بيوت الأتقياء وجنان العابدين

منذ 2014-04-05

هي مراح ومستراح للأرواح الرفرافة الطاهرة، ومأوى ومستقر للأجساد العابدة، وموضع طمأنينة ومكان سكينة للقلوب النقية، وموضع سعادة وأنس وجمال للنفوس المطمئنة، إنها بيوت الله في الأرض، المساجد، التي لا يتعلق بها قلب مخلص إلا كان علامة على تقواه ولا يلازمها عبد صالح إلا رفع الله شأنه وطهر قلبه وغلب أعداءه.

هي مراح ومستراح للأرواح الرفرافة الطاهرة، ومأوى ومستقر للأجساد العابدة، وموضع طمأنينة ومكان سكينة للقلوب النقية، وموضع سعادة وأنس وجمال للنفوس المطمئنة، إنها بيوت الله في الأرض، المساجد، التي لا يتعلق بها قلب مخلص إلا كان علامة على تقواه ولا يلازمها عبد صالح إلا رفع الله شأنه وطهر قلبه وغلب أعداءه.

من مواضع السجود فيها خرج العابدون، ومن مدارسها نبغ العلماء، ومن جوانبها خرجت ثورات الأمة على كل ظالم جبار. قال الله تعالى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّـهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ . رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّـهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ۙ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ} [النور:36-37]، وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «المسجد بيت كل تقي وتكفل الله لمن كان المسجد بيته بالروح والرحمة والجواز على الصراط إلى رضوان الله إلى الجنة» (رواه الطبراني وصححه الألباني في الترغيب والترهيب). فهي المدرسة التربوية الكبرى التي تتربى فيها الأمة كبيرها وصغيرها وهي الحصن الذي لا يستطيع عدو أن يخترقه. وها نحن ذا نرتشف تلك المعاني وغيرها من حديث النبي صلى الله عليه وسلم وفي ظلاله حول بيوت الأتقياء وجنة العابدين.

1ـ الارتباط بالمساجد والمشي إليها:

وأقصد بالارتباط بالمساجد: تعلق القلب بها ودوام التردد عليها وكثرة الجلوس بها وحبها وإكرامها والإكثار من بنائها وتطييبها وإحياء العبادات بها، والاجتماع على طاعة الله فيها. وقد رغّب الإسلام في الارتباط بالمساجد ترغيباً كبيرًا وكأن الإسلام ينطلق من المساجد نحو العالم أجمع، وكأن الشارع يقول للخلق: "يا أيها العالمين توحدوا في مساجد الله ثم تعلموا واعبدوا ثم انطلقوا لتضيئوا الدنيا بأجمعها". فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من غدا إلى المسجد أو راح أعد الله له نزلاً كلما غدا أو راح» (رواه مسلم)، فأي مكرمة تلك المكرمة؟ وأي فضيلة تلك الفضيلة؟

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من تطهر في بيته ثم مضى إلي بيت من بيوت الله ليقضي فريضة من فرائض الله، كانت خطواته إحداها تحط خطيئة والأخرى ترفع درجة» [رواه مسلم]، فالخطى إلى بيوت الله ليست فقط خطى إلى مراكز تربوية نورانية، بل هي تشفيف للروح وتنقية للذنب قبل الوصول إليها وتطييب للخطى أثناء العزم.. فتدبر.

بل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أكّد على فضل المشي إلى المساجد البعيدة وأنه نوع ثواب كبير وترك أثر لا ينمحي حتى يرث الله الأرض ومن عليها، فعن جابر رضي الله عنه قال: "خلت البقاع حول المسجد فأراد بنو سلمة أن ينتقلوا قرب المسجد، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال لهم: «بلغني أنكم تريدون أن تنتقلوا قرب المسجد»، قالوا: "نعم يا رسول الله، قد أردنا ذلك"، فقال: «بني سلمة: دياركم تكتب أثاركم، دياركم تكتب أثاركم»، فقالوا: "ما سرنا أنا كنا تحولنا" (رواه مسلم). وعن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: "كان رجل من الأنصار لا أعلم أحدًا أبعد من المسجد منه، وكانت لا تخطئه صلاة، فقيل له: "لو اشتريت حماراً لتركبه في الظلماء وفي الرمضاء"، قال: "ما يسرني أن منزلي إلى جنب المسجد، إني أريد أن يكتب لي ممشاي إلى المسجد ورجوعي إذا رجعت إلى أهلي"، فقال صلى الله عليه وسلم: «قد جمع الله لكم ذلك كله»" (رواه مسلم).

2ـ مغفرة للذنب:

إن لأهل المساجد الساعين إليها والمتعلقين بها والمرتبطين بها لفضيلة أي فضيلة، تلك التي تمحو السيئات وترفع الدرجات وتزين بالمكرمات، فبين خطًا تمحو الخطايا وبين ركعات تذيب الذنوب وبين رحمة من الله أعدت لهم.. فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من راح إلى مسجد الجماعة فخطوة تمحو سيئة وخطوة تكتب له حسنة، ذاهبا وراجعا»" (رواه احمد). وعن عثمان رضي الله عنه أنه قال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من توضأ فأسبغ الوضوء، ثم مشى إلى صلاة مكتوبة، فصلاها مع الإمام غفر له ذنبه»" (رواه ابن خزيمه وصححه الألباني). وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يتوضأ أحدكم فيحسن وضوءه فيسبغه، ثم يأتي المسجد لا يريد إلا الصلاة فيه، إلا تبشبش الله إليه، كما يتبشبش أهل الغائب بطلعته» (رواه ابن خزيمه وصححه الألباني).

3ـ نور المشّائين في الظلمات:

أما الذين يكابدون آلام الدنيا ومشاقها في سبيل الله فإن ربهم سيخلف عليهم خير إخلاف، وسيبدلهم بخوفهم أمنًا، وببذلهم عطاء، وبالظلام الذي عانوه نورًا وحبورًا. فعن بريدة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «بشّر المشّائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة» (رواه أبو داوود، قال الألباني رحمه الله: والحديث يعنى العشاء والصبح لأنها تقام بغلس (يعني بظلمة)). وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله ليضيء للذين يتخللون إلى المساجد في الظلم بنور ساطع يوم القيامة» (رواه الطبراني وحسنه الألباني في الترغيب).

ولنا أن نلحظ أن جميع تعبيرات الأحاديث تدل على شدة النور وعمومه وسطوعه وتمامه فضلاً من الله ونعمة. وعن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من مشى في ظلمة الليل إلى المسجد لقي الله عز وجل بنور يوم القيامة» (رواه ابن حبان وصححه الألباني). قال ابن عثيمين رحمه الله: "لا شك أن الذي يذهب إلى المسجد في الظلم، فإن جزاءه من جنس العمل، يعني كما تجشم الظلم وأتى إلى المساجد فإنه يكتب له النور يوم القيامة" (شرح رياض الصالحين).

4ـ أحب الأماكن إلى الله المساجد:

لقد دلت الأخبار الصحاح على فضل المسجد كمكان تقام فيه العبادة ويستمع فيه الذكر وتصنع فيه الخيرات ويؤمر فيه بالمعروف، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أحب البلاد إلى الله تعالى مساجدها، وأبغض البلاد إلى الله أسواقها» (رواه مسلم). وعن جبير بن مطعم رضي الله عنه: أن رجلاً قال: "يا رسول الله: أي البلدان أحب إلى الله وأي البلدان أبغض إلى الله؟" قال: «لا أدري حتى أسأل جبريل عليه السلام»، فأتاه جبريل فأخبره: «إن أحسن البقاع إلى الله المساجد، وأبغض البقاع إلى الله الأسواق» (رواه أحمد وصححه الألباني).

5ـ فضائل أهل المسجد:

عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «المسجد بيت كل تقي وتكفل الله لمن كان المسجد بيته بالروح والرحمة والجواز على الصراط إلى رضوان الله إلى الجنة» (رواه الطبراني وصححه الألباني). وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما توطن رجل المساجد للصلاة والذكر إلا تبشبش الله تعالى إليه كما يتبشبش أهل الغائب بغائبهم إذا قدم عليهم»، وفي رواية لابن خزيمة قال: «ما من رجل كان توطن المساجد، فشغله أمر أو عله ثم عاد إلى ما كان إلا يتبشبش الله إليه كما يتبشبش أهل الغائب بغائبهم إذا قدم» (رواه ابن حبان). وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «سبعة يظلهم الله بظله، يوم لا ظلّ إلا ظلّه: الإمام العادل، وشاب نشأ في عبادة الله عز وجل، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه» (متفق عليه).

6- التربية على الارتباط بالمساجد:

إن الأحاديث السابقة التي سقناها في بيان قيمة المسجد في التربية الإيمانية لهي دافعة لكل المربين والمعلمين أن يعتمدوا الارتباط بالمساجد كوسيلة هامة ومؤثرة في البناء الروحي والإيماني للأفراد، ومن ثم عليهم أن يوجهوا جهودهم تجاه وضع البرامج التي تهدف إلى ذلك، وللتربية على الارتباط بالمساجد نحاول أن نقف على عدة توجيهات بإيجاز:

أ ـ التأكيد على صلاة الجماعة في المساجد:


فيجب على كل مسلم أن يعلم أهمية صلاة الجماعة في المساجد، وأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بها وحذر من التخلف عنها، فعن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له إلا من عذر» (أخرجه ابن ماجة وصححه الألباني). وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لقد هممت أن آمر فتيتي فيجمعوا لي حزمًا من حطب، ثم آتي قوما يُصلّون في بيوتهم فأحرقها عليهم» (رواه مسلم).

ب ـ تربية النشء في المساجد:


فإذا ارتبط الشاب منذ صغر سنه بالمسجد شبّ على ذلك وكبر عليه وصار المسجد بالنسبة له مأوى يأوي إليه، وملاذًا يطمئن فيه قلبه.

جـ ـ عقد اللقاءات في المساجد:


فيتعوّد الشباب أن يعقدوا ارتباطاتهم ولقاءاتهم ومواعيدهم في المساجد، ولقاءهم في المساجد يمنعهم من حديث الدنيا ومن اللهو والهوى، وربما يسمعون في المساجد خيرًا فيفيدهم، وربما تنقلب لقاءاتهم إلى لقاءات قراءة للقرآن أو تدارس علم أو غيره.

د ـ التأكيد على سنة انتظار الصلاة:


فهي سنة كما دلت الأحاديث تعين على زيادة الإيمان وتكفير الذنوب ومحو الخطايا، فيوجه إليها المعلمون ويؤكدون عليها ويبدؤون بأنفسهم فينتظرون الصلاة بعد الصلاة، ويحثون الناس على ذلك ويبينون لهم فضائلها.

هـ ـ البيئة الاجتماعية في المساجد:


وبعض الدعاة الصالحين يجعل من علاقات أهل المسجد علاقات حميمة قوية جدًا بغير مصلحة دنيوية ولا هدف غير الالتقاء على محبة الله سبحانه، فتراهم يجعلون من مجتمع المسجد مجتمعًا مترابطاً كأنهم أهل بيت واحد، فيسأل الحاضر عن الغائب ويعود الصحيح المريض، ويعين الميسر المعسر، ويجتمع الجميع في كلً صلاة من الصلوات على طاعة الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولو صارت كلً مساجدنا هكذا لتغير حال مجتمعنا من الداخل، ولقويت الروابط، ولسهل أمر الدعوة إلى الله. 

 

خالد روشة