اصمدي يا حماس ولا تهادني
منذ 2008-01-14
منذ أن ظهرت حركة المقاومة الإسلامية حماس في فلسطين وهي بفضل الله تشكل رقماً صعباً أمام العدو المحتل، والالتزام بالمنهج الإسلامي الجهادي في مقاومة العدو ونجحت أن تجد لها مكاناً كبيراً على خريطة المقاومة
منذ أن ظهرت حركة المقاومة الإسلامية حماس في فلسطين وهي بفضل الله تشكل رقماً صعباً أمام العدو المحتل، والالتزام بالمنهج الإسلامي الجهادي في مقاومة العدو، ونجحت أن تجد لها مكاناً كبيراً على خريطة المقاومة ونهج الجهاد من أجل فلسطين ممّا أزعج كل أعداء الإسلام في الداخل والخارج، فتآمر عليها الأعداء في الخارج والخونة في الداخل ولكنها صمدت وجاهدت ونجحت في عمليات جهادية كثيرة زلزلت كيان العدو الصهيوني بفضل الله {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـكِنَّ اللّهَ رَمَى} [سورة الأنفال: من الآية 17].
ثم توجهت حماس نحو العمل السياسي الذي تخوف من مغبته الكثيرون من أحباب حماس في العالم الإسلامي ولكنها نجحت فيه ولكنه كان نجاح محفوف بالمخاطر، وصدقت التخوفات فما أن شكلت حماس حكومة إلاّ وانهالت عليها سهام الخونة من كل حدب وصوب ولم تقف سهام الخونة عند حدود معينة بل أريقت دماء الفلسطينيين في شبه حرب أهلية فما كان من حماس إلاَّ الصمود وردع الخونة وتلقينهم درساً بليغاً، حتى سيطرت على غزة وهنا تميزت الصفوف بدقة وأعلن الغرب تأييده لأعداء حماس "أبو مازن ودحلان" ومن على شاكلتهم، وللأسف تبع الغرب كثير من الدول العربية وتمت إقالة حكومة حماس في شكل سينمائي هابط لا يمت للقانون بصلة وحوصرت حماس سياسيا تماماً، وحوصرت غزة اقتصادياً ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل سارعت الولايات المتحدة الأمريكية إلى محاولة إنهاء القضية الفلسطينية في مؤتمر "أنا بوليس" الفاشل ثم سارع العدو الصهيوني المحتل بقذف غزة بالصواريخ التي أعطت رزق الشهادة لكثير من شبابها الأطهار!
كانت هذه مقدمة سريعة ومهمة قبل أن نقف مع إشكالية الحديث عن الهدنة المفروضة اليوم إعلامياً على الواقع الفلسطيني، حيث تصاعد في الأيّام الأخيرة زخم إعلامي صهيوني فلسطيني عربي غربي عن الهدنة بين حماس والعدو المحتل، وقد بدأت في خبر ملفت نشرته (جريدة الشرق الأوسط) بتاريخ 20 ديسمبر جاء فيه عدة مفاجآت حيث أقر "طاهر النونو" الناطق باسم حكومة حماس في غزة، بحديث هاتفي بين رئيس الوزراء في غزة "إسماعيل هنية"، ومراسل القناة الثانية في تلفزيون العدو الصهيوني، مؤكداً أنّ الاتصال لم يتضمن أي جديد في موقف حكومته من التهدئة. ولكن "النونو" لفت الانتباه بشدة أنَّ "هنية" قال لمراسل التلفزيون: "أنّ حكومته مع التهدئة المتبادلة، بما يضمن وقف العدوان الصهيوني".
ومن هنا ثارت إشكالية سياسية تناقلها الإعلام حول الهدنة، ومن بدأ بطلبها، وما فحواها، وهل هي كذبة أم حقيقة، ومن وافق عليها ومن اعترض، ومن يبدأ بالهدنة أولاً، وهل حماس ضعفت إلى درجة استجداء الهدنة وهل حماس قوية بعد السيطرة على غزة، وموقف فصائل المقاومة وعن حقيقة اتصال حماس بالعدو الصهيوني!
