وجئتكم من غزة بنبأ يقين
منذ 2008-02-19
أما إن شاهدت فيلا أو بيتاً كبيراً فمباشرة ستعلم أنه بيت أحد رموز السلطة البائدة ويمكنك التأكد بمجرد سؤال أي طفل يمشي هناك، وأما إن سألت عن منزل الياسين أو هنية أو غيره من قادة المقاومة فيلزمك أن تذهب إلى مخيمات اللاجئين وتدخل الأزقة حتى تصل إليه، إن
سلك شائك وآخر الكتروني وكهربائي،
وإنذار وشارع للدوريات يليه سلك شائك، وبين هذه الحواجز نقاط وأبراج
تكشف عن أي تحرك، مجهزة بأحدث الأجهزة والكاميرات الليلية، وإن حصل أي
اختراق في الليل فإن القنابل الضوئية كفيلة بتحويل الظلام إلى نهار،
أما الأسلحة الفتاكة التي بحوزة الصهاينة فطالما قتلت الأبرياء لمجرد
الشك، أو التحرك بجوار تلك الحدود، وطالت في أحيان كثيرة جنوداً في
الجانب المصري من الحدود، وكلما تطورت المقاومة تطورت الجدر لتضاف لها
الجدر الأسمنتية والحديدية وتصبح طريق الدوريات طريقاً للدبابات،
بالإضافة لعمليات هدم لكل البيوت المجاورة للحدود، وإطلاق الرصاص
اليومي عليها حتى غدت كأنها غربال، لا تسل عن حياة السكان ولا عن
لحظات الرعب اليومية، ولا عمن سقط من الأحبة أو أصيب بإعاقة مدى
الحياة أو غيرها من الآلام والجراح.
الأسطر الماضية ليست كافية لبيان حجم المأساة على الشريط الحدودي بين مصر وقطاع غزة، كانت بداية المأساة لأهالي قطاع غزة عندما احتل الصهاينة كلا من قطاع غزة وشبه جزيرة سيناء المصرية عام 1967م ولم يكن يفصل بين رفح المصرية والفلسطينية أي حدود، وتشكلت علاقات اجتماعية كبيرة بين سكان رفح المصرية والفلسطينية. وبعد توقيع اتفاق كامب ديفيد عام 1978م جاءت تلك الاتفاقية -كعادة الاتفاقات مع الصهاينة- بمصائب وكوارث على مختلف الأصعدة سواءً على مصر أو على فلسطين والعالم الإسلامي، وبعد أن تم تنفيذ الشق الخاص برسم الحدود فصلت رفح المصرية عن رفح الفلسطينية، وتم تشتيت العائلات وفصلهم بعضهم عن بعض، ما أدى إلى خلق كارثة إنسانية وخاصة بعد أن تحكم الصهاينة بالحدود وفقاً للصورة المذكورة.
ويقابل تلك الصورة المؤلمة صفحات مشرقة من البطولات كانت السبب في انسحاب الاحتلال وتفكيك مواقعه عام 2005م.
رجاءً أيها القارئ الكريم لا تذكرني بالدوريات المشتركة مع السلطة البائدة ولا عمليات الكشف عن الأنفاق التي يدخل من خلالها السلاح للمقاومة، في مقابل غض الطرف عن أنفاق تهريب المخدرات إذ كانت لتلك الأجهزة حصة منها.
آه من تلك الصفحات السوداء، ها هي الجدر تنهار ولو مؤقتاً، ولكنها -ولله الحمد- لم تعد صالحة لاستخدامها في القتل والتدمير والاجتياح من جديد.
المعبر الذي كان يتحكم فيه الصهاينة والأوروبيون من بعدهم، يصبح بلا قيمة فقد فتحت الحدود، وغدا التنقل بكل حرية بين قطاع غزة ومصر بل يدخل إليها من لم يدخل فلسطين من قبل ومن كان الأمر بالنسبة إليه حلماً بعيد المنال.
لا تسل عن مشاعرهم وقد التقوا بأقاربهم وإخوانهم على أرض مصر الكنانة وعلى أرض فلسطين المباركة، فالروابط بين الشعوب المسلمة أقوى بكثير وأكبر وأعظم من أن تشوهها أقلام ووسائل إعلام مشبوهة، قال تعالى: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: 92]، فلا يمكن لجدار أو سلك شائك بناه العدو أن يقطع الصلات بين أبناء الأمة الواحدة.
لقد غدت تلك المحلات والبضائع المحدودة في سيناء متنفساً كبيراً لهم، ومع تلك المشاعر الجياشة من قبل البعض من فتح للمطاعم بالمجان، وعلاج بالمجان، إلى صور من الجشع والاستغلال ورفع للأسعار ولا عجب فإننا نشاهدها حتى في موسم الحج.
