من شمائل الرسول صلى الله عليه وسلم (1)
أستعين بالله في كتابة بعضًا من شمائل الرسول صلى الله عليه وسلم، لعلها تكون نبراسًا يهدي بها الله قلوبًا أتعبتها الأيام، وأثقلتها الذنوب والهموم والأحزان، فتنير لها الطريق، وتلين معها القلوب..
بسم الله والصلاة والسلام على الحبيب المصطفى وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد الله الذي منّ علينا بنعمة الإسلام وكفى بها نعمة، والحمد الله الذي جعل محمدًا عليه الصلاة والسلام خاتم الأنبياء والرسل، واللبنة التي أتمت البناء فكان خاتم الأنبياء المُرسل بخاتم الأديان، شرّفَ أمة الإسلام به فهو المبعوث ليتمم مكارم الأخلاق.
أستعين بالله في كتابة بعضًا من شمائل الرسول صلى الله عليه وسلم، لعلها تكون نبراسًا يهدي بها الله قلوبًا أتعبتها الأيام، وأثقلتها الذنوب والهموم والأحزان، فتنير لها الطريق، وتلين معها القلوب..
نبدأ حديثنا عن السيرة العطرة ببعض من محكم آي القرآن العظيم، فرب العزة يقول واصفًا خلقه عليه الصلاة والسلام: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4]، وبعد أن كان العالم يعيش في ظلمات القسوة كان عليه الصلاة والسلام الرحمة المهداة للعالمين يقول تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاك إِلَّا رَحْمَة لِلْعَالَمِينَ} [اللأنبياء:107].
وكان من أرأف الناس وأرحمهم فقال تعالى: {بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} [التوبة:128].
لقد اتصف الحبيب المصطفى بأكمل الأخلاق والصفات، وجمال المظهر والجوهر، فكان وفي كريم صادق أمين، رؤوف رحيم، حنون عطوف، ضحاك بسام، لا لعان ولا شتّام حتى وإن آذاه البشر أجمعين أو افتروا عليه وهاجموه، فهو الرحمة المهداه المصطفى المختار من فوق سبع سموات، اجتباه ربه ورباه.. فأحببت أن أتحدث هنا عن بعض من شمائله عليه الصلاة والسلام وستكون على جزئين:
(1) أصله وخلقه الكريم صلى الله عليه وسلم.
(2) معاملته صلى الله عليه وسلم لأهله وخدمه.
* أصله وخلقه الكريم صلى الله عليه وسلم:
إن سيدنا محمدًا صلى الله عليه وسلم اصطفاه الله على البشر أجمعين، فهو كريم الأصل طاهر المنبت يعود أصله إلى نسل أبو الأنبياء المبعوث بالحنفية السمحة، سيدنا إبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، فهو صلى الله عليه وسلم القائل: «إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشا من كنانة، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم» (صحيح مسلم:2276)، فكان صلى الله عليه وسلم صاحب الأصل العريق الذي لا تشوبه شائبة، فهو -كما ورد في الرحيق المختوم وغيره من الكتب- ابن الذبيحين جده إسماعيل عليه السلام الذي افتداه الله بكبش عظيم، وأباه عبد الله بن عبد المطلب الذي افتداه عبد المطلب بمائة من الإبل.
طهر الله قلبه ورباه فكان ذا خلق كريم، وقد بعثه الله ليتمم مكارم الأخلاق، فهو القائل صلى الله عليه وسلم: «إنما بعثت لأتمم مكارم»، وفي رواية «صالح الأخلاق» (الألباني:السلسلة الصحيحة: 45)، اصطفاه الله ليكون الخاتم المتمم لبناء الأمم، فهو القائل صلى الله عليه وسلم: «إن مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بيتًا فأحسنه وأجمله، إلا موضع لبنة من زاوية، فجعل الناس يطوفون ويعجبون له ويقولون: هلاَّ وُضِعت هذه اللبنة؟ فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين» (صحيح البخاري: 3535).
