الحياة مدرسة

منذ 2014-04-08

هل تعلم أيها الإنسان وأيها المسلم أنك تنتمي إلى: (مدرسة) وأن هذه المدرسة ينتمي إليها كل إنسان على الأرض من ذكر وأنثى، من فتى وشاب وشيخ، من غني وفقير، من عالم وجاهل، من حاكم ومحكوم؟! يعيش الإنسان في هذه الحياة في مدرسة، تبدأ أيامها وفصولها وسنوها منذ مطلع طفولته إلى لحظة الوفاة!

هل تعلم أيها الإنسان وأيها المسلم أنك تنتمي إلى: (مدرسة) وأن هذه المدرسة ينتمي إليها كل إنسان على الأرض من ذكر وأنثى، من فتى وشاب وشيخ، من غني وفقير، من عالم وجاهل، من حاكم ومحكوم؟! يعيش الإنسان في هذه الحياة في مدرسة، تبدأ أيامها وفصولها وسنوها منذ مطلع طفولته إلى لحظة الوفاة! وحياة الإنسان يمكن تقسيمها إلى مرحلتين:

الأولى، من الولادة حتى الرشد (البلوغ) حيث توجد امتحانات في الدنيا، وأما في الآخرة فلا يحاسبه ربه جل جلاله على ذنوبه وأخطائه حتى يبلغ. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رفع القلم عن ثلاثة: عن المجنون حتى يغلب عقله، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم» (رواه البخاري).

الثانية: حيث وجدت امتحانات في الدنيا، وجزاء في الدنيا والآخرة {مَنْ عَمِلَ صالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها وَما رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ} [فصلت:46].

- هذه المدرسة ليس لها مكان وزمان محددان، وليس لها موقع خاص، ولا بناء خاص، لكنها موجودة حيث يوجد الإنسان، لا دوام معين ولا مقاعد أو ألواح، لكنها موجودة في حياة الإنسان في كل مكان وكل زمان، في كل دقيقة وكل ساعة وكل يوم.. وكل العمر.

- هذه المدرسة (بناؤها وباحاتها وصفوفها) في هذه الحياة الدنيا، في البيت والعمل، في الشارع والحديقة، في السفر والحضر في السوق ووسائل النقل.. هذه المدرسة تشمل عالمنا الخارجي وكل ما حولنا، وعالمنا الداخلي.. أنفسنا التي بين جنبينا.. هذه المدرسة تبدأ أيامها وفصولها ومراحلها وسنوها منذ مرحلة الإدراك وحتى الوفاة.

- لها مالك يملكها ومن فيها (رب العالمين سبحانه وتعالى)، لا نقارن بينه وبين أي مدير مدرسة على وجه الأرض سبحانه وتعالى رب العالمين هو الذي يقرر النجاح والرسوب لطلاب هذه المدرسة، كل بحسب اجتهاده. وليس ملكه فقط هذه الأرض ومن عليها، إن ملكه كما يقول جل جلاله: {وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ} [الروم:26]، {اللَّهُ خالِقُ كُلِّ شيء وَهُوَ عَلى كُلِّ شيء وَكِيلٌ} [الزمر:62].

- لهذه المدرسة منهاج، مطالب كل إنسان على الأرض بالإيمان به وقراءته ودراسته والعمل به (القرآن والسنة)، هذا المنهاج شرعه رب العالمين، خالق الناس، العالم بأحوالهم، فهم بحاجة إلى دراسة هذا المنهاج دراسة جادة وعميقة؛ لفهمه ومعرفة ما يحتويه من نور وهدى.. هذا المنهاج تبيان لكل شيء، شامل لجميع مناحي الحياة، متضمن لمواد مختلفة في العقيدة والعبادة والمعاملات والأخلاق والقضاء والاقتصاد والسياسة ونظام الحرب والسلم.. المنهاج الذي لا يطلب منا أن نؤمن به نظريا وإنما يطالبنا أيضا بالتطبيق العملي.

