ادعم شخصيتك وانهض بنفسك
الثقة بالنفس تعني إيمان الإنسان بأهدافه وقراراته، وبقدراته وإمكاناته -الإيمان بذاته-، ويتصف الواثق من نفسه بعدد من الصفات الجيدة.. أما عديمي الثقة بأنفسهم فإن عملية اتخاذ القرار لديهم من أصعب الأمور عليهم..
الثقة بالنفس تعني إيمان الإنسان بأهدافه وقراراته وبقدراته وإمكاناته -الإيمان بذاته-، ويتصف الواثق من نفسه بعدد من الصفات الجيدة كـ(الإقدام، وعدم التردد، والقدرة على اتخاذ القرار، وتحمل مسؤولياته، والاعتداد بالرأي)، وربما يصل الأمر في بعض الأحيان إلى التصلب فيه، ولا يخاف من النقد، وليس لديه حساسية زائدة تحسب للدقيق جداً من الأمور، بل هو أقل هيبة للناس من غيره، ولا يخشى المكاشفة والمصارحة في الأمور.
أما عديمي الثقة بأنفسهم فإن عملية اتخاذ القرار لديهم من أصعب الأمور عليهم، ليس عجزاً لديهم في الحقيقة وإنما بالدرجة الأولى خوفاً من النقد وخوفاً من الآخرين وخوفاً من الوقوع في الخطأ، ولذلك نجدهم دائماً ما يحرصون على إسناد القرار إلى الآخرين ليكونوا في مأمن من تبعات ذلك، وما يمكن أن يجرهم إليه، عادة ما يستسلموا لرغبات الآخرين دون قناعة، ويكرسوا أنفسهم لخدمتهم، شأنهم شأن (الجندي مجهول) الذي ألف العيش في الظل وفي كنف الآخرين، ومتجنبًا المواجهة أو المقدمة..
هم حساسون بدرجة مفرطة ربما تمنعهم من القيام بالكثير من المهام، الواحد منهم يحتاج إلى مدة زمنية طويلة ليتجاوز خطأ أو مشكلة تمر به، ويبقى أثرها عالقاً في نفسيته مدة ليست بالقصيرة، التردد وضعف الشخصية واضحًا في سلوكياتهم، روح الانهزامية أسبق إليهم من الإقدام والصبر والجلد عند مواجهة الصعاب، لا يستطيعون في بعض الأحيان المكاشفة مع الآخرين، ويصبحون أكثر راحة إذا كانوا بمفردهم أو مع أناس يعرفونهم جيدًا أو يثقون بهم، ويشعرون بالتوتر عندما يكونون مع أناس غرباء لا يعرفونهم، أو عند مقابلة ذوي سلطة، أو عندما يكونون في محط انتباه الآخرين، نفسيتهم كتابًا مغلفًا موصدا لا يعرف مكنونه غيرهم، بعكس الواثقين بأنفسهم الذين هم عبارة عن كتابٍ مفتوح حيث تمكنهم ثقتهم من التواصل الجيد مع الآخرين.
الطريق من هنا:
• اختر شيئاً بسيطاً تريد فعلاً القيام به ونفذه، قم باختيار شيء في العمل أو هواية أو رحلة، أي شيء كان، وتأكد من أنه سيمنحك متعة، وكن مدركًا بأنك عندما تضع هدفًا وتتخذ إجراء، فإنك قد أخذت أول خطوة بعيدًا عن اليأس ونحو الحياة المفعمة بالنشاط، درب نفسك باستمرار على وضع أهداف صغيرة وحققها، فهذا سيعطيك شعورًا بالاستمرارية في الإنجاز، وإحساسًا بالسيطرة على مسار حياتك.
• انتق حلمًا لديك تريده حقًا وتشعر أنه يمكنك تحقيقه، ثم ضع خطة عمل محددة ومعقولة، وخط زمني لإنجازه، خذ الخطوة الأولى في خطة عملك خلال أربع وعشرين ساعة من وضعك لخطتك، إن اليأس هو نتيجة ثانوية لعدم القيام بأي عمل، والعكس صحيح.. لا تقم بعمل شيء مهم فقط، بل قم بعمل أي شيء! أما الشعور بأنك لن تصل أبدًا إلى حيث تريد أن تكون، يمكن أن ينمحي بلحظة، هل لاحظت يومًا أنك عندما تأخذ خطوة نحو تحقيق شيء ما تريده حقًا، فإنك تشعر بأنك على قمة العالم، سواء أكان الانضمام إلى مركز رياضي أو جمعية خيرية، أو مجرد التحرك نحو هدفك، كل ذلك يخلق إحساسًا بالقوة والسلطة، إنه يرسل إلى دماغك رسالة بأنك في الواقع متحكم في حياتك وفي سعادتك ببساطة، تحرك في الاتجاه الذي تريد أن تسير فيه، وستبتعد بشكل طبيعي عن حالة الترهل التي أنت فيها.
