حين يصبح التبرج والسفور ثقافة!!

منذ 2007-10-31


كتبه: داود العسعوسي



يقول ابن القيم رحمه الله تعالى: "احترز من عدوين هلك بهما أكثر الخلق: صادّي عن سبيل الله بشبهاته وزخرف قوله ومفتون بدنياه ورئاسته".

تذكرت هذه المقولة وصدرت بها مقالتي اليوم عندما قرأت التصريح الخطير لوزير الثقافة المصري المنشور في الوطن بتاريخ 17/11/2006 م بأنّ ارتداء المرأة الحجاب (عودة الى الوراء)، فأيقنت حينها أنّ معركة الحجاب والسفور لم تكن مقصورة بين أهل الإسلام ودول الكفر فقط، بل لها جنود من بني جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا يحملون أسلحة خفية يضربون بها من الخلف "حياء المرأة وكرامتها" بكل مكر وخديعة ليحيوا جاهدين ثقافة ـ سخافة ـ التبرج والسفور!!

"فرضية الحجاب" أمر نص عليه القرآن وأجمعت عليه الأمة وهو ـ بحق ـ الحصن الحصين الذي يحمي المرأة من عبث العابثين وهو السياج الواقي الذي يعصم المجتمع من الافتتان بها، والدعوة إليه فرض كذلك والتزام المرأة المسلمة به تقدم إلى الأمام أخلاقياً وحضاريا واجتماعياً، ولكن لابدّ أن تواكب هذه الدعوة دعوات يزعم أصحابها تحرير المرأة من قيود التخلف والجهل والعودة إلى الوراء وهي في حقيقة أمرها دعوات تغرير بالمرأة وعودة بها إلى عهد الجاهلية الأولى ودفعها بكل قوة إلى السقوط في وحل الابتذال والبيع الرخيص لتفقد في نهاية المطاف كيانها كامرأة حين يتخلى عنها أنصارها ولا يقول أحد منهم أنا لها!!

فأمّا قول الوزير: "النّساء بشعرهن الجميل كالورد الذي لا تجب تغطيته وحجبه عن النّاس". فغريب جداً لأنّ الوزير اهتم بعرض الورد على النّاس ولم يهتم بحفظه وصونه من أيدي العابثين به منهم، ترى، لو كان للوزير ماسة أو لؤلؤة قد ابتاعها بأغلى الأثمان هل سيتركها مكشوفة لكل لامس أم سيجعلها في حرز ويوثقه بأوثق الأقفال وأمنعها؟ إنّ المرأة في دين الإسلام يا سعادة الوزير أغلى وأشرف وأكرم من حليّ وعقود الدنيا كلها!

وأمّا موضوع عدم ارتباط الإيمان وتقوى الله بالملابس والمظهر الخارجي فذلك رأي لا نوافق الوزير عليه، لأنّ المرأة إنّما تلتزم بحجابها أساساً إستجابة لأمر ربّها وطاعة له ولرسوله قبل كل شيء، ولو كان الأمر على حد ما يقوله سعادة الوزير فللمرأة مثلا أن تترك الصلاة وتحترف الرقص وتخالط الرجال في مواقع الريبة...ووو.. ثمّ تقول بعد ذلك: "المهم الأخلاق وعلاقتي مع ربّي احتفظ بها في داخلي وتصرفاتي هذه إنّما هي حرية شخصية لا تدل على عدم تقواي وضعف العلاقة الإيمانية بربّي"! فهل تقبل هذا الكلام يا سعادة الوزير؟!

تصريح الوزير بأنّ (الحجاب عودة الى الوراء) يفتقر حقيقة إلى الدليل القطعي والتعليل المنطقي، ولنا أن نقول له بالمقابل: إذا كان الحجاب يا سعادة الوزير عودة للوراء فما هو الإثبات على أنّ التبرج والسفور تقدم إلى الأمام وماذا جنته المرأة المتبرجة وحرمته أختها المحجبة يا ترى؟.

زعم السفور والاختلاط وسيلة

للمجد قوم في المجانة أغرقوا

كذبوا متى كان التعرض للخنا

شيئا تعز به الشعوب وتسبق؟!

ما خطبهم كلفوا بنزع حجابها

وتكلفوا فيه البيان ونمقوا

ليس التمدن أن نرى روح الحيا

بيد الخلاعة كل يوم تزهق

أغدت مشاكلنا الكبيرة كلّها

ذيلا يجرجره السفور المطلق

أم أنّهم ضلوا السبيل وغرهم

ببريقه هذا الجديد المخلق؟


إنّ الوزير بتصريحه هذا يسعى من جديد لإحياء بدعة سيئة قديمة وضع نواتها الأولى قاسم أمين وهدى شعراوي والتي أصاب لهيبها نساء مصر على وجه الخصوص، وجاراتها على وجه العموم ولم تجن منه أمة الإسلام سوى الشوك والسعدان، وأرجو بهذه المناسبة من سعادة الوزير قراءة كتاب (عودة الحجاب) بأجزائه الثلاثة لمؤلفه (محمد بن اسماعيل المقدم) ، ففيه حول هذا الموضوع عرض وتحليل ونقد وتدليل وهداية ـ بإذن الله لطالب الحق ـ إلى سواء السبيل.


جريدة الوطن الكويتية