قصة الإسلام في أفغانستان

منذ 2014-04-08

كيف وصل الإسلام إلى أفغانستان؟

لم تظهر دولة الأفغان إلا قريبًا حيث كانت الأجزاء المكونة لها تتوزع بين الدولة الإيلخانية والهند والأوزبك. فقد سيطر على أجزائها التيموريون، ثم ما لبث أن انقسمت دولتهم إلى إمارات عديدة، ومنها إمارة هراه التي كانت تتبع خراسان، والتي كان يحكمها أحد فروع الأسرة التيمورية، وكانت هناك إمارة كابل وغزنة وكان يسيطر عليها ظهير الدين محمد بابر حاكم الهند، وكان ذلك عام 932هـ، واستطاع الصفويون دخول قندهار ثم أخذها منهم الأوزبك، ثم عاد مغول الهند فسيطروا عليها عام 1021هـ، وسلموها للصفويين عام 1038هـ.

أفغانستان تحت السيطرة الصفوية:

استطاع الصفويون أن يضموا إلى دولتهم أكثر الأجزاء الأفغانية، ثم ظهرت بعض المحاولات للاستقلال عن الصفويين أهمها ما حدث في قندهار وهراة؛ حيث ظهر في قندهار ميرأويس واستطاع أن يطرد الحاكم المعين من قبل الصفويين عام 1120هـ، وحكمها مير ثم توفي وورث ابنه محمود الحكم وهو صغير فاستولى عمه على الحكم بدعم الصفويين، ولكن ما لبث محمود أن كبر فحارب عمه واسترد قندهار.

أما ما حدث في هراة فكان أكبر بكثير، فقد شجع ما حدث في قندهار على القيام بعمل أكبر ضد الصفويين، فظهر أسد الله من القبائل الدورانية (العبدلية) واستطاع أن يسيطر على هراة ويحكمها، ثم جاء مير محمود من الأسرة الدورانية فحارب الصفويين وانتصر عليهم، واستطاع أن يبسط نفوذه على معظم أراضيهم بما فيها عاصمتهم أصفهان عام 1135هـ، ولم يتبق للصفويين إلا أجزاء صغيرة في الشمال، فاستنجد الصفويون بالروس فاستغلوا الفرصة وأخذوا يتقدمون في أراضي الصفويين، فأوقف العثمانيون تقدمهم ثم حدثت معاهدة بين العثمانيين والروس لتقسيم الأجزاء الشمالية بينهم، ثم خلع الأفغان مير محمود لضعفه عقليًّا، وتسلم مكانه ابن عمه أشرف بن عبد العزيز، فاتجه لمحاربة العثمانيين، لأنه لم يرض عن اتفاقهم مع الروس على اقتسام الأراضي الشمالية من الصفويين، ثم ظهر نادر خان الذي يدعم الصفويين، وقاتل الأفغان واستطاع أن يخرجهم من أراضي الصفويين، بل استطاع إخضاع بلادهم بالكامل.

 

ظهور الدولة الأفغانية:

بعد وفاة نادر خان عام 1160هـ رجعت فرقة الأفغان التي كانت تحارب معه إلى قندهار، ونادت قائدها أحمد شاه العبدلي من الأسرة الدورانية، وعرفت إمارته باسم الدولة الأفغانية.

الأسرة الدورانية:
حكمت الأسرة الدورانية أفغانستان أكثر من قرنين من الزمان، وقد توالى عليها عدد من الحكام: 

أحمد شاه:
وهو مؤسس الأسرة الحاكمة ومؤسس دولة أفغانستان، واستطاع أن يضم إليه الملتان ولاهور وكشمير، وحارب السيخ، واتخذ من قندهار عاصمة لدولته ومات عام 1187هـ، وتسلم بعده ابنه تيمور شاه.