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "إنَّ اللهَ نظرَ في قلوبِ العبادِ فوجدَ قلبَ محمدٍ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ خيرَ قلوبِ العبادِ فاصطفاهُ لنفسِهِ فابتعثهُ برسالتِهِ، ثم نظرَ في قلوبِ العبادِ بعدَ قلبِ محمدٍ فوجدَ قلوبَ أصحابِهِ خيرَ قلوبِ العبادِ فجعلهم وُزَرَاءَ نبيِّهِ يُقاتلونَ على دِينِهِ" (مسند أحمد:211/ 5).
وهو صلى الله عليه وسلم القدوة الحسنة والأسوة العظمى، الذي حثنا على حسن الأخلاق، والتخلق بالصفات الحميدة بالقول والفعل والعمل، ففي كثير من الأحاديث حثنا فيها على التخلق بالأخلاق الحميدة ومنها:
«إن أحبكم إلي وأقربكم مني في الآخرة مجالس أحاسنكم أخلاقًا، و إن أبغضكم إلي وأبعدكم مني في الآخرة أسوؤكم أخلاقًا، الثرثارون المتفيهقون المتشدقون» (صحيح الجامع:1535)، وقوله صلى الله عليه وسلم: «إن خياركم أحاسنكم أخلاقا» (صحيح البخاري:6035)، فالأخيار هم الأحسن أخلاقًا ومن أراد أن يكون قريب من الحبيب في الآخرة، ويكون بالقرب منه في مجلسه هو من تخلق بالأخلاق الحسنة.
ومن كريم خلقه صلى الله عليه وسلم رحمته بالصغير وإكرامه للكبير فقال: «ليس منا من لم يجل كبيرنا، ويرحم صغيرنا! و يعرف لعالمنا حقه» (الألباني:صحيح الجامع:5443)، وهذا يعني أن من لم يكون رؤوف رحيم بالصغير ومُجل وموقر للكبير ويحترم العلم والعلماء فهو ليس من المسلمين وقد خرج من الفطرة النبوية.
ومن كريم خلقه إحسانه بالمرأة والضعيف، والحث على معاملتها برفق، لقوله صلى الله عليه وسلم: «خيرُكم خيرُكم لأَهلِه وأنا خيرُكُم لأَهلي ما أكرمَ النِّساءَ إلَّا كريمٌ ولا أهانَهُنَّ إلا لئيمٌ» (السيوطي في الجامع الصغير:4102)، ومن حسن خلقه أمره بإكرام الضيف، والإحسان إلى الجار وعدم إيذاءه، وعدم التفوه إلا بالخير من الكلام لقوله صلى الله عليه وسلم: «من كانَ يؤمِنُ باللَّهِ واليومِ الآخِرِ فلا يؤذِ جارَه، ومن كانَ يؤمِنُ باللَّهِ واليومِ الآخرِ فليُكرِمْ ضيفَه، ومن كانَ يؤمنُ باللَّهِ واليومِ الآخرِ فليقُلْ خيرًا أو ليصمُتْ» (صحيح البخاري: 6018).
وكان صلى الله عليه وسلم من أوفى الناس، وحث المسلمين على الوفاء وعدم الخيانه، فهو الصادق الأمين الوفي، لقوله صلى الله عليه وسلم: «أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك» (صحيح الترمذي:1264)، والجميع يعلم ما لاقاه عليه الصلاة والسلام من إيذاء قريش له ومع ذلك ترك الأمانات التي كانت عنده لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه ليردها لأصحابها عندما أمره الله بالهجرة، والكثير الكثير من الأحاديث التي تدل على تربيته صلى الله عليه وسلم للأمة، وحثها على الأخلاق الحميدة فهي اللبنة الأساسية في بناء الأمم:
إنما الأمم الأخلاق ما بقيت *** فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا
نتابع الحديث عن خير البرية عليه الصلاة والسلام في الجزء الثاني بعون الله، وسيكون عن (معاملته صلى الله عليه وسلم لأهله وخدمه).
أم سارة
كاتبة إسلامية من فريق عمل موقع طريق الإسلام
- التصنيف:
- المصدر: