّثَنَا أَبُو هِشَامٍ، حدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ مُسْلِمٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَمَّا كَانَ يَوْمُ عَادٍ حَمَلَتِ الرِّيحُ أَهْلَ الْبَادِيَةِ بِأَمْوَالِهِمْ، وَمَوَاشِيهِمْ، فَلَمَّا رَفَعَتْهُمْ مِنَ الْأَرْضِ إِلَى السَّمَاءِ قَالُوا: هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا»، قَالَ: «فَأَكَبَّتْ الْبَادِيَةِ عَلَى الْحَاضِرَةِ»" حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عِمْرَانَ الْأَخْنَسِيُّ، حدثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ، نَحْوَهُ.

روى الإمام أحمد بسنده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا رأيت الله يعطي العبد من الدنيا على معاصيه ما يحب فإنما هو استدراج»، ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ} [الأنعام:44].

في هذا الحديث:

أن بسط الدنيا للعاصي ليس دليلًا على كرامته على الله عز وجل أو محبة الله عز وجل له؛ بل الحقيقة أن ذلك من مكر الله عز وجل به فيُعطيه من الدنيا ما يُحب، ويبسط له الأرزاق، فيغتر ويفرح، ثم يأخذه الله عز وجل بغتة، فلا يغني عنه ذلك شيئًا، كما قال سبحانه: {أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ . ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ . مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ} [الشعراء:205-207]

قال ابن كثير في تفسيره:

"وقال الحسن البصري: من وسع الله عليه فلم ير أنه يمكر به، فلا رأي له. ومن قتر عليه فلم ير أنه ينظر له، فلا رأي له، ثم قرأ: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ}"، قال الحسن: مكر بالقوم ورب الكعبة؛ أعطوا حاجتهم ثم أخذوا" (رواه ابن أبي حاتم).

وقال قتادة: "بغت القوم أمر الله، وما أخذ الله قومًا قط إلا عند سكرتهم وغرَّتهم ونعيمهم فلا تغتروا بالله، إنه لا يغتر بالله إلا القوم الفاسقون" (رواه ابن أبي حاتم أيضًا).

وقال مالك، عن الزهري: "{فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ} قال: إرخاء الدنيا وسترها".

وقد قال الإمام أحمد: حدَّثنا يحيى بن غيلان، حدَّثنا رشدين -يعني ابن سعد أبا الحجاج المهري- عن حرملة بن عمران التجيبي، عن عقبة بن مسلم، عن عقبة بن عامر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا رأيت الله يعطي العبد من الدنيا على معاصيه ما يحب، فإنما هو استدراج». ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ}".

ورواه ابن جرير وابن أبي حاتم، من حديث حرملة وابن لهيعة، عن عقبة بن مسلم، عن عقبة بن عامر، به وقال ابن أبي حاتم: حدَّثنا أبي، حدَّثنا هشام بن عمار، حدَّثنا عراك بن خالد بن يزيد، حدَّثني أبي، عن إبراهيم بن أبي عبلة، عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: «إن الله [تبارك وتعالى] إذا أراد بقومٍ بقاء -أو: نماء- رزقهم القصد والعفاف، وإذا أراد الله بقوم اقتطاعًا فتح لهم -أو: فتح عليهم- باب خيانة».


 

 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

أبو الهيثم محمد درويش

دكتوراه المناهج وطرق التدريس في تخصص تكنولوجيا التعليم من كلية التربية بجامعة طنطا بمصر.