وكانت سبب بداية هذه الضجة الإعلامية أنّ القناة الثانية في تلفزيون العدو الصهيوني، قد ذكرت بخبث شديد أنّ "هنية" قد اتصل شخصياً بمراسلها في غزة "سليمان الشافعي"، بعد دقائق معدودة من تعرض أحد مراكز شرطة حماس لغارة صهيونية، طالباً توجيه رسالة للعدو الصهيوني المحتل، لبدء حوار معها، من أجل وقف إطلاق الصواريخ من القطاع، باتجاه البلدات والبلدات المغتصبة.
لكن النفي من حماس لبداية الاتصال كان سريعاً لهذا التلميح الخطير الموجه في الصميم نحو استراتيجيَّة حماس سواء من الناحية العقدية أو من الناحية السياسية، حيث ذكر "النونو" أنَّ نجل "هنية" كان يتحدث إلى مراسل تلفزيون العدو الصهيوني "الشافعي" قبل أن يطلب الأخير الحديث إلى "هنية" شخصياً لتهنئته بالعيد.
ولكن تلفزيون العدو الصهيوني نقل تصريحاً مهماً لـ "هنية" وهو قوله: "نريد بقدرتنا وقف إطلاق الصواريخ، لكن الاغتيالات تعيق جهودنا لوقفها"، وبحسب تلفزيون العدو وهو كاذب بالطبع فإنّ "هنية" طلب وقف الاغتيالات لتتمكن حكومته من تحقيق وقف لإطلاق الصواريخ، وأن لا مشكلة لدى "هنية" في مفاوضة إسرائيل في هذا المجال. واعتبر "النونو" أنّ هناك نقلاً غير دقيق وقال إنّ حكومته لن تقبل بالمفاوضات المباشرة مع إسرائيل.
تلفزيون العدو الصهيوني المحتل ذكر أنّ: "هنية أبدى استعداد حركته للتوصل إلى اتفاقية وقف لإطلاق الصواريخ مع حركة الجهاد الإسلامي شريطة وقف الاغتيالات". وقد علق "النونو" وقتها بقوله: "إنّ هذا ممكن مع كل الفصائل، وليس الجهاد فقط، لكن الشرط هو وقف العدوان". وعلقت الجهاد قائلة إنّه: "لا هدنة ولا وقف لإطلاق الصواريخ وإنّه سوف تدرس الموقف بناءً على ما يفعله العدو على الأرض من وقف لعمليات الاغتيال والاعتداءات المتكررة". وتضاربت التحليلات حول ما يفهم ممّا نقله تلفزيون العدو حيت إنّ تلفزيون العدو اعتبر تصريح "هنية" يعكس حجم الضائقة التي تمر بها حماس، جراء إعلان الاحتلال عن البدء بسلسلة عمليات اغتيال تستهدف قادة فصائل المقاومة بغزة، بمن فيهم قادة حماس.
أمَّا "شاؤول موفاز" وزير الجيش الصهيوني السابق وزير المواصلات الحالي، دعا حكومته للشروع في مفاوضات "غير مباشرة" مع حماس، بهدف التوصل إلى اتفاقات سياسية، تفضي أخيراً إلى الهدنة. وقال موفاز لإذاعة الجيش الصهيوني المحتل: "أنا لا أستبعد مفاوضات غير مباشرة مع حماس لوقف إطلاق النار في غزة، ولكنّنا لن نفاوض حماس بشكل مباشر لأنّهم لم يعترفوا بعد بإسرائيل"، وهنا يتضح أنّ الطرفين متفقين على وسيط في الهدنة.
ورغم ذلك فإنَّ "موفاز" يؤمن بوجوب استمرار الاغتيالات في غزة، على أن تكون مكثفة وقوية قائلاً: "من قام لقتلك، فسارع واقتله". وتابع القول: "يجب أن نواصل الهجمات الجوية والاغتيالات مع دراسة أمر الوساطات، لأنّ على حماس أن تعرف أنّها منذ سيطرت على القطاع أصبحت مسؤولة عن جميع عمليات إطلاق الصواريخ من قطاع غزة".
وتوالت ردود العدو المتغطرسة على ما نسب لرئيس الوزراء لحكومة غزة "إسماعيل هنية" من تصريحات، واعتبرها رئيس دولة الاحتلال "شيمعون بيريس" محاولة تعسة من "هنية"، وقال: "إذا توقفت الاعتداءات الصاروخية من قطاع غزة فإنّ إسرائيل ستوقف هي الأخرى عملياتها العسكرية على أي حال وعليه فلا حاجة على الإطلاق إلى أية مفاوضات".
من ناحية أخرى فحماس لم تسكت حيث علق "إسماعيل رضوان" القيادي في حركة حماس قائلاً لوكالة فرانس برس: "إنّ من السابق الحديث عن أي تهدئة أو هدنة في ظل تواصل هذا العدوان الإجرامي ضد أبناء شعبنا الفلسطيني، ولا شك أنّ أي تهدئة أو هدنة لها استحقاقات ولها التزامات". وأضاف: "لا معنى للحديث عن تهدئة أو هدنة في ظل تواصل العدوان الصهيوني بصورته القبيحة ووسائل الإعلام الصهيونية حينما تروج للحديث عن تهدئة أو هدنة إنّما يأتي في سياق التغطية على جرائم العدو الصهيوني في الضفة الغربية وقطاع غزة".
وفي تصريح آخر لـ "إسماعيل رضوان" قيادي حماس حيث صرح للمركز الفلسطيني للإعلام: "إنّ الاحتلال لا يعرف إلاّ لغة المقاومة وموضوع الهدنة يحتاج إلى إجماع وطني من قبل كل الفصائل الفلسطينية".
أمّا "أحمد يوسف" المستشار السياسي لرئيس الوزراء الفلسطيني في غزة "إسماعيل هنية" فقال لفرانس برس: "لم نتقدم إلى الإسرائيليين بهدنة، ولكن هناك أطراف تطرح هذه الفكرة". وأضاف: "نحن من جهتنا لا نمانع الهدنة بشرط أن يرفع الحصار المفروض على الشعب الفلسطيني، ويصبح هناك حرية تنقل من وإلى مصر وأن تنتهي هذه الضغوطات التي لا تتوقف ضد قطاع غزة".
يتضح ممّا سبق الآتي:
1- أنّه يوجد عرض بالهدنة حقيقي لكن من طرف خارجي عن الطرفين.
2- أنَّ حماس نفت بوضوح أنّها تقدمت بهدنة، لكن النفي لم ينفِ وجود مشروع هدنة ولم ينفِ وجودها على أجندة حماس.
3- أنّ العدو الصهيوني يحتاج إلى الهدنة رغم غطرسته وقوته، وأنّ حماس تحتاجها أيضاً من أجل الشعب الفلسطيني وبنيتها التنظيمية.
4- أنّ العدو الصهيوني سارع باللعب الإعلامي بمشروع الهدنة لضرب حماس داخلياً وتشويهها خارجياً.
5- العدو الصهيوني يسعى من خلال مشروع الهدنة إلى إثبات الانقسام السياسي للوضع الفلسطيني للضغط على "أبي مازن" ورفقائه وابتزازهم.
6- العدو الصهيوني يحتاج الهدنة تحت الضغط بالقتل والاغتيالات والاعتداءات للإفراج عن الجندي الصهيوني الأسير، وحماس تريدها لكن بكرامة كي تمتاز بوضع سياسي استراتيجي على مائدة المفاوضات.
7- لا يخفى أنَّ هناك طرف عربي وسيط لكن من الطريف أنّه لا أحد يصرح به، ومن المرجح غالباً أنّه ليس مصر.
8- من خلال تصريحات الطرفين يبدو أنّهما فشلا في اتخاذ أي خطوة في مشروع الهدنة.
