فترة عمر النصف وقدر الموت

منذ 2014-04-07

المتأمل في شأن الأحياء يجد أن كثيرًا من الناس الأصحاء يموتون دون سبب، ولا يمكن بحال التنبؤ ما إذا كان إنسانًا صحيحًا سيموت في الساعة أو اليوم المقبل أم لا..

ضربات القدر:
يتعجب علماء الذرة من الكيفية التي تتحلل بها مجموعة من الذرات المشعة، فإنه كلما مر وقت ما يسمى بـ(فترة عمر النصف) يتحلل نصف كمية المادة المشعة الموجودة في المختبر، وهذا في ذاته ليس بعجيب، ولكن العجب كل العجب يتملك العلماء عندما يراقبون الذرات المنفردة، فإنه بعد طول بحث نظري وعملي توصلوا أنه من الاستحالة بحال التنبؤ بمجموعة الذرات المنفردة التي ستتحلل في فترة نصف العمر القادمة، فإنه لا يوجد سبب لتحلل هذه الذرات بالذات دون غيرها، فلا يوجد سبب يرونه يجعل الذرة (أ) تتحلل وتبقى جارتها (ب) دون تحلل، حتى إنهم من فرط عجبهم أطلقوا اسم: "ضربات القدر" -(انظر كتاب الكون الغامض للسير جيمس جينز)- على سبب تحلل الذرات المنفردة دون غيرها! واستنتجوا أن يدًا خفية تتدخل في الأمر وتميت من يموت -تحلله- وتبقي من تبقي حياً -لا تحلله- فما أعجب هذه النتيجة

الموت:
والمتأمل في شأن الأحياء يجد أن كثيرًا من الناس الأصحاء -حيث لا يوجد سبب مادي لموتهم- يموتون دون سبب، أو إن شئت فقل يموتون لأن أجلهم قد انتهى، فسبحان الله فما أشبه هذا بذاك! سبحان الله ما أشبه عالم الأحياء الأصحاء بعالم الذرات، يقول الله في كتابه الكريم في سورة [الزمر:42]: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَىٰ عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَىٰ إِلَىٰ أَجَلٍ مُسَمًّى ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}.

ولا يمكن بحال التنبؤ ما إذا كان إنسانًا صحيحًا سيموت في الساعة أو اليوم المقبل أم لا، ويبين لنا الله تعالى خالق الذرات وخالق البشر هذه الحقيقة بقوله سبحانه في سورة [لقمان:34]: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا ۖ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}.

الاستنتاج: طلاقة قدرة وعلم الله عز وجل.
إن الله تعالى سبب لنا الأسباب لنفهم الكون من حولنا، ولكنه نبه المتفكرين منا أنه بالرغم من هذا فإنه قدير على كل شيء، يفعل ما يشاء وقتما شاء وأينما شاء، ونبههم أيضًا أن علمهم الحديث لا يستطيع أن يتنبأ بيقين بالأحداث على وجه تفصيلي، وإنما أقصى ما يمكنه التنبأ به الأحداث على وجه إجمالي، وإن شئت فقل على وجه تفصيلي ولكنه احتمالي ليس به يقين، وهذا هو موضوع (ميكانيكا الكم في الفيزياء الحديثة) وبهذا فإن الله يمدنا من علمه بالقدر الذي يشاء فقط، ومهما بلغنا من تقنيات تجريبية فإنه من الاستحالة معرفة كل شيء على وجه تفصيلي.

ويشير إلى هذا الله تعالى في سورة [البقرة:255]، فيقول: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ}.

والله أعلم.

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

أحمد كمال قاسم

كاتب إسلامي