قال سبحانه وتعالى: {وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة:82]. الكلمات الأربع الأولى من الآية: {الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} مكررة في القرآن الكريم قرابة إحدى وخمسين مرة، مع عدد غيرها من الآيات الكثيرة التي تحث على العمل بمقتضيات الإيمان. ومادة العقيدة أو الإيمان أهم مادة فيه، لأنها تدعو إلى عبادة الله وحده، منذ خلق آدم عليه السلام إلى الآن، ومن الحاضر إلى المستقبل البعيد.. ما بعد الموت والبعث والنشور والحساب والجزاء والمصير.. من آمن به وجب عليه قراءته ودراسته والعلم به. كلما ارتقينا في التطبيق زادت علاماتنا، وارتفعت بالتالي حسناتنا، وكنا من الفائزين.. هذا المنهاج يعرفنا به منزله جل جلاله بقوله: {الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} [إبراهيم:1].

- هذه المدرسة لها دوام، الدوام كامل خلال أربع وعشرين ساعة، في أوقات العمل والراحة والطعام والتنقل والتسوق واللهو وفي أي ظرف.. باستثناء ساعات النوم.

- ولها مدرسون يعلمون الناس المنهاج بمجمله وتفاصيله، الرسل والعلماء العاملون والدعاة المخلصون، ومن سار على نهجهم في كل زمان ومكان.

- ولها امتحان في كل لحظة من ساعات كل يوم، والامتحان يقال له ابتلاء ويقال له فتنة، هذا الامتحان بين الإنسان وبين نفسه، وبينه وبين أهله، وبينه وبين زملائه، سواء كانوا زملاء عمل أم أصدقاء، وبينه وبين الناس في الطرقات، وفي أي مكان آخر، قال سبحانه وتعالى: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ} [العنكبوت:2].

- ولها مراقبون للامتحان؛ قال سبحانه وتعالى: {مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق:18]، ملك عن اليمين يسجل ما يتكلم وما يعمل من حسنات، وملك عن الشمال يكتب ما يتكلم وما يعمل من سيئات.

- أما نتائج الامتحان ففي نهاية العمر تجمع الحسنات جميعًا والسيئات جميعًا، فإما ناجح إلى الجنة.. وإما راسب إلى النار.. ومن تعادلت حسناته مع سيئاته يكرمه ربه فيدخله الجنة، الناجح يأخذ كتابه بيمينه والراسب يأخذه بشماله، أو من وراء ظهره ثم يقرأ كتابه. قال سبحانه وتعالى: {اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا} [الإسراء:14].

- وأخيرا الحساب وهو حساب عسير.. فلا يستطيع المحاسب الغش والخديعة والتحايل وسرقة المعلومات، ويتبرأ الذين اتبعوا قال سبحانه وتعالى: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} [المدثر:38].

ولا توجد وساطات: {يَوْمَئِذٍ لَّا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَٰنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا} [طه:109]، {إِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ} [المؤمنون:101].

- وأما الشهادة فليست لوحات تعلق على الجدران، وإنما بادية على الوجوه: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ . وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَتِ الله هُمْ فِيها خالِدُونَ} [آل عمران:106- 107].

فاحرص أخي المؤمن على أن تدرس المنهاج وتطبقه بشكل جيد، خاصة وأن المنهاج يتألف من مواد كثيرة تتناول شؤون الحياة جميعها. فمادة (شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله) هي أهم مادة؛ وبها يتقرر مصير الإنسان. ومن هذه المواد الهامة: الصلاة، الصيام، غض البصر، بر الوالدين، النصح للناس، مقاومة النفس الأمارة بالسوء، الأمانة، الصدق، طاعة الزوج واحترامه، التواضع وعدم الغرور، الحرص على الوقت، مسك اللسان عن الغيبة والنميمة، حفظ المال.. أي اتباع كل ما أحل الله واجتناب كل ما حرم.

تدرس وتعمل جيدا لكي تفوز وتنجح، وتحصل على مجموع حسنات أكثر من السيئات، بشرط ألا ترسب في أهم مادة (لا إله إلا الله) وطريق الفوز كما قال سبحانه وتعالى: {وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب:71].

 

إحسان الدبش- باحث تربوي

المصدر: مجلة الوعي الإسلامي- العدد 584