9- حماس أدركت بعد "أنا بوليس" أنّها وحدها تماماً سياسياً وأن العرب جميعاً تخلوا عنها تحت الضغوط الأمريكية وليس معها غير الشارع العربي، لذلك كانت جولات "خالد مشعل" العربية فهل لها علاقة بمشروع الهدنة؟؟؟
وأخيراً نضع نقاط هامة لحماس خاصة فهي منّا ونحن منها فنقول:
أولاً: لماذا تضع حماس الهدنة في أجندتها؟ وهي تعلم يقينا أنّ العدو بنص القرآن غادر لا وعد له ولا ميثاق، بخلاف أنّ الواقع على الأرض الفلسطينية يكشف حقيقته التي فضحها القرآن من طبعه الخسيس الذي لا يفي بعهد مطلقاً.
ثانياً: سبق لحماس أن دخلت في هدنة مع العدو المحتل فلم تنل منها غير مزيد من الغدر والقتل والتدمير في الشعب الفلسطيني، وهو درس عملي ينبغي أن تضعه حماس نصب أعينها ولا يغرّنها ما يقال عن أهمية "التكتيك السياسي" فدم المسلم أهم من الأشكال الزائفة للفهم والبراعة السياسية التي ضيعت المقدسات والأرض.
ثالثاً: حماس هي التجربة الوحيدة التي تنتمي فكرياً للإخوان المسلمين وتجاهد وتقاوم، لذلك يتخوف الكثيرون أن تنقلب بسبب الفخاخ السياسية التي يدبرها لها بعض الأنظمة العربية إلى نموذج مشابه لتجربة الحزب الإسلامي في العراق وأفغانستان المنتميان للإخوان المسلمين فكرياً أيضاً، والذين توافقا مع العدو المحتل وأصابا المسلمين في العالم بخيبة أمل شديدة وفقدا كل دعم وألصقت بهما صفة الخيانة، ولكن حماس ثابتة على العهد صامدة وهو الأمل المرجو فيها أن تصمد ولا تهادن ولا تلين في الله، فما انتصرت حماس ولا عرفت طريقها تلك المكانة إلاَّ بالالتزام بالمنهج الإسلامي وبمعونة الله لها، فإن تخلت عنه خابت ووقعت لا قدر الله فيما لا تحمد عقباه، والعدو لا يعرف غير لغة القوة وقوة حماس في تمسكها بدينها وجهادها في سبيل الله ولغة القتل التي يهدد بها العدو نحن نذيقه إيّاها بقوة من عند الله.
رابعاً: بلا شك أنّ حماس تعرضت إلى ضربات قوية في بنيتها التنظيمية سواء على المستوى القيادي أو المستوى التنظيمي العام، والشعب الفلسطيني في غزة يحملها المسئولية عن اقتصاده وصحته، ولكن كما أسلفنا الحسابات دائما للمجاهدين مع الله: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} [سورة الطلاق: من الآيتين 2-3]، فلن يرزق الفلسطينيون غير الله {إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ} [سورة محمد: من الآية 7].
فانصري يا حماس الله واصمدي ضد الصهاينة المحتلين فلن يضيعك الله.
خامساً: لا حرج لحماس أن تسعى للهدنة سواء من الناحية الشرعية أو السياسية ولكن بضوابط بحيث تكون هدنة لا مهادنة، فهي هدنة المقاتل حتى يلتقط أنفاسه ويعيد ترتيب صفوفه، فالمسلمون في كل مكان لن يقبلوا بحماس إلاَّ مرفوعة الرأس قوية مقاومة مجاهدة، ونحن نعلم أنَّ حماس يُكادُ لها من فخاخ اللعب السياسي، وأنَّها في موقف لا تُحسد عليه بين عدوين أحدهما: عدو محتل صهيوني غادر قاتل والآخر: عدو من الداخل خائن شبيه بموقف الأحزاب حين اجتمعت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فنصره الله بفضل ونصر من عنده.
فاصمدي يا حماس ولا تهادني.
المصدر: موقع قاوم
- التصنيف: