التاريخ يعيد نفسه
التاريخ يعيد نفسه.. فما بال المسلمين لا يفقهون؟
التاريخ يعيد نفسه.. فما بال المسلمين لا يفقهون؟
كانت هناك حروب صليبية رهيبة دامت قرنين من الزمان، داهمت شرقنا الآمن ثم انحدرت عنه مدحورة أمام جحافل المسلمين وهي تجرجر أذيال الخيبة والفشل، ويومئذ قال مؤرخ بسيط: "لقد انتهت الحروب الصليبية". ورد عليه مؤرخ محنك: "لقد انتهت الجولة الأولى أما الحرب ذاتها فدونها والنهاية جولات وجولات".
ولقد صدق ما قاله المؤرخ العجوز حينما تغير الاسم وتبدل الشكل واختلف الإطار العام، ولكن الجوهر بقي ثابتًا راسخًا بحيث عاد الصليبيون أول ما عادوا إلى الشرق الإسلامي بواسطة التبشير! يبشرون بالصليب قليلًا وبغير الصليب كثيرًا، وينعمون بدخول القلاع الإسلامية والتوغل فيها وهي التي عزت عليهم قرنين من الزمان في الجولة الأولى أمام أعلام المسلمين الأشاوس.
عادوا وقد تغير التكتيك من أساسه والخطة من جذورها، وبعد انتهاء الجولة الأولى بحوالي ستة قرون احتفل في لندن بعودة الماريشال اللنبي القائد الظافر الفاتح من (الحروب الصليبية) وتوجه زميله الفرنسي الجنرال غورو وكله غطرسة وخيلاء إلى قبر السلطان صلاح الدين الأيوبي، ليقول له على ملأ من الناس: "لقد عدنا يا صلاح الدين".... لقد تطورت الحروب الصليبية واتخذت شكلًا جديدًا خطيرًا، كما تطور الاستعمار وبدل من أقنعته وأساليبه وفي ظروف حالكة رهيبة رغم إرادة الأسلاف والجدود.
لقد عشعشت في الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط حركة واسعة النطاق للتبشير الثقافي يساندها تنافس دولي مقيت، وصراع باغ دخيل وملايين من الملايين من وحدات العملة الصعبة وبرامج مدروسة وفق مخططات رهيبة بعيدة المدى، ولم يسع شرقنا الطيب المغلوب على أمره إلا ليرى وحدته قد تمزقت وتبددت، وحل محلها كيانات ضعيفة هزيلة بدأت تحت الاحتلال المباشر، ثم استمرت تحت النفوذ الأجنبي غير المباشر.
وليرى أيضا أن الغاية التي من أجلها اشتعلت الحروب الصليبية قبل ثمانية قرون وهي انتزاع بيت المقدس من أيدي المسلمين قد تحققت لهم ولو إلى حين.. إن الحروب الصليبية كانت وما زالت حروبًا دينية في جوهرها ودوافعها، ولقد خاضها المسلمون في الجولة الأولى باسم الدين وتحت راية الإسلام فكتب الله لهم النصر المؤزر.
وعندما درس عباقرة الغرب أسباب هزيمتهم وجدوا أنه الإسلام الذي تمكن من قلوب أهله وعقولهم، فراحوا يخططون للقضاء عليه وإزاحته من الميدان، ولهذا فإنهم عندما قرروا أن يبدؤوا الجولة الثانية فإنهم قد بدلوا الخطة والتكتيك، وكان على رأس المخطط الذي وضعوه اقتلاع هذه الشجرة العملاقة التي يستظل بها المسلمون، والتي تتمثل في الإسلام الذي صمد أمام أعتى العواصف والأعاصير ولكن كيف يقتلعونها؟!
إنه السوس..! آلاف مؤلفة منه تسلطت على جذوع هذه الشجرة العملاقة لتنخر عروقها حتى تنهار، وكان لهم ما أرادوا، وكان السوس الذي اختاروه عبارة عن بدع وآفات أخلاقية خبيثة لئيمة وثقافات منحرفة مشوهة ومشبوهة، وموجات متتابعة من الانحلال الخلقي والعقائدي تصدر بطريقة منظمة مدروسة باسم المدنية والتقدم، موجة بعد موجة ترسل إلى شرقنا الإسلامي، فتجرف بعض شبابه بعيدًا عن شاطئ السلامة.
وفي غفلة من حماة الإسلام سحب عن المسلمين شعارهم الذي انتصروا تحت لوائه، وانتزع منهم سيفهم الذي واكبهم من نصر إلى نصر، وأُقنعوا باستعمال شعارات أخرى مصنوعة مهلهلة ركيكة لا تمت لأصالتنا بصلة، ألهانا الحاقدون المجرمون بشعارات غير دينية، بينما استمروا هم في حربهم ضدنا باسم الدين وحسبك آخر تصريحات الرئيس اليهودي (دافيد بن غوريون) قبيل استقالته عندما قال: "إن كل يهودي لا يهاجر إلى إسرائيل يعد خائنًا كافرًا بالدين اليهودي".
وإذا فبعد أن كانت المواجهة تتم في جبهات مفتوحة يقتل الغازي الأجنبي ويخرب ويغتصب كثيرًا في الأمة روح التحدي وعزة الكيان المغلوب، ولا يختلف المسلم فيه مع أخيه المسلم على كرامة خوضها وشرف جهادها، أو على إجرام من يوالي الغزاة الدخلاء.
أما أساليب المواجهة اليوم وطرائقها فأصبحت تمارس أنواعًا شتى من الحيل والمكر والدهاء حسب خطط مدروسة ومنظمة يجب العمل بها بتأن وتؤدة، وتهدف على المدى البعيد إلى السيطرة على العالم الإسلامي كله وتدمير الإسلام في نفوس المسلمين من غير أن يشعروا أو ينتبهوا، وكان من نتائج هذه المعركة الجديدة ما نراه ونلمسه من فوضى وسوء تدبير يجعلنا في مقدمة الشعوب غفلة، وفي مؤخرتها وعيًا وفطنة وإدراكًا، حينما أصبحنا نحارب الاستعمار بتنفيذنا لأهدافه ومخططاته! نعم رؤوس غربية ركبت على أجسام عربية، إنه الغزو الفكري وهو أدهى وأمر من الغزو الاستيطاني، ليت شعري أإلى هذا الحد فقدنا عقولنا وعدمنا مداركنا وأفهامنا وأضحينا كالأنعام أو أضل سبيلًا؟ ليت شعري أإلى هذا الحد..؟
يمضي تراث المسلمين موزعًا *** والمسلمون نواكس الأذقان
ما بين مصر إلى طرابلس إلى *** عدن إلى القوقاز والبلقان
كر الصليب عليه كرة حانق *** ضرم العداوة ناثر الشنآن
إنه العداء الصليبي التاريخي للإسلام، فهل المسلمون يفقهون ويتدبرون؟
إنها المؤامرات المزمنة ضد الإسلام، فهل المسلمون يعقلون ويتفكرون ومن ثم يصلحون مناهجهم في الفكر والسلوك؟
وأخيرًا فإنه لن يقر لنا قرار ولن يصلح لنا حال ما لم نعرف طريق العودة.. الطريق إلى الله!
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
الحسين بن محمد شواط
- التصنيف:
- المصدر: