حاجة الناس للعلماء ووحدة الصف الإسلامي

منذ 2014-04-16

الأستاذ الدكتور محمد النشار: الناس فى أمس حاجة إلى العلماء ووحدة الصف الإسلامي هو الطريق للنصر والتمكين....

المسلم: بداية.. هل لنا بتعريف مختصر لمساركم العلمي الكريم؟

* محمد بن فتح الله النشار، نشأت في قرية الشُّبَكِي بمحافظة البحيرة بجمهورية مصر العربية، حفظت القرآن الكريم، والتحقت بالمعهد الأزهري، ثم التحقت بكلية الشريعة والقانون، وحصلت منها على الليسانس في الشريعة والقانون، وكان ترتيبي الأول على الدفعة، بتقدير عام "ممتاز مع مرتبة الشرف" ثم كلفت معيدًا بقسم الفقه المقارن بالكلية، والتحقت بقسم الدراسات العليا بكلية الشريعة والقانون بالقاهرة، وحصلت على درجة التخصص "الماجستير" في عام 1413هـ – 1993م وكان عنوان الرسالة "حق التعويض وموجباته في الفقه الإسلامي والقانون المدني" ثم عينت مدرسًا مساعدًا بكليتي، وواصلت الدراسة فحصلت على درجة العالِمية "الدكتوراه" عام 1418هـ-1998م، وكان عنوان الرسالة "عبء الإثبات، أحكامه وقواعده، دراسة مقارنة بين الفقه الإسلامي وقانون الإثبات المصري" وفي عام 2004م رقيت إلى درجة "أستاذ مساعد" وأنا الآن بصدد التقدم للحصول على درجة الأستاذية بفضل الله.

المسلم: وفيما يخص مؤلفاتكم؟

* لي عدد من البحوث المنشورة: القول الوضاء في أحكام شهادة النساء، أحكام المصافحة في الفقه الإسلامي، الإفصاح عن حكم الكفاءة في النكاح، أحكام الأسهم في الفقه الإسلامي، استئجار الأرحام بين الحظر والإباحة رؤية شرعية في ضوء الفقه الإسلامي، الإجهاض قبل نفخ الروح، الإلمام بحكم مسائل خلافية تقع في المسجد الحرام، إعلام السَّراة بحكم إمامة المرأة في الصلاة، أهم الفروع الفقهية المبنية على قاعدة المعارضة بنقيض المقصود، الوقت وأثره في أعمال الحج.

المسلم: هل كان اختيارك لدراسة العلوم الشرعية رغبة ذاتية لديكم أم كان تمثلًا لنصيحة من شخص تخصونه بالاحترام والتقدير؟

* دراسة العلوم الشرعية وعلى رأسها حفظ كتاب الله سبحانه كانت رغبة الوالد الكريم يرحمه الله فهو من سعى إلى ذلك، وبذا بدأت أولى خطواتي العملية مع الدراسة الشرعية، وبعد أن أتممت دراستي الجامعية في كلية الشريعة والقانون، شاء الله لي أن أخوض غمار الدراسات العليا بعد أن كدت أغير مسار دراسة العلوم الشرعية، وذلك حيث قدمت أوراقي للالتحاق بالقضاء وفي هذه المدة وصلني خطاب من الجامعة بتكليفي معيدًا بها، فكدت أطير فرحًا، وأعرضت صفحًا عن القضاء، الذي لم يكن لي رغبة فيه، على الرغم من معارضة أسرتي -ممثلة في إخوتي- إلا أنني صممت على استلام العمل، والبعد عن القضاء.

وأذكر أنني وزملائي المكلفين لما استلمنا العمل، اجتمع بنا عميد الكلية، وكان وقتها الأستاذ الدكتور سعيد مصيلحي أستاذ أصول الفقه بالكلية، وقال لنا: لماذا اخترتم هذا الطريق، وتركتم طريق الشهرة والمال؟ فقلنا له جميعًا: عن رغبة شخصية، فقال: حسنًا، لقد اخترتم الطريق الأصعب والأفقر، ولكن والحمد لله كان طريق الخير والعلم، وهذه مشيئة الله وقدره {ومَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا} [الإنسان:30].

المسلم: هل قلة الإمكانات والمعاناة تزيد الرغبة في الطلب عند طالب العلم وهل الترف ينقص من تلك الهمة أم لا تلازم بينهما؟

* أرى أنه لا تلازم بين الأمرين، فقد تكون قلة الإمكانات والمعاناة عائقًا لطالب العلم، وقد تكون حافزًا له لمواصلة هذا الطريق، وكذلك الترف، والمؤثر في ذلك هو همة الشخص، والظروف الخارجية المحيطة به، فهذان العاملان هما المؤثر الرئيس في الإعاقة أو المواصلة، وبالنسبة لي شخصيًّا كانت قلة الإمكانات دافعًا وحافزًا لي لمواصلة مشواري العلمي، مع كثرة الصعوبات التي كانت تواجهنا في هذا الوقت، حيث كانت القرى محرومة من أبسط مقومات الحياة، كالكهرباء، والطرق المعبدة... إلخ، ومع هذا كنا نذاكر على المشاعل البدائية، ونقطع المسافات الطويلة سيرًا على الأقدام، رغبة في مواصلة الطريق، وأملًا في تغيير هذا الواقع.

المسلم: هل يمكن للعمل في الخارج مع الاغتراب من إضافة نفع؟ أم أنه سلبي التأثير كما في نظر البعض؟

* السفر إلى الخارج أضاف لي رصيدًا معرفيًّا كبيرًا، فإنه فضلًا عن تدريسي لأمهات كتب الفقه الحنبلي، كالروض المربع وغيره، التقيت بعدد غير قليل من أعضاء هيئة التدريس بجامعة الأزهر والجامعات المصرية والعربية، في كافة التخصصات الشرعية والعلمية، وتم بيننا تنسيق علمي، لاستفادة كل منا من صاحبه، وأثمرت هذه اللقاءات العلمية ثروة لا بأس بها من الرصيد العلمي، وأخص من أهل العلم والفضل الذين التقيتهم: الأستاذ الدكتور/ أسامة كحيل، والأستاذ الدكتور/ محمود عبد الرحمن، في أصول الفقه، والأستاذ الدكتور/ مجدي عبد الغفار في العقيدة، والأستاذ الدكتور/ محمد سبتان في التفسير، والأستاذ الدكتور/ أحمد صلاحية (سوري) في اللغة العربية، وغيرهم كثير.

المسلم: كيف ترون حاجة العالَم إلى العالِم الذي يفهم واقع الناس ويريد أن يصلح من شئونهم بالعلم الشرعي؟

* واقع الناس يشهد بأنهم في أمسِّ الحاجة إلى العالِم الذي يفهم واقعهم، ويعيش همومهم، ويقف على مشاكلهم، ويحاول أن يستنبط من أدلة الشرع ما يحل به هذه المشاكل، حيث إن الشريعة الإسلامية تحمل في ثناياها أسباب السعادة لأي مجتمع، وهذا هو سر صلاحيتها للتطبيق في كل زمان ومكان، والناس في حاجة إلى من يعيش هذا الواقع، وينزل عليه حكم الشرع، بلا تشديد ولا تمييع، وإنما باعتدال ووسطية، وفق منهجية علمية تسير في فلك الشريعة وركابها.

المسلم: وهل يقوم العلماء بواجبهم الآن في نصح الأمة وإعادتها إلى كتاب الله وسنة رسوله؟

* كثير من أهل العلم يقومون الآن بواجبهم في نصح الأمة، وإعادتها إلى دستورها، وذلك عن طريق المنابر، والفضائيات، والشبكة العنكبوتية (الإنترنت)، والأمة الإسلامية لا تخلو من قائم لله بحق، من العلماء العاملين الربانيين، ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، ويدعون من ضل إلى الهدى، ويصبرون منهم على الأذى.

المسلم: وما هي برأيك الملامح الرئيسة للعلماء الربَّانيين؟

* العلماء الربانيون هم العلماء العاملون بعلمهم، الذين يربون الناس بعملهم، فيطابق العملُ العلمَ، فيتعلم الناسُ منهم العلمَ والعملَ جميعًا، وهم العلماء الذين يعيشون واقع الناس، ويعالجون قضاياهم، بفهم سلفنا الصالح، وانصهار في الواقع، ومعايشة له، وقدرة على تنزيل الحكم الشرعي على الوقائع المتجددة، جاء في صحيح البخاري: "وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ {كُونُوا رَبَّانِيِّينَ} حُكَمَاءَ فُقَهَاءَ، وَيُقَالُ الرَّبَّانِيُّ الَّذِي يُرَبِّي النَّاسَ بِصِغَارِ الْعِلْمِ قَبْلَ كِبَارِهِ"، ويقول ابن الأعرابي: "لا يُقال للعالِم ربَّاني حتى يكون عالِمًا معلِّمًا عاملًا".

المسلم: هناك بعض التصورات الخاطئة لبعض المفاهيم كالتمذهب على مذهب فقهي معين، فهم بين المغالاة فيه فجعلوه واجبًا شرعيًّا، وبين الجفاء عنه فجعلوه سببًا من أسباب الفُرقة والتشتت؛ وتزكية للتعصب والخلاف وشرخ وحدةالأمة ما رأي فضيلتكم  في ذلك؟

* التمذهب بمذهب معين ليس من التصورات الخاطئة كما يظن بعضهم، وإنما هو ضبط للنظر الفقهي وفق أصول مذهب من المذاهب المعتبرة، فكل مذهب من المذاهب الفقهية له أصوله التي اعتمد عليها، مع الاتفاق على تقديم الكتاب والسنة المتواترة والإجماع عند الجميع، وإنما حدث الخلاف بعد ذلك في أي الأصول يقدم، فبعضهم يقدم القياس على أحاديث الآحاد، وبعضهم يقدم أحاديث الآحاد عليه، وبعضهم يقدم عمل أهل المدينة، وبعضهم لا يعتبره، وبعضهم لا يعترف بالقياس أصلًا، وهكذا...

فلكل مذهب من المذاهب المتبوعة أصوله التي اعتمد عليها، وأتباع كل مذهب ينتصرون لإمامهم الذي يرون أن أصول مذهبه هي الأقرب إلى الحق، غاية ما هنالك أن هذه المذاهب ابتليت بمن تعصب لها بحق وبغير حق، وهذه آفة التمذهب، لكن المتعصبين من أتباع المذاهب أقل بكثير من المنصفين منهم.

المسلم: كيف تتفاعلون مع الدعوات من قبل العلماء الأجلاء التي تهدف إلى التقريب والتوفيق بين كل الاتجاهات والمذاهب الإسلامية؟ وهل يمكن التعامل بنفس المنهج مع الجماعات العاملة على الساحة الإسلامية لتحقيق وحدة الصف الإسلامي؟

* التقريب بين مذاهب أهل السنة والجماعة مطلب شرعي، بل أرى أنه ضرورة مُلِحَّة في هذا العصر، حيث يرى المنصف أن حال المسلمين الآن لا يحتمل مزيدًا من التفرق والتشرذم، ولكن شريطة ألا يمس هذا التقارب ثوابت العقيدة، فإن أي تقارب بين مذاهب تطعن في ثوابت العقيدة عند أهل السنة والجماعة أمر لا يمكن قبوله أو إقراره، وأرى أن التعامل بنفس المنطق مع الجماعات العاملة على الساحة الإسلامية أمر حتمي؛ لأن الهدف واحد، وهذا ما دعوت إليه كثيرًا.

المسلم: كيف تستفيد الدعوة الإسلامية من التقنية الحديثة كالفضائيات والانترنت، وهل تحققت الفائدة المرجوة من الفضائيات الإسلامية الكثيرة وخاصة في مجال الفقه؟ ومع زيادة وكثرة من يتصدون للإفتاء في تلك القنوات بدون بيان لمذهبهم الفقهي ودرجتهم العلمية وإجازة العلماء لهم؟

* لا يشك منصف أن الاستفادة من وسائل التقنية الحديثة في الدعوة إلى الله، كالفضائيات، والإنترنت وغيرهما كبيرة، ولا شك أن الدعوة الإسلامية يمكن أن تستفيد أكثر من هذه الوسائل لو تم إعداد الكوادر المؤهلة للقيام بدورها في الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة إعدادًا يتناسب مع عظم المسئولية الملقاة على عواتقهم وهناك فوائد لاشك من الفضائيات الإسلامية، لكن ليست الفائدة المرجوة من استخدام هذه الوسائل الحديثة، ولا سيما في مجال الفقه، حيث أرى أن البرامج المخصصة للفقه في الفضائيات ما زالت قليلة وغير مرضية، نظرًا لتصدي من يفتي وبعضهم غير مؤهل لهذا الدور، وهذا لا يعني أن كلهم كذلك، فمنهم أهل الفضل والعلم، ولكن ينبغي ألا يتصدى للفتوى إلا من كان مؤهلًا لها.

المسلم: ما هو تصور فضيلتكم لدور الخطيب الدعوي في الإصلاح؟

* الخطيب دوره عظيم، والمسئولية الملقاة على كاهله كبيرة، فعليه أن يكون متسلحًا بالعلم، وسعة الاطلاع، وعليه أن يكون معايشًا لآمال مجتمعه وآلامه، وبإمكان الخطيب أن يكون عضوًا فاعلًا في المجتمع الذي يخطب فيه، بإثارة الموضوعات والمشكلات التي تشغل بال هذا المجتمع، ومحاولة إيجاد الحلول الشرعية التي يمكن تنزيلها على تلك المشكلات، وأيضًا عليه أن يكون أداة لإصلاح ذات البين، وأن يكون ذا دور إيجابي في مشاركة الناس أفراحهم وأتراحهم.

المسلم: لقد شرفكم الله تعالى بشرف حمل القرآن فما هي نصحيتكم للشباب والناشئة لحفظ القرآن الكريم؟

* أهل القرآن هم أهل الله وخاصته، وحفظ كتاب الله شرف ما بعده شرف، وقد شرفني الله بحمله، وأجزت فيه من فضيلة الشيخ / عبد المحسن البدراوي، برواية حفص عن عاصم، من طريق طيبة النشر لابن الجزري، ونصيحتي للشباب والناشئة أن يجتهدوا في حفظ كتاب الله، وأن يجعلوا هذا غايتهم، وأن يبذلوا في سبيل تحقيق هذه الغاية كل غال ونفيس، فهو أحق ما يبذل فيه الوقت والمال، وأذكرهم بأن من أراد الدنيا فعليه بالقرآن، ومن أراد الآخرة فعليه بالقرآن، ومن أرادهما معًا فعليه بالقرآن.

المسلم: وكيف ترون الأسلوب التربوي الأمثل لتدريس الفقه وعلومه وخاصة لاستثقال بعض طلبة العلم دراسته؟

* دراسة الفقه تحتاج إلى استعداد خاص ممن يريد دراسته، وأنسب أسلوب لدراسته هو التلقي ممن يقوم بتدريسه، شريطة أن يكون الدارس عنده من الصبر والمثابرة ما به يستطيع أن يواجه الصعوبات التي يمكن أن تقابله أثناء دراسته، وأما بالنسبة لتدريسه فينبغي أن يكون من يقوم بالتدريس على علم ودراية بالأسلوب التربوي لتدريس هذه المادة، وأن يبذل كل ما في وسعه لتبسيط المادة وتذليلها أمام طلابه، مما من شأنه أن يرغبهم فيها.

المسلم: ما تود أن تنصحنا به في ختام حديثنا؟

* أوصيكم ونفسي بالإخلاص لله في القول والعمل، ومراقبة المولى جل وعلا، والصبر على المدعوين، وجزاكم الله خيرًا على هذه المقابلة. 


يحيى البوليني