تنقيح تراث سيد قطب

منذ 2007-11-06

والرجل إن شاء الله عمله إلى ربّه ونحسبه والله حسيبه قدم نفسه فداء دينه، فقصة حياته وأخلاقه الثابتة عنه في حنوه على إخوانه واستعلائه على الظلم تجعل الحماسة تدب في قلوب كثير ممّن يكتبون عنه.


{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقَيراً فَاللّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً} [النساء:135].

منهج أهل الحق أهل السنة والجماعة يتمثل في العودة لكتاب الله وسنة رسول الله وجعلهما الميزان الثابت للرجال والفعال والأقوال، فالكتاب والسنة هما المحك الثابت الراسخ الذي لا يأتيه الباطل من بيد يديه ولا من خلفه أمّا ما دون ذلك من أقوال وأفعال ورجال فنزنهم بعرضهم على كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فالإسلام بعيد كل البعد عن عبادة الأحبار والرهبان، والذي يمثل شرك الاتباع بجلاء فلا اتباع لخطأ عالم في مخالفة تقابل الكتاب والسنة بأي وجه من الوجوه فلا حلال إلاّ ما أحل الله ولا حرام إلاّ ما حرم، ولا معصوم إلاّ النبي الخاتم وإخوانه من النبيين والمرسلين أمّا من دونهم فيؤخذ منه ويرد.

وقد عقد شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب في كتابه النفيس (كتاب التوحيد الذي هو حق الله على العبيد) باباً سمّاه: (باب: طاعة الأمراء والعلماء في تحليل ما حرّم الله أو تحريم ما أحلّ الله)، ثم ذكر تحته قول الله تعالى: {اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً} [التوبة:31]، وذكر حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه أنّه قال: يا رسول الله؛ والله ما كنّا نعبدهم من دون الله!، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: «ألم يكونوا يحرمون الحلال فتحرمونه، ويحلون الحرام فتحلّونه؟!»، قال: بلى، فقال: «فتلك عبادتكم إيّاهم».

والقاعدة العظيمة لأهل السنة في التلقي "نعرف الحق بالحق ونعرف الرجال بالحق ولا نعرف الحق بالرجال".

فالحق ثابت متمثل في كتاب الله وسنة رسوله وأي قول يعرض عليهما وأي رجل يعرض عليهما.

وتراث الأستاذ سيد قطب رحمه الله فيه الكثير من الأخطاء التي ينبغي على طلاب العلم الشرعي معالجتها لأنّ الجاهل بالعقيدة الإسلامية لو قرأها لوقع فيما يخالف المعتقد الصحيح خاصة فيما يتعلق بالأسماء والصفات وبعض ما وقع فيه الأستاذ سيد من زلات قلم في تفسيره فيما يتعلق بمقام النبوات وبعض الصحب الكرام وبعض ما يوحي بوحدة الوجود وغيرها.

والرجل إن شاء الله عمله إلى ربّه ونحسبه والله حسيبه قدم نفسه فداء دينه، فقصة حياته وأخلاقه الثابتة عنه في حنوه على إخوانه واستعلائه على الظلم تجعل الحماسة تدب في قلوب كثير ممّن يكتبون عنه.

ولكن على المنصف أن يفرق بين سيرة الرجل وبين زلات قلمه، والأستاذ سيد كان معروفاً كأديب، بل صاحب مدرسة في النقد الأدبي، أمّا كونه من علماء الشريعة فالرجل كتب في الشرع بقلم الأديب وليس بقلم العالم، لذا قد تجد الكثير من زلات القلم التي ينبغي الوقوف عندها وتصحيحها بل وتحذير الجاهل من اعتقادها كما تجد أيضاً كلام من نور لذا ينبغي التفريق بين الغث والثمين.

ففرق بين محبة الأشخاص والتعاطف مع سيرتهم العطرة ومسيرتهم المجاهدة وبين محاسبة الفكر ومقاضاته إلى الكتاب والسنة.

وهذه دعوة إلى المنصفين من طلاب العلم والدعاة العاملين لتنقيح تراث الأستاذ سيد رحمه الله وتبيين الأخطاء، والتحذير من زلات القلم حتى ننتصر للرجل بعد موته رحمه الله، فالرجل بين في أيّما موضع أنّه إنّما ينتصر لشرع الله ويبتغي التحاكم لكتاب الله وسنة رسول الله فكان من العدل أن ننصف الرجل بتصحيح أخطاءه وعرض أعماله على الكتاب والسنة الذين كرس الرجل حياته من أجل نصرهما.

بجانب ضرورة توضيح تواريخ الكتابات وهل هي قبل تحول الرجل إلى الاتجاه الإسلامي؟

وأخيراً فهذه الصيحة وهذا الرجاء من طلاب العلم بالانتصار للأستاذ سيد رحمه الله وتصحيح الأخطاء وعرضها على الكتاب والسنة إنّما هي صيحة لله أسأل الله أن ينفع بها ويتقبلها إنّه ربّ ذلك والقادر عليه.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولقارئي الكريم.


محمد أبو الهيثم

محمد أبو الهيثم
المصدر: خاص بطريق الإسلام