• كجزء من خطة عملك، ضمّن الكثير من المكافآت طوال تنفيذك لها.. لا تنتظر لحين الوصول إلى حلمك كي تمنح نفسك الأذن بالشعور بالسعادة، ولكن عندما تصل إلى مرحلة هامة أو إلى موعد نهائي، افعل شيئًا لتحتفل بسعادتك المرحلية، فكلما استمتعت بإنجازاتك، كلما تقهقرت مشاعرك القديمة باليأس أكثر، وفي النهاية تتلاشى أثناء حصولك على خبرات أكثر وأكثر في تكوين أحلامك.
• ضع أهدافًا جديدة، إن خيبة الأمل التي من الممكن أن تشعر بها بعد إنجاز هدف هائل، هي أمرًا طبيعيًا تمامًا إذا لم تضع لنفسك هدفًا جديدًا، وأفضل تطبيق لذلك هو أن تضع أهدافًا جديدة حالما تكون الأهداف القديمة في قبضتك، اسأل نفسك: ما التالي بالنسبة إلي حالما أنجز هدفي الحالي؟ كيف سيتم تطوير مركزي لتحقيق شيء آخر أعظم؟
• عود نفسك على مجابهة المواقف الصعبة، وهذا ما يعرف عند العرب بـ(الاخشوشان)، فالواقع أن أولئك الذين نشئوا في حياتهم وهم في عزلة عن مواقف الحياة الخشنة، قلما يستطيعون تحمل الآم الحياة وأحزانها، فكلما كان الشخص أكثر تعودًا على مجابهة صعاب الحياة، كان بالتالي أكثر قدرة على تحمل آلامها وهضم أحزانها عندما يجد الجد، وعندما تقلب له الحياة ظهر المجن.
• احرص على التواجد مع أصحاب الأحزان ومواساتهم في آلامهم وأحزانهم، فاعتياد تلك المواقف يعطي المرء منعة بإزائها، فإذا ما انخرط هو شخصيًا في موقف حزين، فإن خبراته السابقة في المواقف المتباينة تفيده إلى حد بعيد في مجابهة الموقف المؤلم نفسيًا، ذلك أنك في موقفك من الحزانى تنظر إلى حالتهم بنظرة موضوعية، بينما هم ينظرون إليها من زاوية ذاتية، وعندما يأتي دورك في موقف محزن أو مؤلم، فإنك تجد نفسك قد أعتدت على الموقف الموضوعي الذي سبق لك التلبس به واتخذته مع غيرك.
• عبر عن انفعالاتك التعبير الطبيعي بدون مبالغة ولا قمع لمشاعرك، فمن الخطأ أن يمنع المرء نفسه من التعبير عن أحزانه بالدموع، أو عن آلامه بالأنين، فإعطاء المرء مشاعره فرصة التعبير المعتدل عما يدور بخلده من انفعالات يخفف عنه تلك الآلام والأحزان، أما القمع والكبت فإنه يسبب الحسرة ويطبع علامات الحزن على ملامح الوجه، ومن جهة أخرى فإن تهييج المشاعر أو المبالغة في التعبير عما يعتمل في القلب يشبه عملية إثارة الجلد المتهيج بالهرش والحك الذي يزيد الآكال والتهيج.
• اقرأ في علم النفس، وتفقه في آفاق النفس الإنسانية، وكيف ينفعل الإنسان، وكيف يعبر عن انفعالاته..، فكلما وقفت على حقيقة نفسك كإنسان كنت أكثر قدرة على مجابهة مواقف الحياة الصعبة بما تحمله من آلام وأحزان، ولكن عليك أن تساند قراءاتك في علم النفس بما يتسنى لك اكتشافه عن طريق تأملاتك الشخصية، فعليك بالتأمل لأن ما تستطيع اكتشافه عن ذاتك بالتأمل قد يفوق في الغالب ما تستطيع اكتشافه بقراءة الكتب، فالحكمة في مجابهة مواقف الحياة وهضم أحزانها لا تتأتى بحفظ المعلومات الواردة بالكتب، بل تتأتى من حلم فكرك الشخصي..
اجعل من المادة التي تقرأها في كتب علم النفس نقطة انطلاق لتأملاتك الشخصية، والواقع أن اعتيادك التأمل سوف لا يساعدك على هضم آلام الحياة وأحزانها فحسب، بل يعمل أيضًا على توسيع أفقك وعلى تفتق ذهنك وكشف ما تتضمنه الحياة من أسرار.
خالد سعد النجار
كاتب وباحث مصري متميز
- التصنيف:
- المصدر: