الدنيا دار الامتحان، والمبادرة للطاعات من سمات المتقين!

منذ 2014-04-11

لقد جعل الله هذه الدنيا دار ابتلاء وامتحان، وجعل الآخرة دار جزاء وثواب، وأمرنا في هذه الدار بالمبادرة إلى الطاعات والمسابقة إلى الخيرات، وأن نستغل أعمارنا بما يرضي الله سبحانه وتعالى حتى نثقِّل موازيننا بالأعمال الصالحة، وحذرنا سبحانه وتعالى من الشيطان ومشاغله ومكائده، فهو عدو لدود للمؤمنين، وأمرنا باتخاذه عدوًا.

لقد جعل الله هذه الدنيا دار ابتلاء وامتحان، وجعل الآخرة دار جزاء وثواب، وأمرنا في هذه الدار بالمبادرة إلى الطاعات والمسابقة إلى الخيرات، وأن نستغل أعمارنا بما يرضي الله سبحانه وتعالى حتى نثقِّل موازيننا بالأعمال الصالحة، وحذرنا سبحانه وتعالى من الشيطان ومشاغله ومكائده، فهو عدو لدود للمؤمنين، وأمرنا باتخاذه عدوًا.

- ضرورة المبادرة إلى الطاعات:


فإن الوقت هو الحياة، وإن عمر الإنسان قصير، وإن هذه الحياة هي دار الامتحان، فعلى الإنسان أن يبادر فيها للطاعات ما دامت الفرصة مواتية وسانحة، فإن هذه الدنيا دار انتقال، وبقاء الحال من المحال، ولذلك سرعان ما ينتقل عنها الإنسان ولم يشف منها غله، بل إن الذين انتقلوا من هذه الدار يتمنون الرجوع إليها ولو لحظة واحدة، كما قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ . وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ . وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاء أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [المنافقون: 9-11].

وقد أمر الله سبحانه وتعالى المؤمنين بالمبادرة إلى الطاعات والمسارعة فيها، فقال تعالى: {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} [البقرة: 148]، وقال تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ . الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۗ وَاللَّـهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ . وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّـهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّـهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران: 133 - 135]، وقال تعالى: {سَابِقُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} [الحديد: 21].

إن هذه الدنيا مجال للمسابقة، والناس فيها كل يوم في مسابقة جديدة، كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها » فيغدو الإنسان في صباحه بعمر جديد؛ لأنه عند نومه طويت صحائف أمسه، وختم عليها، ولا تُنشَر إلا عندما توضع الموازين بالقسط ليوم القيامة، في كل يوم ينادي المنادي: يا ابن آدم! أنا يوم جديد، عليك فيه لله خطاب أكيد، فلا تضيع الفرصة ثم إذا غربت شمس ذلك اليوم ذكر الإنسان الموت مرة أخرى بالليل: «فالله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها». 


ولهذا فإن عمل الشيطان يتركز في هذه الحياة الدنيا على شغل الإنسان عن المبادرة إلى الطاعة، فيحاول معه تطويل الأمل، وهو الداء الأول للبشر، يقول له: إن أمامك عمراً طويلاً. كما يقول للنائم عندما يعقد ثلاث عقد على قفاه: إن عليك ليلاً طويلاً فنم. يضرب بذلك في كل عقدة، فكذلك يقول للإنسان: إن أمامك عمراً طويلاً، فما لم تفعله في هذا اليوم ستفعله غدًا، وما لم تفعله في هذا الشهر ستفعله في الشهر القادم وما لم تفعله في الشهر القادم ستفعله في السنة القادمة، وهكذا فيطول الأمل، وقبل أن ينتبه يأتي الأجل، فالأمل أتى به الله سبحانه وتعالى ليعمل الناس في الدنيا، لا ليطيلوا الأمل فيغتروا به، وقد ورد في حديثٍ فيه ضعف «إن الله عزَّ وجلَّ لما أخرج ذرية آدم من ظهره رآهم فأعجبته كثرتهم، فقال: أي رب! كيف يعيش هؤلاء في هذه الأرض؟ فقال: إني خالق موتًا. فقال: إذًا لا ينعم لهم بال عليها. قال: إني خالقٌ أملاً».

فبالموت ينتقصون حتى تحملهم الأرض كفاتًا أحياءً وأمواتًا، وبالأمل تهدأ قلوبهم في هذه الدنيا، ويطمئنون إليها، لكن النبي صلى الله عليه وسلم صح عنه: «أنه خط خطًا مربعًا، وخط في داخله خطًا، ثم أخرج منه خطًا طويلاً، ثم خط خطوطًا صغيرة في الأطراف، فوضع إصبعه على الخط الذي في داخل المربع فقال: هذا الإنسان، ثم وضع إصبعه على المربع فقال: وهذا أجله. ثم وضع إصبعه على الخط الخامس فقال: وهذا أمله، ثم وضع إصبعه على الخطوط الصغيرة فقال: وهذه الأعراض إن أخطأه هذا أصابه هذا»، فما يعرض للإنسان من الأمراض والآفات هي مقدرة عند الله سبحانه وتعالى، فإن أخطأه هذا أصابه الذي يليه، وهكذا.

- حقيقة الأعمار التي تمر بالإنسان وكيفية استغلاله لها:


أ- العمر الأول:

وهوعمر الدنيا نفسها، ومن هنا فإن للإنسان في هذه الدار ثلاثة أعمار: فهي دار عمل ولا جزاء، والناس بخروجهم منها سيندمون جميعًا، فالمحسن يندم على أن لا يكون زاد، والمسيء يندم على إساءته، وفي ذلك فما من إنسان إلا وهو يتمنى الرجوع إليها، حتى إن النبي صلى الله عليه وسلم صح عنه في الصحيحين أنه قال: «ولوددت أني أقاتل في سبيل الله فأقتل، ثم أحيا فأقاتل فأقتل، ثم أحيا فأقاتل فأقتل»، وكذلك فإن الشهداء يتمنون الرجوع إلى الدنيا ليقاتلوا فيقتلوا مرة أخرى في سبيل الله، وكذلك كل من أحسن في عمله يتمنى أن يرجع إلى الدنيا حتى يزيد من الطاعات؛ لما يراه من تفاوت أحوال أهل الآخرة، فأحوال أهل الدنيا متقاربة، وأحوال أهل الآخرة متباعدة، فأهل الجنة يتراؤون الغرف كما يتراءى أهل الأرض الكوكب الدري في السماء، وهذه الكواكب التي نراها يصل إلينا نورها وضوؤها وهو من ملايين السنين يتجه إلينا، فلا تظن أن الضوء الذي نراه هو ابن وقته، بل هو من ملايين السنين يتجه إلينا، فهذا الفرق الشاسع بين أحوال أهل الآخرة، وهذا في حق أهل الجنة فكيف بمن سواهم؟!

أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن حجرًا صلبًا ألقي في جهنم فمكث سبعين خريفًا يهوي حتى وصل إلى قعرها، فلذلك على الإنسان أن يعلم أن هذا العمر الأول الذي هو عمر هذه الدنيا منقضٍ لا محالة، وأن نهايته حتمية، فهذه الدنيا غير باقية وهذه الدنيا نهايتها لا تأتي إلا بغتة، فإنما نهايتها بأن يأذن الله للملك بأن ينفخ في الصور، فينفخ فيه نفخة الفزع فيصعق الناس جميعًا لها، ويمكثون أربعين سنة، ثم ينفخ النفخة الأخرى فإذا هم قيام ينظرون، وتنبت أجسامهم من جديد، فيخرجون يلبون نداء الله عندما ينادي: هلموا إلى ربكم. فيخرجون حفاة، عراة، غرلاً {يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاء كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ} [الأنبياء: 104]، كما ولدتهم أمهاتهم يُبعثون، فيُحشرون إلى الساهرة يجتمعون فيها جميعًا مثلما يجتمعون في المقابر، فالذي مات اليوم ودفن في المقبرة تساوت المعلومات التي لدينا عنه مع المعلومات التي لدينا عمن دفن قبل ألف سنة، فإن من ورائهم ذلك البرزخ الذي لا يمكن أن يُخترق {وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ . فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ . فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ . وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَـٰئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ . تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ} [المؤمنون: 100 - 104].

