قصة الأكراد - (2) نشأة الأكراد

منذ 2014-04-02

برز الأكراد في التاريخ الإسلامي من خلال دولة كبرى كانوا هم مؤسسيها وهي الدولة الأيوبية التي أسسها القائد المسلم الكردي صلاح الدين الأيوبي

قرأ الجميع واستمعوا في نشرات الأخبار خلال الأيام الماضية إلى طلب الحكومة التركية الإذن من البرلمان لشن غارات عبر الحدود العراقية ضد المتمردين الأكراد في إقليم كردستان العراق، ثم تمت موافقة البرلمان الأربعاء 17/ 10/ 2007م بأغلبية ساحقة، واندهش الجميع بسبب عدم معرفتهم بحقيقة الأكراد ولا أسباب الخلاف، فوسائل الإعلام تصور الأكراد على أنهم إرهابيون متمردون على تركيا، ولكننا نكتشف أن الأكراد يعيشون في عدة دول أخرى أيضًا، كما أنهم يتهمون تلك الدول -في نفس الوقت- بانتهاك حرياتهم واستقلالهم، فما حقيقة الأمر؟! ونسمع -كذلك- من يتهم الأكراد بمحاولة الاعتماد على أمريكا من أجل الانفصال عن العراق وتركيا؛ فما الصواب في كل ما نسمعه؟! هذا ما يأتي هذا المقال ليبينه من خلال توضيح أصول الأكراد، وبلادهم، ومذهبهم، وقضاياهم التي يسعون لحلِّها، ومطالبهم التي يحرصون عليها، وأماكنهم التي يعيشون فيها، وموقعهم في عالم السياسة اليوم. بإيجاز هذه هي قصة الأكراد.


برز الأكراد في التاريخ الإسلامي من خلال دولة كبرى كانوا هم مؤسسيها، وقامت هذه الدولة بجهود كبيرة في توحيد مصر والشام بينما كانت الخلافة العباسية في حالة ضعفٍ شديد، وتصدت هذه الدولة للصليبيين في مصر والشام، وتمكنت من الانتصار عليهم في معارك عظيمة في (حطين) و(المنصورة)، واستمرت الدولة ما يقرب من مائة عام من 569هـ إلى 661هـ.هذه الدولة هي الدولة الأيوبية التي أسسها القائد المسلم الكردي الفذُّ صلاح الدين الأيوبي -والذي ربما لا يعلم الكثيرون أنه كان كرديًّا- وقد نشأ هذا البطل في تكريت بالعراق، وجاء مصر مع عمه أسد الدين شيركوه، وتمكن من إسقاط الدولة العبيدية الإسماعيلية وإقامة دولة سُنية، ثم تمكن من توحيد مصر والشام في دولةٍ قوية انتصرت على الصليبيين، وتولت أسرته الكردية الحكم من بعده حتى نهاية الدولة، وقيام دولة المماليك.
ومن أهم العلماء الأكراد في التاريخ الإسلامي، والذين لهم أثر كبير الإمام أحمد بن تيمية، والشيخ بديع الزمان النورسي.

يتفق أغلب الباحثين على انتماء الأكراد إلى المجموعة الهندوأوروبية، وأنهم أحفاد قبائل الميديين التي هاجرت في مطلع الألف الثانية قبل الميلاد، واستطاعت أن تنشر نفوذها بين السكان الأقدمين وربما استطاعت إذابتهم لتتشكل تركيبة سكانية جديدة عرفت فيما بعد بالأكراد. وتنتمي اللغة الكردية إلى مجموعة اللغات الإيرانية التي تمثل فرعًا من أسرة اللغات الهندوأوربية وهي التي تضم اللغات الكردية والفارسية والأفغانية والطاجيكية، وقد مال أكراد العراق وإيران إلى اللغة العربية؛ فهجروا الأبجدية الخاصة بهم، وبدأوا يستخدمون الأبجدية العربية في كتابة لغتهم، بينما ظل أكراد تركيا وسوريا يستعملون الأبجدية اللاتينية، وأما أكراد الاتحاد السوفيتي فكانوا يستعملون الأبجدية الروسية.

ولم تشكِّل كردستان (الموطن الأساسي للأكراد) بلدًا مستقلًا ذا حدود سياسية معينة في يوم من الأيام، على الرغم من أنه يسكنها شعب متجانس عرقًا. وظهرت كلمة (كردستان) كمصطلح جغرافي أول مرة في القرن الـ12 الميلادي في عهد السلاجقة، عندما فصل السلطان السلجوقي سنجار القسم الغربي من إقليم الجبال وجعله ولاية تحت حكم قريبه سليمان شاه، وأطلق عليه كردستان. وكانت هذه الولاية تشتمل على الأراضي الممتدة بين أذربيجان ولورستان (مناطق سنا، دينور، همدان، كرمنشاه.. إلخ) إضافة إلى المناطق الواقعة غرب جبال زاجروس، مثل شهرزور وكوي سنجق. وكلمة كردستان لا يُعتَرف بها قانونيًّا أو دوليًّا، وهي لا تُستَعمل في الخرائط والأطالس الجغرافية. كما أنها لا تُستَعمل رسميًّا إلا في إيران.

وتتوزع كردستان بصورة رئيسية في ثلاث دول هي العراق وإيران وتركيا مع قسم صغير يقع في سوريا، فيما يوجد عدد من الأكراد في بعض الدول التي نشأت على أنقاض الاتحاد السوفياتي السابق. وتشكل كردستان في مجموعها ما يقارب مساحة العراق الحديث. وتضم كردستان الكبرى إداريًّا 46 إمارة مستقلة أهم مدنها: ديار بكر، وديندر، وشاريزور، ولور، وأرديال.

ويشغل الأكراد 19 ولاية من الولايات التركية البالغ عددها 90، تقع في شرقي تركيا وجنوبيها الشرقي، ويعيش الأكراد بشكل متفرق في دول أخرى أهمها أرمينيا وكذلك في أذربيجان وباكستان وبلوشستان وأفغانستان.
وتختلف التقديرات بشأن عدد الأكراد بين 27 إلى 40 مليونًا، موزعين بنسبة 46% في تركيا، و31% في إيران، و18% في العراق، و5% في أرمينيا وسوريا.

وأغلب أقاليم كردستان غنية بالثروة المعدنية والمناجم خاصةً مناطق ديار بكر وماردين، ورغم وجود هذه المناجم والمعادن فلا تزال الصناعة في كردستان متأخرة؛ حيث تنعدم الصناعات الثقيلة، ولا يوجد أثر للصناعات العملاقة؛ وذلك بسبب الظروف السياسية، أما الصناعات اليدوية والخفيفة فهي منتشرة بكثرة لا سيما صناعة السجاد المنتشرة في جميع البيوت الكردستانية.

يعتنق الأكراد الإسلام بأغلبية ساحقة، وذلك على المذهب السُني الشافعي، وهناك عدد قليل للغاية من الشيعة يعيشون في جنوب كردستان، والنصرانية شبه معدومة بينهم، فالنصارى في كردستان هم من السريان الذين كانوا يسمون بالأثوريين والآن يسمون أنفسهم أشوريين، وهم يعيشون في النصف الشمالي من كردستان العراق، وكذلك الكلدان وهم أقل من الأشوريين ويعيشون في مدينة السليمانية. كما توجد بعض الملل والعقائد المارقة من الإسلام كالكاكائيَّة وطائفة أهل الحق وأغلبهم يعيشون في الجزء الجنوبي من كردستان العراق وإيران، ولكن بأعداد نادرة.
كان الأكراد يعيشون في كنف الإمبراطورية الفارسية كرعايا؛ ومن هنا بدأت علاقتهم بالإسلام أثناء الفتوحات الإسلامية في فارس في عهد الفاروق عمر رضي الله عنه.

في هذا الوقت توالت الانتصارات الإسلامية على القوات الفارسية في معارك القادسية وجلولاء ونهاوند (فتح الفتوح). وكان من نتائجها أن حدث احتكاك بين المسلمين الفاتحين وبين الأكراد.

وقد فُتِحَت غالبية المناطق الكردية من مدن وقرى وقلاع في أقاليم الجبال الغربية ومناطق الجزيرة الفراتية وأرمينيا وأذربيجان صُلحًا، ماعدا مناطق قليلة فُتِحَت عنوة؛ إذ لاقى المسلمون فيها مقاومةً عنيفةً.

وبحلول عام 21هـ دخلت غالبية المناطق الكردية في الإسلام، ودخل الأكراد في دين الله أفواجًا. وقد دخل غالبية الأكراد في الإسلام طوعًا، وكان لهم إسهام بارز في الفتوحات.

ظلَّ الأكراد يتمثلون روح الإسلام، كما أنهم أصبحوا جنودًا للخلافة الإسلامية في شتى عصورها، ولم تؤثر فيهم الاحتكاكات العقائدية والحزبية والمذهبية التي طغت على العديد من القوميات التي تؤلِّف المجتمع الإسلامي آنذاك، بل أصبحوا سندًا ومُدافعًا أمينًا عن الثغور الإسلامية في وجه الروس والبيزنطينيين وحلفائهم من الأرمن والكرج (الجورجيين)، أما دورهم في مقاومة الصليبيين والباطنيين تحت قيادة الناصر صلاح الدين الأيوبي فأشهر من أن يُعرَف.

وفي العصور العباسية كان لهم دور مشهود في الدفاع عن حياض الخلافة، وحتى عندما شكَّلوا إمارات خاصة بهم كغيرهم من الأمم أيام تدهور الخلافة العباسية في العصر البويهي (334-447 هـ) فإنهم بقوا على إخلاصهم لرمز الإسلام آنذاك (الخلافة العباسية)، ولم يحاولوا القيام بحركات التمرد والانفصال أو احتلال بغداد مثل أمم أخرى كالفُرس والبويهيين، وكان في استطاعتهم فعل ذلك لو أرادوا، ولكنه الإخلاص للإسلام وللخلافة العباسية لا غير.

المقال السابق
(1) مقدمة قصة الأكراد
المقال التالي
(3) جذور المشكلة الكردية في العصر الحديث