تيمور شاه:
نازع أخوه سليمان في الملك، ولكنه تمكن من السيطرة على قندهار، وقتل أخاه ونقل العاصمة إلى كابل، وحارب السيخ الذين احتلوا الملتان، وانتصر عليهم واسترد منهم الملتان عام 1196هـ، واستقل في أيامه أمراء السند ذاتيًّا وحارب أمير بخارى معصوم، وانتصر عليه وأخمد ثورة في كشمير، وكان الإنجليز يشجعون السيخ في الهند والقاجاريين في فارس على قتاله، وتوفي عام 1207هـ وتولى ابنه زمان شاه الحكم.

نزاع أبناء تيمور على الحكم:
تولى زمان شاه الحكم بعد أبيه حتى عام 1215 فخلعه أخوه محمود ووضعه في السجن، ولكن أخاهم الثالث شجاع الملك أعلن نفسه ملكًا في بيشاور واستطاع أن يحتل كابل، ويخلع أخاه محمود، ويخرج أخاه زمان شاه من السجن وقد عمي.. ثم استطاع محمود أن يعود للملك مرة أخرى عام 1224هـ ثم قتل محمود أخًا له يدعى فتح خان، فقام أخ لهم آخر يدعى دوست محمد بمحاربة محمود، والثأر لأخيه واستطاع دخول كابل، واستغل أعداء الأفغان الفرصة، فاحتل الفرس هراه واحتل السيخ الإمارات الهندية، واستنجد شجاع الملك بالإنجليز، فساروا بقوة ودخلوا كابل وأعادوا شجاع الملك إلى الحكم 1255هـ، واستسلم دوست محمد للإنجليز فنفوه إلى البنغال.

وفي أثناء انسحاب الجيش الإنجليزي هجم الأفغان عليه بقيادة محمد زائي ومعه أكبر خان بن دوست محمد، وكاد الجيش الإنجليزي أن يباد وقتل شجاع الملك في الحرب، واضطر الإنجليز أن يعيدوا دوست محمد للحكم.

دوست محمد خان:
حاول تهدئة الأوضاع الداخلية بإعادة إخوته وأبنائه للإمارات وكذلك الأوضاع الخارجية بعقد معاهدة صداقة مع إنجلترا والصلح مع الروس، ولكن نقم الإنجليز عليه لعدم مساعدتهم في الثورات التي قامت ضدهم في الهند، وحاول الإنجليز غزو بلاد الأفغان، ولكنهم وجدوا مقاومة عنيفة جعلتهم يفشلون في دخولها، وتوفي دوست محمد عام 1280هـ وتسلم بعده ابنه شير علي.

شير علي والاحتلال الإنجليزي لأفغانستان:
زادت تدخلات إنجلترا في شئون الأفغان بعدة ذرائع، منها صد هجمات القبائل الأفغانية عن الهند، ومرة بالوقوف في وجه الامتداد الروسي؛ ولذلك اضطر شير علي أن يستعين بالروس ضد الإنجليز، فرحب بالوفد الروسي ورفض الوفد الإنجليزي، فانقضت إنجلترا على أفغانستان، واحتلتها عام 1295هـ، وتوفي شير علي في العام التالي.

يعقوب بن شير علي:
تولى بعد أبيه الحكم تحت الاحتلال الإنجليزي وكان مسايرًا للاحتلال فرفضه الأفغانيون، واضطر أن يتنازل عن الحكم بعد 3 أعوام من توليه؛ لأن رجاله هاجموا الوزير الإنجليزي في كابل وقطعوه إربًا واشتدت المقاومة الأفغانية للاحتلال الإنجليزي، حتى اضطرت إنجلترا للانسحاب من أفغانستان وعقدت اتفاقية تستقل بمقتضاها أفغانستان، مع استمرار تحكم الإنجليز في سياستها الخارجية.

عبد الرحمن:
تسلم الحكم بعد خروج الإنجليز وهو ابن أفضل بن دوست محمد وحاولت روسيا دخول مدينة هراة عام 1302هـ فأسرعت إنجلترا لوقفها، وعقدت بين الروس والإنجليز معاهدة بطرسبرغ التي بمقتضاها تكتفي روسيا بما احتلته من إقليم خراسان (جمهورية تركمانستان)، وعدم التقدم في أفغانستان، ولكن روسيا عادت للتدخل في أفغانستان، وحاولت ضم باداخشان فعقدت إنجلترا وروسيا معاهدة عام 1313هـ اعترفت فيها روسيا أن باداخشان جزء من بلاد الأفغان، ورسمت الحدود بين مناطق السيطرة الروسية وأفغانستان، وحاول أيوب بن عم علي، الذي فر إلى إيران وجمع رجاله وغزا بلاد الأفغان، واحتل قندهار إلا أن عبد الرحمن أجبره على الانسحاب والرجوع إلى إيران، وكذلك حاول إسحاق خان ابن عم عبد الرحمن الذي تولى المناطق الشمالية أن يحتل كابول، ولكن عبد الرحمن استطاع أن يهزمه واضطر للفرار إلى سمرقند في حماية الروس، وتوفي عبد الرحمن عام 1319هـ.

حبيب الله خان:
تولى الحكم بعد موت أبيه عبد الرحمن وزاد في عهده النفوذ الإنجليزي، واضطرت روسيا وإنجلترا أن يبرما معاهدة يعترفان فيها باستقلال أفغانستان، وحاول العثمانيون استقطاب حبيب الله في الحرب العالمية الأولى، ولكنه كان يؤيد الإنجليز فنقم عليه الأفغانيون وقتلوه عام 1338هـ. 

أمان الله خان:
هو ابن حبيب الله خان، تسلم السلطة بعد موت أبيه وتلقب باسم ملك، وفي عهده حارب الأفغان الإنجليز بقيادة محمد نادر شاه، وانتصر الأفغان وطردوا الإنجليز من كل المناطق التي يحتلونها، وأبرموا مع الإنجليز معاهدة تعترف فيها باستقلال أفغانستان، وشعر أن الأمر قد استتب له، فركن إلى الترف واللهو وأعجب بالحضارة الأوروبية، فسار يقلدها رغم ما تحمله من مخالفات للإسلام، وانصرف إلى رحلة طويلة في أوربا، وأبعد عن البلاد محمد نادر شاه بتعيينه سفيرًا لأفغانستان في باريس، وأعجب بالسفور فطبقه على أهل بيته، وظهرت نساؤه سافرات متبرجات، في رحلته الأوربية فنقم عليه الشعب، فما زاده ذلك إلا إصرارًا، وأصدر أمرا بخلع الزي الأفغاني وجعل الزي الأوربي زيًّا عامًّا، فاشتد غضب الشعب فاستغل أحد الوصوليين هذه الظروف، وهو باجي السقا وجمع حوله أهل المصالح وقطاع الطرق واستطاع أن يسيطر على كابول، وأن يجبر أمان الله على التنازل عن الحكم لأخيه عناية الله، وسافر أمان الله إلى بريطانيا ليكمل لهوه وترفه.

عناية الله:
اشتد في عهده خطر باجي السقا، الذي أعلن نفسه ملكًا على أفغانستان باسم حبيب الله غازي، وعمت الفوضى البلاد، وفشل عناية الله في السيطرة عليها، وتدخل محمد نادر شاه، وخاصة أنه من الأسرة الحاكمة، والتف حوله الشعب نظرًا لبلائه الحسن في القتال ضد الإنجليز، ورفعوه على عرش أفغانستان عام 1348هـ.

محمد نادر خان:
بمجرد وصوله إلى الحكم ألقى القبض على باجي السقا، وأعدمه شنقًا، ومضى في إصلاح البلاد مما أصابها، فقضى على الرشوة والفساد، وعفا من إدارة البلاد الذين عرفوا بفسادهم، ولكنه قتل على يد أحد أبناء الذين شملهم الإعفاء عام 1352هـ، وتسلم بعده ابنه محمد ظاهر شاه.

محمد ظاهر شاه:
عندما تسلم الحكم كان يبلغ من العمر 19 عامًا، ولكن رجال أبيه أعانوه في شئون الحكم فسارت البلاد بشكل طيب لمدة 15 عامًا، ثم بدأ يشعر بذاتيته فأبعد من كان حوله وبدأ ينحرف عن الطريق الصحيح وأصدر منشورًا ملكيًّا عام 1379هـ يبيح للنساء الخروج سافرات فاستجابت الأسر التي تحب التقليد الأعمى لأوربا، وخلع نساؤها الحجاب وزاد الانفتاح على الدول النصرانية في البلاد، وسمح للروس بزيادة نفوذهم في أفغانستان، وأخذوا يبحثون عن مؤيدين لهم فيها فوجدوا ضالتهم في رئيس الوزراء محمد داود، وفي نفس الوقت زوج أخت الشاه، فأحس الشاه بميول محمد داود فأعفاه من منصبه، فأخذ محمد داود يعمل في الخفاء للقضاء على النظام الحاكم في أفغانستان، وبدأ الشيوعيون يظهرون في البلاد وقويت شوكتهم، وفيما يبدو أن المعسكرين الشرقي والغربي قد قسموا العالم إلى مناطق نفوذ بينهما، وكانت أفغانستان من نصيب الروس فأطلقوا لهم العنان في مد النفوذ فيها، وفي نفس الوقت بدأ الوعي الإسلامي بالخطر المحيط من قبل الروس، وزيادة خبرائهم في البلاد.

وحدثت مصادمات بين المسلمين والشيوعيين، انتهت أغلبها بنصر المسلمين برغم تفوق الشيوعيين في الإمكانيات الحربية ودعم الروس والصينيين.

 

الحكم الشيوعي

محمد داود:

استطاع محمد داود بتنسيق بين الروس والشيوعيين أن يقوم بانقلاب عسكري في عام 1393هـ والشاه في إيطاليا، وتمكن محمد داود من البلاد، وألغى الملكية وأعلن الجمهورية ونصب نفسه رئيسًا لها، وأخذ يضيق الخناق على الحركات الإسلامية.

ما لبث أن توترت العلاقات بينه وبين الشيوعيين، لأنه كان يعتبر أنه بوصوله للحكم استتب له الأمر، بينما الروس يعتبرونه مرحلة من مراحل دخول الشيوعية تمهيدًا لترسيخها في البلاد، فكثرت الاغتيالات وذلك لإثارة الفوضى في البلاد والإشارة إلى عدم استقلالها، فأحس محمد داود بالخطر المحيط به فأسرع بالقبض على زعماء الشيوعية في البلاد ومنهم نور محمد تراقي، وحفيظ الله أمين، وبابرك كارمل، ولكنه قبل أن يجهز على من تبقى حدث انقلاب ضده عام 1398هـ بقياد محمد غلاب أحد قادة حزب خلق الشيوعي، ومعه العميد الشيوعي عبد القادر الذي قاد الانقلاب السابق ضد محمد ظاهر شاه، والآن يقوده ضد حليفه محمد داود وسمى هذا الانقلاب بثورة ساور (أي ثورة نيسان)، وأخرج من السجن الزعماء الشيوعيين وعين نور محمد تراقي زعيم حزب خلق الشيوعي رئيسًا للجمهورية.

نور محمد تراقي:
ما إن تسلم السلطة حتى سفك الدماء وأزهق الأرواح في البلاد وأظهر الشيوعية في أبهى صورها، وقتل في يوم واحد 15000، وجيء بمحمد داود وقتل أمامه أبناؤه الـ 29، ثم أجهز عليه هو وباقي أفراد أسرته، وأقام القتل في زعماء المسلمين وعامتهم، والتفت لحزب برشام الشيوعي المنافس، فأبعد قادته من البلاد بتعيين زعمائه سفراء في الخارج، ومن أمثلتهم بابرك كارمل الذي عين سفيرًا في تشيكوسلوفاكيا.

بدأ خطر هؤلاء الزعماء الخارجي في الظهور، فقد بينوا الحالة التي تحياها البلاد وخاصة أن حزب برشام يرى الارتباط بموسكو مباشرة والمناداة بالشيوعية العالمية، بينما يرى حزب خلق الحاكم أن العمل بالشيوعية يكون في نطاق الدائرة المحلية فقط، فقام نور محمد تراقي بعزل السفراء المعينين في الخارج، ولكنهم لم يعودوا إلى أفغانستان لما يتوقعونه من فتك ينتظرهم، ثم اتجه نور محمد تراقي إلى موسكو، وأبرم معاهدة مع الروس يفتح بها أبواب البلاد للجيش الروسي بحجة حماية نظامه ضد المعارضة والمقاومة الداخلية، وبدأ يظهر الحزب الإسلامي بقيادة قلب الدين حكمتيار عام 1399هـ وحدثت انتفاضة في معسكرات هراة، وتمرد العسكر في الجيش، فأرسل الروس إلى أفغانستان أول وحدة هجومية في رمضان عام 1399هـ ووقع الخلاف بين رئيس الجمهورية ورئيس وزرائه حفيظ الله أمين، ودعا الروس نور محمد تراقي للاستعانة ببابرك كارمل، ولكن نور محمد تراقي اعتذر بحجة أن رئيس الوزراء لا يطيق بابرك، فدبر الروس محاولة لاغتيال حفيظ الله أمين بتأييد رئيس الجمهورية، ولكنها فشلت واستطاع حفيظ الله أمين أن يسيطر على البلاد، ويعتقل نور محمد تراقي، وينصب نفسه رئيسًا للجمهورية في أواخر عام 1399هـ.

حفيظ الله أمين:
حاول حفيظ الله أمين أن يهدئ الأوضاع في البلاد ويحسن العلاقات مع دول الجوار، ولكن روسيا كانت تريد رئيسًا خاضعًا خضوعًا كاملًا لموسكو لا جزئيًّا، فأخذت تثير الفوضى في البلاد ووقعت مصادمات بين الجيش الأفغاني والروس الموجودين في البلاد، ودعم الروس حزب برشام الذي يعيش رئيسه بابرك كارمل في تشيكوسلوفاكيا كلاجئ سياسي أي خاضعًا للروس، وأعد الروس عدتهم للإطاحة بحفيظ الله أمين وتنصيب عميلهم بابرك كارمل، فدعموا وزير الدفاع محمد أسلم، الذي قام بالهجوم على القصر الجمهوري عام 1400هـ واعتقل رئيس الجمهورية حفيظ الله أمين وأعدمه في اليوم التالي، ونصب بابرك كارمل رئيسًا لأفغانستان وهو بخارج البلاد.

بابرك كارمل:
ما إن وصل بابرك إلى كابول حتى تدفق الروس على البلاد وسيطروا على كابول وأرسلوا قواتهم للسيطرة على بقية الأقاليم، وأصدرت الأمم المتحدة قرارها بانسحاب الروس من أفغانستان، وأعلن وزراء خارجية الدول الإسلامية في إسلام أباد أن الغزو الروسي يعد مخالفة كبيرة للقانون الدولي، غير أن كل هذه النداءات لا تفيد، فالأمم المتحدة هي أداة تتحكم بها الدول الكبرى في العالم، وقتل في عام 1400هـ ما يقارب مليون مسلم على يد الروس في أفغانستان.

المقاومة الإسلامية:

كانت المقاومة الإسلامية للشيوعيين والروس على أشدها في أفغانستان، فأهل أفغانستان يشتهرون منذ زمن بعيد بتمسكهم الشديد وتحمسهم للإسلام، فأخذوا يقاومون أعداء الإسلام، وألحقوا بهم خسائر فادحة برغم تقدم الأسلحة الروسية، ولكن من عيوب المقاومة انقسام رجالها إلى عدة جمعيات، كثيرًا ما حدثت بينها خلافات أدت للتناحر بينها.