فمن علم هذا الحال علم أن هذه الدنيا ينبغي أن تُنتهز، وقد صح في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن أخوف ما أخافه عليكم ما ستجدون بعدي من زهرة الدنيا، فإنها خضرة حلوة، وإن مما ينبت الربيع ما يقتل حبطًا -أو يلم- إلا آكلة الخضر فإنها رتعت حتى إذا امتدت خاصرتها استقبلت عين الشمس فثلطت وبالت ثم رتعت، ولنعم صاحب المسلم هي إن أطعم منها الفقير، والمسكين وابن السبيل». إنك تشاهد التقلب في هذه الدنيا، وهو مؤذِنٌ بالزوال، فتشاهد الفقير ينتقل إلى غني، وتشاهد الغني ينتقل إلى فقير، وتشاهد الصغير ينتقل إلى كبير، وتشاهد الضعيف يصبح قويًا والقوي يصبح ضعيفًا، وكل هذا مؤذِنٌ بانتقال هذه الدنيا كلها، فالتغير دليل الفناء، وما كان كذلك فعلينا فيه أن ننتهزه. لاحظ أن العامل الحريص الذي وقته ضيق، فإنه إذا رأى الشمس تدنو للغروب وقد تضيفت له فإنه لا يفسد شيئًا من وقته، بل يكابد العمل غاية المكابدة ليتمه قبل أن تغرب الشمس. فالآن لم يبق من هذه الدنيا التي هي دار العمل إلا مثلما يبقى من النهار عندما تتضيف الشمس للغروب، فنحن آخر الأمم، ونحن أيضًا في آخر هذه الأمة.

ب- العمر الثاني:


وهو عمر الإنسان الشخصي، هذا العمر الذي بدأ بالنفخ فيه وهو جنين في بطن أمه، وينتهي بنزع الروح منه، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن العبد إذا كان في منقطع من الدنيا وإقبال من الآخرة أتاه ملك الموت، فجلس عند رأسه، فإن كانت نفسه طيبة قال لها: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ . ارْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً . فَادْخُلِي فِي عِبَادِي . وَادْخُلِي جَنَّتِي} [الفجر : 27-37]، فتخرج نفسه كما تسل القطرة من في السقاء، فلا تمكث في يد ملك الموت طرفة، بل يتناولها ملائكةٌ كأن وجوههم الشموس قد جلسوا مد البصر وهم باسطو أيديهم، فيجعلونها في كفن من أكفان الجنة، ويطيبونها من طيب الجنة، ويرتفعون بها إلى السماء، فيستأذنون فيقال: مرحبًا بالنفس الطيبة، فيؤذن لها حتى تخر ساجدةً تحت العرش، فيقال لها: ارجعي من حيث جئت لسؤال الملكين. وإن كانت النفس الخبيثة قال لها ملك الموت: يا أيتها النفس الخبيثة! اخرجي إلى سخط من الله وعقوبة. فتتفرق في البدن فينتزعها كما ينتزع السفود من الصوف المبلول -والسفود: مسمار فيه عوجٌ والتواء- فينتزعها بشدة وقوة فلا تمكث في يده طرفة عين، بل يتناولها أولئك الملائكة الذين قال الله تعالى في حقهم: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِباً أَوْ قَالَ أُوْحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنَزلَ اللّهُ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلآئِكَةُ بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ} [الأنعام: 93]، فيأخذون تلك النفس الخبيثة، فيجعلونها في سفط من أسفاط النار، ويغطونها من قطران النار، ويرتفعون بها فيستأذنون، فلا يؤذن لها، وقرأ صلى الله عليه وسلم:{إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُواْ عَنْهَا لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاء وَلاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ } [الأعراف: 40]، فتُرد النفس من حيث أتت خائبةً خاسرة. ومن علم أن نهايته هكذا وهو لا يدري إلى أي الحالين يصير، وعلم كذلك أن انتقاله بعد الموت إلى القبر، وبه تقوم قيامته، فإذا مات ابن آدم فقد قامت قيامته.

ج- النعم وكيفية استغلالها:

ثم إن الفرصة الثالثة والعمر الثالث هو ما مكَّن الله للإنسان في هذه الدار من المنافع والخيرات والنعم الكثيرة، وهي امتحان له، ولكل نعمة منها أجل مسمى. فهذا اللسان يمكن أن يقول الآن: (لا إله إلا الله)، وسيحال بينه وبين ذلك، وهذه الأرجل يمكن أن تحمل الإنسان الآن إلى طاعة الله، كالصلاة في المسجد، أو سماع درس أو غير ذلك، وسيحال بين الإنسان وبين ذلك، وكذلك السمع، وكذلك البصر، وهكذا كل النعم التي عند الإنسان لها آجال محددة في علم الله، فأهل الإنسان وماله وديعة، ولذلك قال لبيد بن ربيعة رضي الله عنه:
 

وما المال والأهلون إلا وديعة *** ولا بد يومًا أن ترد الودائع


فلا بد أن تُرد تلك الودائع، وعلى هذا فتمتُع الإنسان بها له أجل محدد في علم الله تعالى لا يمكن أن يتجاوزه، ومن كان هكذا فعليه أن ينتهز الفرصة وأن يبادر، فما هي إلا مثل عاريةٍ، فإذا أعارك إنسانٌ آلةً لتستخدمها لمدة محددة فإنك ستبادر لاستغلالها قبل فوات الأوان، من أعارك سيارته لتبلغ عليها مكانًا معينًا وتعلم أنه سيأخذها عند وقت محدد فإنك لن تتركها قائمةً واقفة، بل لا بد أن تستغلها قبل أن يأتي الأوان، ولذلك فكل ما عندك من النعم هو مثل السيارة المستعارة، أعارك الله هذه النعم ولها آجال محددة يقبضها ويأخذها.

- الحث على استغلال الأعمار الثلاثة للإنسان:

فهذه الأعمار الثلاثة على الإنسان أن يجتهد في استغلالها، وأن يكون رشيدًا، وأن لا يكون سفيهاً، فالسفيه هو المبذر الذي يجمع بالتعب ويفرق في غير طائل، فكذلك الذي لا يستغل هذه النعم ويبذرها في غير طائل فهو سفيه، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تزول قدما عبدٍ يوم القيامة حتى يسأل عن أربع» وذكر منها: «وعن شبابه فيما أبلاه»، إن كل من مضى عليه عمر الشباب ووقته فهو يتذكر ضياعاً كثيراً فيما مضى من عمره، ولذلك لا يسره أن تُعرض عليه أعماله في شبابه، ولهذا قال الحسن البصري رحمه الله: "إن عُمرًا ضُيع أوله لجدير أن يُحفظ آخره".

السؤال الثاني: «وعن عمره فيما أفناه»، فإن كثيرًا من الناس يقطع العمر بالحكايات التي لا طائل من ورائها، فيجلس مع مجموعة ساعةٍ كاملة تخلو غالبًا من ذكر الله، وإن كثيرًا من الناس يحسن الثناء على الناس ولا يحسن الثناء على الله، فلو عرضت عليه صحيفته لوجد فيها كثيرٌ من مدح الناس، لكن كم فيها من الثناء على الله؟!.. الشيء اليسير، ولا يحسن ذلك إلا إذا قرأ الفاتحة في الصلاة، وهكذا فالأوقات تمضي فيما لا طائل من ورائه.

السؤال الثالث: قال: «وعن علمه فيما عمل به»، فكل من بلغته كلمةٌ واحدةٌ مما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم فيُسأل عنها، ولهذا قال أبو الدرداء رضي الله عنه: "إن أخوف ما أخافه كتاب الله، ألا تبقى آية آمرةٌ إلا جاءتني فقالت: يا أبا الدرداء! قد أتيتك آمرةً فلم تأتمر بي. ولا آية زاجرةٌ إلا جاءتني فقالت: يا أبا الدرداء! قد أتيتك زاجرة فلم تنزجر بي". إننا نحفظ القرآن كاملاً، ونسمعه ونقرؤه، لكن علينا أن نتذكر أن هذا القرآن يلعن أقوامًا وهم يقرؤونه، فرب قارئ للقرآن والقرآن يلعنه.
 

 

فوزية المحمد

المصدر: مجلة الدعوة