فتى بأمة

منذ 2014-04-02

ذكر لنا القرآن فتية كل واحد منهم بأمة، وكل منهم أحيا الله به أمة، أولهم ذاك الفتى الذي استعلى بدينه وواجه قومه وفضح باطلهم، ولم يخش في الله أحداً، ووقف وحده في مواجهة واقع يغط في ثبات عميق من الشرك بالله وعبادة غيره، فلما ثبت ودعاهم إلى التوحيد الذي بعثه الله به إليهم كان تكريم الله له بأن جعل الحنيفية مرتبطة إلى يوم الدين بدعوة أبي الأنبياء إبراهيم.

ذكر لنا القرآن فتية كل واحد منهم بأمة، وكل منهم أحيا الله به أمة، أولهم ذاك الفتى الذي استعلى بدينه وواجه قومه وفضح باطلهم، ولم يخش في الله أحداً، ووقف وحده في مواجهة واقع يغط في ثبات عميق من الشرك بالله وعبادة غيره، فلما ثبت ودعاهم إلى التوحيد الذي بعثه الله به إليهم كان تكريم الله له بأن جعل الحنيفية مرتبطة إلى يوم الدين بدعوة أبي الأنبياء إبراهيم، وكان التكريم الأكبر أن اتخذه الرحمن خليلاً، انظر كيف وصفه القرآن في حواره مع قومه وحديث قومه عنه مع حداثة سنه وقت بداية دعوته..

{وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ. إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ. قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ. قَالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ. قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ. قَالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ. وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ. فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ. قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ. قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ. قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ} [الأنبياء:51-61].

وسط هذا الابتلاء العظيم ووقوف إبراهيم وحده في وجه قومه صادحاً بالحق، كان سؤالهم المباغت والاتهام الصريح لإبراهيم: {قالوُا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ} [الأنبياء:62]، فكان الرد الصاعق من إبراهيم عليه السلام، الذي أغلق عليهم كل باب جدل وقطع عنهم كل حجة: {قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ} الأنبياء:63].

فلما حاصرهم إبراهيم برده الصاعق كانت إجابتهم الحتمية الذليلة: {فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ . ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ} [الأنبياء:64-65]، هنا أوضح لهم إبراهيم بعدما تمكن منهم: {قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ (66) أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} [الأنبياء:66-67].

فكان إعلانه للتوحيد ودعوتهم إليه من منطلق قوة الحجة والبرهان الناصع، فما كان منهم إلا أن أعلنوا بكل وقاحة استخدامهم لحيلة العاجز، وهي البطش والطغيان بعدما تأكدوا أنه لا حجة لهم ولا بيان: {قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ} [الأنبياء:68]، وهنا لما انقطعت بإبراهيم كل أسباب الأرض نزل النصر من السماء: {قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ . وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ}
[الأنبياء:69-70].

غلام آخر بأمة:
حدثنا القرآن عما حدث لأصحاب الأخدود، وبين لنا النبي صلى الله عليه وسلم قصتهم، ودور الفتى الصغير في إخراج مملكة كاملة من عبادة الملك إلى عبادة ملك الملوك عز وجل، وبين لنا النبي صلى الله عليه وسلم كيف ضَحَّى الغلام بنفسه من أجل أن يؤمن النَّاس..
فعن صهيب رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «..فقال للملك: إنَّك لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به. قال: وما هو؟ قال: تجمع النَّاس في صعيد واحد، وتصلبني على جذع، ثم خذ سهمًا من كنانتي، ثم ضع السَّهم في كبد القوس، ثم قل: باسم الله، ربِّ الغلام. ثمَّ ارمني. فإنَّك إذا فعلت ذلك قتلتني. فجمع النَّاس في صعيد واحد، وصلبه على جذع، ثمَّ أخذ سهمًا من كنانته، ثم وضع السَّهم في كبد القوس، ثم قال: باسم الله ربِّ الغلام. ثمَّ رماه، فوقع السَّهم في صُدْغه، فوضع يده في صُدْغه في موضع السَّهم، فمات. فقال النَّاس: آمنَّا بربِّ الغلام، آمنَّا بربِّ الغلام، آمنَّا بربِّ الغلام. فأتي الملك، فقيل له: أرأيت ما كنت تحذر؟ قد -والله- نزل بك حذرك، قد آمن النَّاس. فأمر بالأُخْدُود في أفواه السِّكك، فخُدَّت، وأضرمت النِّيران. وقال: من لم يرجع عن دينه فأَحْمُوه فيها. أو قيل له: اقتحم. ففعلوا، حتَّى جاءت امرأة ومعها صبي لها، فتقاعست أن تقع فيها، فقال لها الغلام: يا أمَّه اصبري فإنَّك على الحقِّ» (رواه مسلم:3005).

اللهم أحيي أمة الإسلام وارزقنا غلمانًا كهؤلاء الرجال الأفذاذ.

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

أبو الهيثم محمد درويش

دكتوراه المناهج وطرق التدريس في تخصص تكنولوجيا التعليم من كلية التربية بجامعة طنطا بمصر.