من أشهر الجمعيات التي حدث بينها تصادم الجمعية الإسلامية بقيادة برهان الدين رباني والحزب الإسلامي بقيادة قلب الدين حكمتيار، وبرغم ذلك لقن المجاهدون الأفغان الروس والشيوعيين دروسًا في القتال لن ينسوها، ووجدت روسيا نفسها في مستنقع تفقد فيه يوميًا العديد من فلذات أكبادها وتخسر المليارات من الأموال، واستطاعت هذه الحفنة الصغيرة من المجاهدين، التي اعتقد الروس أنهم سيسحقونها، أن تذيق الروس الأمرين وخاصة أنهم أهل البلاد الأكثر دراية بالقتال. 

فاضطر الروس عام 1408هـ لتوقيع اتفاق يقضى بانسحابهم من أفغانستان بعد الخسائر الفادحة التي تكبدوها في هذه الحرب لينقذوا ما يمكن إنقاذه، ولا يمكن وصف العناء الشديد الذي تحمله الشعب الأفغاني من قتل وتشريد ولاجئين في باكستان وغيرها من الدول الإسلامية، ولم يترك الروس البلاد إلا وعملاؤهم الشيوعيون يسيطرون على الحكومة الأفغانية، وكان آخرهم نجيب الله محمد، ولم يهدأ المجاهدون وحاولوا القيام بانقلاب عسكري ضد الحكم الشيوعي، ولكن الروس عاونوا الشيوعيين في إخماده، وواصل المجاهدون جهادهم ضد الشيوعيين، وشكلوا وزارة مؤقتة مرتين ولكنهم سرعان ما اختلفوا، وفي نفس الوقت وجد النظام الشيوعي نفسه ?اجزًا عن المقاومة، فاستقال الرئيس نجيب الله محمد عام 1412هـ من منصبه، وتهيأ الوضع للمجاهدين في السيطرة على البلاد، ولكن استمرت المصادمات بينهم وبعد أن كانوا بالأمس يضربون أروع الأمثال في الكفاح والجهاد ضد أعداء الإسلام زاد البأس بينهم، وانقسمت أفغانستان لعدة مناطق متناحرة وأخذ أعداء الإسلام يمدونهم بالأسلحة لإضرام نيران الفتنة والشقاق بينهم.

حركة طالبان:

ظهرت في عام 1415هـ تدعمها باكستان، واستطاعت السيطرة على أكثر أجزاء أفغانستان حتى دخلت كابول عام 1415هـ، واستطاعت أن تسيطر على أكثر من 75% من مساحة البلاد، وتحالفت ضدها الفصائل الأفغانية الأخرى بدعم من الروس وإيران والدول المجاورة الأخرى باستثناء باكستان؛ حيث خافت هذه الدول من امتداد مفاهيم الحركة إليها.

وكادت طالبان أن تقضي على المعارضة لولا المساعدات الخارجية التي أنقذتها، واستطاع أحمد شاه مسعود أن يستعيد مدينة مزار شريف (كبرى مدن المعارضة) بعد أن دخلتها قوات طالبان، وظلت نبرة المعارضة تعلو تارة وتنخفض تارة أخرى، كما انهارت العلاقات الدولية بين أفغانستان والمجتمع الدولي إبان حكم طالبان بزعامة الملا محمد عمر. 

وبعد أحداث 11 سبتمبر 2001م الشهيرة، التي حدث فيها اعتداء على الولايات المتحدة الأمريكية، أشارت أصابع الاتهام إلى تنظيم القاعدة، الذي يتخذ زعيمه أسامة بن لادن من أفغانستان مقرًّا له، وبالفعل هاجمت أمريكا أفغانستان واجتاحتها وفرَّ ابن لادن والملا محمد عمر إلى مكان مجهول، وقضى الأمريكان على حركة طالبان ونصبت حامد كرزاي رئيسًا لأفغانستان.