زهرة... بلا رائحة!

منذ 2014-04-14

كثيرًا ما نصدم ويصيبنا الألم إذا ما رأينا زهرة براقة الألوان، حسنة الشكل، فلما اقتربنا منها وجدنا رائحتها قبيحة...

أجمل ما في الزهور رائحتها، وكثيرًا ما نصدم ويصيبنا الألم إذا ما رأينا زهرة براقة الألوان، حسنة الشكل، فلما اقتربنا منها وجدنا رائحتها قبيحة، نكاد أن نلقي بها تحت أقدامنا إذ أنها خيبت ظنوننا. فالزهر إنما هو أصل العطور، وكل رائحة جميلة في الحياة أصلها الزهور . جاءني شاب قبل أيام يشكو لي من كونه -رغم أنه متدين حسن الأخلاق- إلا أنه قد وقع في شراك فتاة كثيرة الزينة، لفتت ناظريه، فأتبع النظرة النظرة، وزين له الشيطان صورتها، فصار يتابع النظر إليها، ويتذكرها ليلًا ونهارًا!

يقول الشاب  أنه رغم أنه يسعى جاهدًا أن يتخلى عن التفكر فيها وتذكرها، إلا أن صورتها تقتحم عليه خلوته، والتفكير فيها لا يخلي وحدته، حتى إنه أفسد عليه دراسته، فبعد أن كان متميزًا متفوقًا، فقد تكرر فشله في أكثر من اختبار.

جاء الفتى يشكو شكوى صادقة، فاتفقت معه على السبب الأول لوقوعه في هذا الفخ، وهو أنه كرر النظر إليها، ولما كانت الفتاة زميلته في الجامعة فكان لقاؤها متكررًا وكان نظره إليها متتابعًا، واتفق هو أن الشيطان زين له صورتها فهو يراها الآن كأجمل فتاة في الدنيا، وأنه يريد الارتباط بها والزواج ولا يرى في الدنيا غيرها، ذكرته بحديث النبي صلى الله عليه وسلم في التحذير من تكرار النظر فعن بُرَيْدَةَ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يَا عَلِيُّ لَا تُتْبِعْ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ فَإِنَّ لَكَ الْأُولَى، وَلَيْسَتْ لَكَ الْآخِرَةُ» أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي. حذرته من أن تكون تلك الفتاة كزهرة بلا رائحة، قد غره منها ألوان ثيابها، وزينها له الشيطان. ورجوته أن يسعى للابتعاد عنها، أو السؤال الجيد عنها وعن أهلها إذا قرر خطبتها، وأن يعرف مستقبله معها من حيث رغبته في بناء بيت مسلم.

غاب عني ذاك الشاب أياما ثم عاد، وإذا به يقول لي أنه قد حدث له عجبا! فبعد أن استخار الله في خطبة الفتاة، وذهب لبيت ابيها ليخطبها -يقول الشاب- أنه فوجئ بفتاة ماجنة، وأسرة لاهية غافلة، حتى إن الفتاة بادرته بالأسئلة واستنكرت عليه تدينه، ولما حادثها عن الحجاب اعترض أبوها قبل أن تعترض أمها وقبل أن تبارك هي على اعتراضهم، حتى إنها قالت له: نحن لا نحب المتدينين!

فلما انزعج من كلمتها قالت: يعني أقصد لا نحب من يكثر الكلام في الدين، وحتى إنها بادرته بالسؤال عن مساحة بيته الذي سيتزوج به، وبادره أبوها بالسؤال عن راتبه الذي يتقاضاه، ولما سألها عن تصورها لبيتها القادم بادرته بقولها: إنها تتصور بيتا متكامل الخدمات، واسع المساحة، به كفالة الراحة والتقدم، به من الأثاث ما يناسب العصر، وأن تعيش فيه مع زوجها عيشه لا تقل عن عيشه أبيها الغني، وتريد لأبنائها أن يتعلموا في الخارج ولا تريد لأم زوجها علاقة بها إلا في المناسبات وهكذا.

يقول الشاب إنه كان في لحظتها يتلقى الصدمات المتتاليات المتتابعات من كلماتها وكلمات أبويها، ويستمع إلى حديث صاحبة الزينة، راغبًا عنها، كارهًا لكلماتها ,محتقرًا لأهدافها في الحياة، ثم قال ذاك الشاب: الحمد لله الذي بصرني بتلك الفتاة، والحمد لله الذي كشف لي حقيقة تلك الألوان الفجة والزينة الفارغة.

إن البلاد من حولنا مليئة بأمثال تلك الفتيات كثيرات الزخرف قليلات الدين، المتلونات بألوان جاذبة، وهن في حقيقتهن لا يحويهن إلا لون السواد.

إنني أنصح أحبائي من الشباب المؤمن المثقف ألا يغتر بزينة أو زخرف ولا بألوان زاهية، وأن يبحث عن الدين وعن الإيمان في الفتاة التي يريد أن يرتبط بها، وأن يسأل عن أهلها جيدًا وعن بيئتها التي تربت فيها، وتشربت منها، وعن طبائع أمها التي علمتها القيم، لئلا يجد نفسه فجأة قد تورط في ارتباط بفتاة تبدو وكأنها زهرة، لكن حقيقتها أنها زهرة كاذبة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «فاظفر بذات الدين تربت يداك» متفق عليه.

 

خالد رُوشه