ماذا نعلم؟ وماذا نعرف؟ وماذا نفهم؟
عندما نرصد حركة الأجرام السماوية في السماء وندونها فإن هذا هو العلم، أما عندما نجد قانونًا يربط بين هذه المعلومات ويجعلنا نلخص كل ما رصدناه من معلومات في معادلة بسيطة كـ(قوانين الجاذبية) فهذه هي المعرفة، أما عندما نعلم لماذا صيغت هذه القوانين بهذه الكيفية وبالآلية التي تتبع بها الأجرام السماوية هذه القوانين فهذا هو الفهم.
الفرق بين العلم، والمعرفة، والفهم:
العلم هو الحصول على معلومات ليست مختزنة في دماغنا.
والمعرفة هو وضع هذه المعلومات في إطار واحد والربط بينها.
أما الفهم فهو العلم بعلة هذا الارتباط وكيفية عمله.
مثال يوضح الفرق:
عندما نرصد حركة الأجرام السماوية في السماء وندونها فإن هذا هو العلم، أما عندما نجد قانونًا يربط بين هذه المعلومات ويجعلنا نلخص كل ما رصدناه من معلومات في معادلة بسيطة كـ(قوانين الجاذبية) فهذه هي المعرفة، أما عندما نعلم لماذا صيغت هذه القوانين بهذه الكيفية وبالآلية التي تتبع بها الأجرام السماوية هذه القوانين فهذا هو الفهم.
مدي علم الإنسان:
يقول الله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيل} [الإسراء:85].
فعلمنا كجزيرة صغيرة في بحر لا نهائي من الجهل، فمهما توهمنا زيادة رقعة الجزيرة فهي لا شيء بالمقارنة ببحر جهلنا، وكلما زادت رقعة الجزيرة طالت شواطئها التي هي الحيرة والتساؤل، وكلما زاد الإنسان علمًا ازداد علمًا بجهله، ومن ظن أنه علم فقد جهل.
مدي معرفة الإنسان:
إن ما يعرفه الإنسان هو أقل بكثير مما يعلمه فهو في الغالب عاجز عن تجميع شتات اللغز الذي أمامه، ليكمل الصورة الكبرى عن شيء ما، دع عنك الصورة الأكبر التي تجمع الأشياء ببعضها وتبين علاقتها ببعض، والمعرفة هي ظنية فهي مجرد وضع نموذج يستطيع من خلاله الإنسان التخرص بتصرف نظام ما، وهذا النموذج وإن صدق في ماضي النظام فلا يوجد ما يضمن صدقه في مستقبله، وتكون المعرفة يقينية فقط عندما يعرفها لنا خالق الكون الله تعالى، فهو يقول في حق من يدخلون الجنة: {وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا} [محمد:6]، وهي درجة عالية جدًا من المعرفة.
مدى فهم الإنسان:
يعتقد الكثير من الناس أن عدم الفهم إنما هو مقتصر على الأمور الغيبية، التي لا ندركها بحواسنا، ومثال ذلك سؤال الرجل الذي سأل الإمام مالك عن كيفية الاستواء على العرش فقال الإمام كلمته المشهورة: "الاستواء معلومٌ، والكيف مجهولٌ، والإيمان بـــه واجبٌ، والسؤال عنه بدعةٌ"، ولكن العلم الحديث فاجأ الإنسان بأن ذكاءه أضعف من أن يستوعب حتى ما يراه! فقد دون نيوتن قبل مماته اعترافًا: "بأن قانون الجاذبية -الشهير المنسوب له- ما هو إلا صياغة رياضية لتصرفات الأجسام عندما تقترب من بعضها"، ولكنه قال: "أنه لا يستطيع فهم كيف يؤثر جسم على آخر عن بعد؟".
وجاء من بعده أينشتين ليخطو خطوة كبيرة بعده، ويثبت بنظريته النسبية العامة أن الجاذبية ليست بقوة، وأن الأجسام تحني الفضاء (في الزمان والمكان) من حولها، وامتداد هذا الانحناء بعيدًا عن الجسم المؤثر هو الذي يتحكم في مسار الجسم الآخر، فهو حل معضلة التأثير عن بعد، وجعله تأثيراً موضعياً من الجسم على الفضاء المحيط، وهذا التأثير ينتقل تدريجيًا ليكون موضعيًا في كل نقطة، إلى أن يكون تأثيرًا موضعيًا أيضًا من الفضاء المنحني على الجسم المتأثر.
ولكن مهلاً! هل فهم أينشتين آلية أو كيفية تأثير الأجسام على الفضاء ليصبح منحنيًا؟
الإجابة: هي النفي فلقد عرف أينشتين معرفة أكبر من نيوتن في هذه المسألة، ولكنه في النهاية لم يفهم! إنه حقًا شيء مثير..!
هذا عن الفيزياء الكلاسيكية، ويا للسخرية فقد عُدت النسبية الآن من الفيزياء الكلاسيكية، ونحن في العالم العربي لا نعلم عنها إلا اليسير من المعلومات الخاطئة، التي يشوبها الخيال العلمي أكثر من العلم الجاد، أما عن ميكانيكا الكم فقد قال عنها الفيزيائي المشهور (ريتشارد فينمان): "أنا أقول أنه لا يوجد من يفهم ميكانيكا الكم على وجه الأرض"، فما بالكم بما بعد النسبية وميكانيكا الكم من نظريات متلاطمة تعبر عن كم تلاطم المعرفة الإنسانية ونقضها بعضها بعضاً، مثال ذلك نظريات (الخيوط الفائقة) و(المجال الموحد) إلى نظرية (كل شيء!) التي لم ولن تكتمل..
الاستنتاج:
لا يغرنك أيها الإنسان ما وصلت إليه من علم، فهو والله لعلم ضئيل وأضأل منه معرفتك به، والأضأل فهمك له فلا تغتر واعلم قدر نفسك، قال الله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُور} [فاطر:28].
والله أعلم.
أحمد كمال قاسم
كاتب إسلامي
- التصنيف: