الأساليب الحديثة في مواجهة الإسلام

منذ 2014-04-20

شجع الأعداء على تكوين الفرق الهدامة المنسوبة للإسلام لضرب الإسلام وتشكيك المسلمين في دينهم، ولطلب مساعدة هذه الفرق في محو فكرة الجهاد من الشريعة الإسلامية، وكذلك للترويج لفكرة أن الإسلام لم يعد صالحاً للعصر الحديث.

ما كاد الإسلام يظهر حتى اعتنقه المسلمون حين رأوا فيه طوق النجاة للعالم كله من دمار محقق، ومن هنا انطلقوا ينشرون الخير الذي أكرمهم الله به وأعزهم به بعد ذل، وشكل المسلمون ظاهرة عجيبة، حيث تحول عرب الجزيرة العربية من قبائل متفرقة متناحرة تعيش على هامش التاريخ ولا قيمة لها بين جيرانها من القوى العظمى التي كانت تستعبدها، إلى أمة جديدة غيرت وجه التاريخ وحطمت أمماً وحضارات، وزلزلت عروشاً وتيجاناً، وأقامت حضارةً جديدةً، ووضعت قيماً جديدةً صهرت معادن العرب وصنعت منهم رجال دولة وقادة جيوش ومشرعين وعلماء وفلاسفة وأبطالاً، ولم تكن هذه الفتوحات من أجل دنيا ولا مال ولا أرض ولا سلطان، ولم تكن من أجل سلب أو نهب أو استعمار، وإنما كانت من أجل هدف أسمى وغاية أرقى، فقد كانت من أجل إعلاء كلمة الله في الأرض والقضاء على الطواغيت التي عبّدت الناس لها.

ولقد وقف أعداء الإسلام يتساءلون عن القوة الخفية التي مكنت المسلمين من هذه الانتصارات المتوالية مع أنهم أقل عدداً وعدة في مقابل جيوش متفوقة في العدد والعدة والحضارة والثروة والخبرة وكل أسباب القوة المادية، ثم وصلوا إلى السبب الحقيقي وراء انتصارات المسلمين وهو الإسلام ولاشيء غيره، هذه القوة الهائلة التي انبعثت من أرجاء الجزيرة العربية، وكانت تلك الحقيقة هي الظاهرة العجيبة التي طيرت عقول أعداء الإسلام والتي كانت وراء حُمى الاستشراف والتبشير الذي جمع كل إمكانياته من العلماء والرحالة والرهبان في محاولة دائبة لمعرفة أبعاد هذه القوة الخارقة، حيث قاموا بدراسات متأنية لدراسة هذا الدين ثم وضعوا الخطة اللازمة للقضاء على هذه القوة التي يعتمد عليها المسلمون.

لقد توافقت بعض القوى على معاداة الإسلام على الرغم مما بينهم من العداوات، فتحالفت الصهيونية العالمية التي تمثلها إسرائيل وكل المجامع الماسونية والنوادي اليهودية مثل الروتارى والليونز والبنى بريث والمائدة المستديرة، مع الصليبية العالمية والتي يمثلها الغرب النصراني بزعامة أمريكا وانجلترا والفاتيكان وسائر الكنائس المنتشرة في العالم، وانضمت إليهم الشيوعية الملحدة التي تمثلها روسيا والصين وسائر دول الشرق الشيوعي الملحد، أما عن عداء اليهود والنصارى للإسلام فهو قديم قدم ظهور الإسلام لأسباب معروفة، والتقت معهم الشيوعية الملحدة في العداء من باب إنكار الأديان واعتبارها مجرد خرافة وتخدير لبنى البشر، واتفق الجميع على العمل لزحزحة الإسلام من الطريق فهو الذي يمثل العقبة الكأداء أمام مخططاتهم.

لقد كان أول الأساليب التي استخدمها هؤلاء في مواجهة الإسلام هو أسلوب المواجهة المادية عن طريق الحروب والغزو العسكري، وقد واجهوا الإسلام به ثلاث مرات؛ الأولى مع ظهور الإسلام فكانت معارك تبوك واليرموك والقادسية وأجنادين وفتح مصر والإسكندرية، وكانت المرة الثانية مع نهاية القرن العاشر الميلادي والتي عرفت باسم الحروب الصليبية وفيها رفعوا لواء الصليب للاقتصاص من المصحف على مدى مائتي عام، أما المرة الثالثة فقد كانت مع بداية القرن التاسع عشر الميلادي والتي عرفت باسم الحروب الاستعمارية الحديثة، والملاحظ أن هذا الأسلوب لم يفلح بالصورة التي كان يرجوها الأعداء، بل في كثير من الأحيان كانت المواجهة المباشرة تمثل أحد أسباب صحوة الأمة من غفوتها وسعيها للعودة إلى مكانتها التي كان عليها أسلافها

ومن هنا ركز الأعداء على أسلوب آخر قام على أساس البحث عن سر قوة المسلمين، وأول من طرح هذا التساؤل هو هرقل قيصر الروم الذي أذهلته الهزائم المتوالية لجيوشه على يد المسلمين، فأجابه قائد الجيوش قائلاً: إنهم بشر ولكنهم ليسوا كالبشر، إنهم رهبان بالليل فرسان بالنهار، إنهم يصلون ويصومون ولا يشربون الخمر ولا يزنون، ولو سرق ابن ملكهم لقطعوا يده، وما من أحد إلا ويتمنى أن يموت قبل أخيه، فقال له هرقل: والله إن كانوا كما تقول ليملكُن موضع قدمي هاتين، وتحقق ما توقعه بعد سنوات حيث خرج من سوريا وهو يردد العبارة الشهيرة: "سلام عليك يا سوريا سلاماً لا لقاء بعده"، لقد جسدت كلمات هرقل وقائد جيوشه سر قوة المسلمين المتمثلة في إيمانهم بعقيدتهم وتطبيقهم لشريعتهم واتقاء ما حرم الله، حينئذ لو اجتمعت كل قوى البشر ضد المسلمين ما نالت منهم شيئاً ما داموا قد تغلبوا على هوى نفوسهم والتزموا أوامر الله وانتهوا عن نواهيه.

وبعد تحديد السبب الحقيقي لقوة المسلمين أدرك الأعداء أنه لابد من القضاء على الإسلام كعقيدة وشريعة ونظام ليسهل القضاء على المسلمين كقوة، ومن ثم قرروا تجنيد المبشرين لمحاربة تعاليم الإسلام مع استخدام مسيحيي الشرق في تنفيذ سياسات الغرب، وهذا الأسلوب يفوق أسلوب الغزو العسكري لأنه يجمع بين الخداع والخطورة والبساطة، ومع انطلاق حملات التنصير تحت مسمى التبشير تحددت أهدافها في: القضاء على الإسلام في نفوس المسلمين مع خلق نوع من الهزيمة النفسية بين المسلمين والقضاء على وحدة العالم الإسلامي ومحاولة وقف انتشار الإسلام وتشويه الإسلام في نظر الشعوب الأوروبية.

ولقد كان الاستشراف إحدى هذه الوسائل المستخدمة.. وهو حركة دراسة العلوم والآداب والحضارة والثقافة الإسلامية بهدف معرفة عقلية المسلمين وأفكارهم واتجاههم وأسباب تفوقهم وقوتهم، وذلك بغرض ضرب هذه القوة، مع الاستفادة من علوم المسلمين في الوقت، نفسه ولقد قام الاستشراف بدور فعال في التمهيد للاستعمار النصراني لدول العالم الإسلامي وإخضاعها لنفوذه وسلطانه، ولقد حقق الاستشراف نتائج ملموسة منها: الغزو الفكري الذي أصاب المسلمين في دينهم فحولهم إلى مسوخ آدمية لا تحمل من الإسلام إلا الاسم، حيث قلدوا الغرب النصراني في عاداته وتقاليده وثقافته وقوانينه.

ومن نتائجه أيضاً: تفريخ دعاة التغريب والدعارة الفكرية وهم بعضنا ولدوا في بلادنا ولكن عقولهم وقلوبهم تربت في الغرب ونمت أعوادهم مائلة إليه، ومنها أيضاً بعث الخلافات القديمة وإحياء الشبهات المدفونة ومنها تحويل أنظار المسلمين عن الاتجاهات العلمية التجريبية حتى يظل العالم الإسلامي بعيداً عن أسباب التقدم العلمي، من ذلك أيضاً قتل اللغة العربية ومحاربة الجهاد في سبيل الله.

لقد ظل تمزيق العالم الإسلامي حلماً راود جميع أعدائه، ووجدوا السبيل إلى ذلك عن طريق إثارة النعرات القومية والعرقية، فتنادى الناس إلى دعوى الجاهلية الأولى، وأحلوا القوميات محل الدين، مهدرين بذلك أحد أهم المكاسب إلى تحققت من خلال دعوة الإسلام، فلقد قامت دعوة الإسلام على ترك كل الروابط الجاهلية والاتحاد في أمة واحدة شعارها لا إله إلا الله محمد رسول الله، وقد مثل هذا الرباط العنصر الأساسي في قوة المسلمين وتوحد كلمتهم.

لقد كان القضاء على الخلافة الإسلامية من أولويات الأعداء، فالخلافة جزء من الدين الإسلامي ولا يتم إقامة الدين كاملاً إلا بإقامتها، ولها أهمية كبرى في الإسلام ؛ ففضلاً عن أنها تقوم بحماية الدين والسهر على تنفيذه، فهي تقوم على حماية المسلمين وتوحيد كلمتهم بحيث يتمكنون من الدفاع عن عقيدتهم وأوطانهم، وحتى ينفرط عقد هذه الخلافة فقد ركز الأعداء على إحياء النزعات القومية والعنصرية إلى مزقت الخلافة الإسلامية، إضافة إلى التآمر اليهودي والدس في الخفاء حتى انهارت آخر خلافة للمسلمين.

ولم يكتف أعداء الإسلام بتمزيق المسلمين عن طريق إثارة النعرات القومية، بل حاولوا أن يدخل المسلمون في صراع دائم مع الأقليات النصرانية إلى تعيش في العالم الإسلامي وإلى عاشت طوال مراحل التاريخ الإسلامي متمتعة بحقوقها إلى كفلها لها الإسلام، وهذا ما حدث فعلاً في كثير من دول العالم الإسلامي وعلى رأسها لبنان والحبشة والفلبين ونيجيريا وتشاد وفلسطين ومصر والأردن، كما حاولوا مساعدة الأقليات النصرانية بكل ما يستطيعون من أجل إضعاف المسلمين وزيادة نفوذ النصارى، بحيث تتولى الأقليات النصرانية زمام الحكم والتوجيه في هذه البلاد أو على الأقل يكون لها نصيب وافر من المناصب القيادية فيها.

وحتى تستمر الأمة المسلمة في حالة ضعف، أدرك العدو أنه لابد من الهيمنة على نظم الحكم في العالم الإسلامي عن طريق إعداد طبقة من الموالين لهم من أهل تلك البلاد وتسليمهم مقاليد الحكم في البلاد الإسلامية، ولابد من أن يكونوا من أصحاب الاتجاهات المعادية للإسلام.

ومن أبرز الوسائل الحديثة: التدخل في مناهج التعليم في العالم الإسلامي، بغرض إخراج القرآن والسنة من البرامج التعليمية لتخريج أجيال مضطربة دينياً وعقدياً ترتبط بالغرب أكثر من ارتباطها بالإسلام.

وعن إبعاد الإسلام عن مجال الحياة العامة يتحدث الكاتب عن هذا السلاح الخطير، والذي تم استخدامه عن طريق إحلال القوانين الغربية محل القوانين الإسلامية، وعلى سبيل التمويه والخداع أُطلق على هذه العملية اسم (العلمانية) وتحقق لهم ما أرادوه من فصل الدين عن الدولة، فتمزق الشباب المسلم وتحللت المجتمعات الإسلامية وانتشر الصراع الداخلي بين أبناء الأمة الإسلامية الواحدة.

ولما كانت الأسرة حاضنة الأجيال وصانعة المستقبل، وقد مثلت في التاريخ الإسلامي اليد الأمينة على شريعة الإسلام وبخاصة في ظل غياب باقي عناصر الحراسة الأخرى، فقد وجه العدو جهده الكبير لتشويه صورة هذه الأسرة وتمييع دورها، حتى في تلك الظروف إلى لم يبق للمسلمين من تشريعات دينهم إلا قوانين الأسرة ونظم الزواج والطلاق، إلا أن هذه البقية لم تسلم من التعدي، إذ عدلوا فيها وبدلوا فحاربوا حجاب المرأة المسلمة ودعوا إلى الاختلاط، وهاجموا قوامة الرجل ودعوا إلى تقييد حقه في الطلاق وفي تعدد الزوجات، ومارسوا كل الضغوط لسَنِّ التشريعات إلى من شأنها نشر الإباحية والتحلل الجنسي.

وكان من الطبيعي في وسط حالة الضياع إلى يعيشها العالم الإسلامي، أن يقيض الله لهذه الأمة من يجدد لها دينها، فظهرت الحركات الإسلامية في أماكن مختلفة من العالم الإسلامي، وذلك بهدف إحياء الشعور بالإسلام في نفوس المسلمين، وهذا أكثر ما يخاف منه أعداء الدين وهو تنامى الشعور الديني لدى المسلمين، لهذا سرعان ما تحرك الأعداء للقضاء على أي صورة من هذه التحركات، واستخدموا وسائل متعددة بغرض الوقيعة بين الحركات الإسلامية وبين الحكومات القائمة، ونشأ صراع جديد داخل دويلات الأمة الإسلامية، وكل طرف يشكك في نوايا الطرف الآخر وفي علاقته بالإسلام والسلطة.

وفي مواجهة المد الإسلامي الفكري شجع الأعداء على تكوين الفرق الهدامة المنسوبة للإسلام لضرب الإسلام وتشكيك المسلمين في دينهم، ولطلب مساعدة هذه الفرق في محو فكرة الجهاد من الشريعة الإسلامية، وكذلك للترويج لفكرة أن الإسلام لم يعد صالحاً للعصر الحديث، وليس خافياً أن هذه الفرق تحظى بحماية كاملة من أعداء الإسلام، وأي تصرف ضد أي فرد من هذه الفرق، تقوم الدنيا ولا تقعد من أجله.

 

سعد الدين السيد صالح

المصدر: مجلة التبيان