قناة قرطبة الإسبانية.. عندما يأتي النجاح مبكراً

منذ 2014-04-06

على الرغم من حداثة نشأتها وبالرَّغمِ من التحديات التي تواجهها, فقد استطاعت قناة (قرطبة الفضائية) الناطقة بالإسبانية تعزيِّز موقعها في إسبانيا، ودول أمريكا اللاتينية، وذلك بحصولها على جائزة (الإكليل الذهبي الدولية)، لأفضل قناة ناطقة باللغة الإسبانية والتي تُمنح منذ ٢٥ عاماً للمؤسسات الأكثر تألقاً وتأثيرًا.

على الرغم من حداثة نشأتها وبالرَّغمِ من التحديات التي تواجهها, فقد استطاعت قناة (قرطبة الفضائية) الناطقة بالإسبانية تعزيِّز موقعها في إسبانيا، ودول أمريكا اللاتينية، وذلك بحصولها على جائزة (الإكليل الذهبي الدولية)، لأفضل قناة ناطقة باللغة الإسبانية والتي تُمنح منذ ٢٥ عاماً للمؤسسات الأكثر تألقاً وتأثيرًا.

ففي يوم الأحد الأول من يناير لعام 2012م أطلقت مجموعة (رسالة الإسلام الإسبانية)، التي يشرف عليها فضيلة الشيخ الدكتور(عبد العزيز بن فوزان الفوزان)، البث التجريبي لقناة قرطبة وذلك بعد جهود مضنية استمرت لعدة أعوام، شارك فيها نخبة متميزة من الكوادر والخبرات الإعلامية والفكرية.

وتعد قناة قرطبة الإسبانية القناة الأولى من نوعها من حيُث اللغة والاستهداف، فالقناة التي تُوصف بأنها قناة معرفيةً ثقافيةً إسلاميّة شاملة تستهدف الجمهور الناطق بالإسبانية مسلمهم وكافرهم والذي يربو عددهم على 700 مليون نسمة.

كما أن القناة تركز على أمريكا الجنوبية التي تمثل تواصلاً ثقافياً وحضارياً مناسباً مع العالم الإسلامي، إضافة إلى اسبانيا والولايات المتحدة.


وتهدف القناة إلى التعريّف بالإسلام بصورته النقية ومنهجه الوسطيُّ المعتدل، ونشر مبادئ أهل السنُّة والجماعة، وتمتيّن جسور التواصل الحضاري والتعاون الإيجابي بين الحضارتين الإسلاميِّة والإسبانية.

وتُعنى القناة بالخدمات الإخبارية والتحليلات السياسية والأدب، بجانب المواد الأساسية الدينية، التي تهدُف إلى التعريف بالإسلام، وفتح قنوات حوار مع المجتمعات المدنية في الدول اللاتينية؛ لتفنيد الخطاب العدائي الموجه للدين الإسلامي، وتعريفهم بالحضارة العربية والإسلامية، والإجابة عن تساؤلات المسلمين وغير المسلمين، وتوضح الإسلام وروحه للجاليات المسلمة في أمريكا الجنوبية ودعمهم دينياً وثقافياً.

 

مشروع دعوي غير ربحي:

وقد جاء مشروع  قناة قرطبة امتداداً للدور المتنامي للإعلام  (والذي يعد الإعلام المرئي من أكثرها انتشاراً وأقواها نفوذًا وتأثيراً)، الأمر الذي يحتّم على الدعوة الاستفادة منه بالطرق المناسبة لإقامة الحجة على الناس من غير المسلمين وتوعية المسلمين بدينهم.

فمع وصول المسلمين إلى بلاد الأندلس في وقت مبكر ونشرهم الإسلام وتوطيِّدهم أركان دولتهم التي امتدت لقرون عديدة -ولا تزال آثار المسلمين باقية وحضارتهم ما زالت شاهدة على إنجازهم- فقد استدعى هذا الأمر إعادة الكرَّة ومحاولة الوصول لذلك المجتمع ولكل المجتمعات الناطقة بالإسبانية.

كما أن القناعة التامة لدى القائمين على القناة بأن تنامي ظاهرة (الإسلاموفوبيا) في العالم الغربي تعد من أهم تحديات الأمة الإسلامية حالياً، وهو ما يستدعي استثمار وسائل الإعلام المختلفة لقطع الطريق على المتطرفين والعنصريين، وبيان حقيقة الإسلام وحفظ مصالح المسلمين، ونشر الخير في الأرض، وتعزيز التواصل الحضاري بين المسلمين وغيرهم.

 

قصة نجاح:

ويؤكد فضيلة الشيخ د.عبد العزيز الفوزان أنه بعد النجاح الذي حققته شبكة رسالة الإسلام بلغاتها المختلفة، في نشر الدعوة الإسلامية والدين الحق والإسلام الوسطي، في معظم دول العالم، منها الآسيوية، والأوروبية ودول أمريكا اللاتينية، جاء مشروع قناة قرطبة الناطقة بالإسبانية لتبليغ رسالة الإسلام الصحيحة، وتصحيح الصورة النمطية السيئة، التي تُقال عن الإسلام والمسلمين، ويصور فيها المسلمون على أنهم إرهابيون ومتوحشون وأعداء للإنسانية.

ويشير فضيلته إلى العقبات الكثيرة التي كان على القائمين تجاوزها، خصوصا ًوأن المشروع جاء على أرض غير مسلمة وبوجود كثير من الأعداء والمتربصين، حتى إن الكثير كانوا يظنون أنه  من غير الممكن، إنشاء قناة في مثل هذه الظروف، خاصة وأنها تستهدف 5 قارات، ويصل بثها إلى 100 دولة.

 

بيئة خصبة:

لقد أظهرت دراسات موسعة سبقت إطلاق القناة أن أسباب النجاح لهذا المشروع متعددة، خصوصاً إذا اتخذت الأسباب المهنية، ومن هذه الأسباب عدد من الخصائص الإيجابية لدى مجتمعات أمريكيا اللاتينية (غير المسلمة) كتقهقر أثر الدين في تلك المجتمعات وأفرادها، وخصوصاً جانب العبادة، إضافة إلى التقارب بين مجتمعات أمريكا اللاتينية، والبلدان العربية، والإسلامية النامية من حيث تشابه الوضع الاقتصادي، فجميعها دول نامية وشعوب تواقة للتطوير، كما أنه ليس ثمة عداوات سابقة أو استعمار، الأمر الذي يساعد على تقريب العلاقات بين شعوب المنطقتين.

 

كما عززت دساتير هذه البلدان العلمانية والحرية الدنية المتاحة إلى حد كبير من فرص التغلغل والانتشار، في تلك المناطق بشكل كبير, وعلى الرغم من التباين بين بلدان أمريكا الجنوبية وشعوبها في الأصول اللغة العادات، إلا أن القواسم المشتركة الثقافية والدينية، بشكل خاص أكبر، ما يساعد على صياغة رسالة إعلامية موحدة للجميع دون إشكالات.

وبالنظر إلى أثر اللغة العربية في اللغة الإسبانية، والذي يتضح جلياً من خلال مئات المفردات العربية في هذه اللغة وإن تغيرت طريقة نطقها، فإن ذلك يمثل أيضاً مدخلاً هاماً للتواصل الثقافي مع ناطقي الإسبانية.

 

شمولية البرامج وتنوعها:

مما سعت إليه قناة قرطبة منذ انطلاقها, أن لتكون ضمن القنوات المفضلة في قائمة اختيار المشاهد في أمريكا الجنوبية، وذلك بتفردها من حيث الطبيعة، والتخصص، والمحتوى المناسب ثقافيا وفنياً.

فمما تميزت به قناة قرطبة، مهنيتها العالية وتنوع برامجها التي تخاطب الرجال، والنساء، والكبار، والصغار والمسلمين وغير المسلمين، إضافة إلى كونها تبث من قلب العاصمة الإسبانية مدريد، بأيد إسبانية ولاتينية مؤهلة تأهيلاً إعلامياً، وشرعياً، لتُشعر المشاهد الإسباني بأن هذه القناة قناته، وهي منه وإليه.

ويمثل اعتبار العقل والعاطفة والذوق قيمة إضافية للمشروع، ويتحقق ذلك من خلال الوسطية في المنهج والاعتدال في الخطاب والمحتوى الآمن، من تنوع وشمولية في الطرح.

وتشغل البرامج الخاصة التي تنتجها القناة الحيز الأكبر بين برامج المقدمة المبنية على خطة القناة وأهدافها وخصائص برامجها.

إضافة إلى البرامج الأخرى المقدمة والتي تكون إما مُنتجة لحساب القناة، أو من برامج السوق المفتوح والتي تكون ضمن مقاييس القناة وضوابطها الشرعيِّة والإعلامية والتقنية، فمن برامج إسلامية هادفة بأنواعها المختلفة، إلى برامج معرفية عامة ووثائقية والبرامج الحضارية والحوارية الفكرية والتواصل بين المجتمعات الإنسانية من منظور إسلامي تتضمن نشر القيم العالمية والإنسانية.

ومع التحديات التي تُواجهها قناة قرطبة في خضم هذا الصراع الإعلامي المحتدم للاستحواذ على هذه الشريحة الهامة من الناطقين باللغة الإسبانية وخاصةً مع دخول (إيران)، على هذا الخط من خلال برامج تلفزيونية تبثها مباشرة من طهران لنشر الفكر الشيعيِّ لا يزال الطريق طويلاً أمام هذه القناة لإعادة الإسلام النقي ومنهجه الوسطي المعتدل على مذهب أهل السنة والجماعة إلى ديار الأندلس.

 

محمد لافي.