ولك أن تتخيل أن "أسطوانة الغاز" تباع في سيناء بثلاثة جنيهات، بينما تصدر السلطات المصرية الغاز والوقود للصهاينة لتباع تلك "الأسطوانة" في غزة بستون جنيهاً، لا بل إن الصهاينة يمنعونه عن غزة اليوم، هلا باعته السلطات المصرية إلى إخواننا بغزة مباشرة!
بمجرد أن تطأ أرضك ثرى تلك البقاع فاعلم أن الخوف قد دفن على حدودها، وستحدثك الجدران والشوارع والأزقة والشجر والحجر عن البطولات والتضحيات، كل شيء ينطق ويعبر وهو صامت، انظر إلى تلك البيوت وقد خرقها الرصاص في كل زاوية وحجر، وانظر إلى ركام البيوت التي هدمت، وانظر إلى نعي الشهداء الأبطال على الجداران، وإلى بقايا الحجارة التي كانوا يتترسون بها للتصدي للاجتياحات، وانظر إلى الأعلام الخضراء التي ترفرف وتخفق بالعزة والكرامة، وإلى الأعلام الصفراء التي ترفرف وتفضح زمرة رام الله التي ألزمت الناس برفعها لئلا تقطع عنهم الرواتب، انظر إلى المساجد وقد امتلأت بالمصلين، انظر إلى حلقات تحفيظ القرآن الكريم، وانظر إلى الأنشطة الثقافية والتربوية، انظر إلى الأطفال وقد أصبح لعبهم تدريباً على القتال في الطرقات، انظر لهم وهم يرددون عبارات رئيس وزرائهم إسماعيل هنية: "لن نعترف بإسرائيل".
الأسطر الماضية ليست كافية لبيان حجم المأساة على الشريط الحدودي بين مصر وقطاع غزة، كانت بداية المأساة لأهالي قطاع غزة عندما احتل الصهاينة كلا من قطاع غزة وشبه جزيرة سيناء المصرية عام 1967م ولم يكن يفصل بين رفح المصرية والفلسطينية أي حدود، وتشكلت علاقات اجتماعية كبيرة بين سكان رفح المصرية والفلسطينية. وبعد توقيع اتفاق كامب ديفيد عام 1978م جاءت تلك الاتفاقية -كعادة الاتفاقات مع الصهاينة- بمصائب وكوارث على مختلف الأصعدة سواءً على مصر أو على فلسطين والعالم الإسلامي، وبعد أن تم تنفيذ الشق الخاص برسم الحدود فصلت رفح المصرية عن رفح الفلسطينية، وتم تشتيت العائلات وفصلهم بعضهم عن بعض، ما أدى إلى خلق كارثة إنسانية وخاصة بعد أن تحكم الصهاينة بالحدود وفقاً للصورة المذكورة.
ويقابل تلك الصورة المؤلمة صفحات مشرقة من البطولات كانت السبب في انسحاب الاحتلال وتفكيك مواقعه عام 2005م.
رجاءً أيها القارئ الكريم لا تذكرني بالدوريات المشتركة مع السلطة البائدة ولا عمليات الكشف عن الأنفاق التي يدخل من خلالها السلاح للمقاومة، في مقابل غض الطرف عن أنفاق تهريب المخدرات إذ كانت لتلك الأجهزة حصة منها.
آه من تلك الصفحات السوداء، ها هي الجدر تنهار ولو مؤقتاً، ولكنها -ولله الحمد- لم تعد صالحة لاستخدامها في القتل والتدمير والاجتياح من جديد.
المعبر الذي كان يتحكم فيه الصهاينة والأوروبيون من بعدهم، يصبح بلا قيمة فقد فتحت الحدود، وغدا التنقل بكل حرية بين قطاع غزة ومصر بل يدخل إليها من لم يدخل فلسطين من قبل ومن كان الأمر بالنسبة إليه حلماً بعيد المنال.
لا تسل عن مشاعرهم وقد التقوا بأقاربهم وإخوانهم على أرض مصر الكنانة وعلى أرض فلسطين المباركة، فالروابط بين الشعوب المسلمة أقوى بكثير وأكبر وأعظم من أن تشوهها أقلام ووسائل إعلام مشبوهة، قال تعالى: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: 92]، فلا يمكن لجدار أو سلك شائك بناه العدو أن يقطع الصلات بين أبناء الأمة الواحدة.
لقد غدت تلك المحلات والبضائع المحدودة في سيناء متنفساً كبيراً لهم، ومع تلك المشاعر الجياشة من قبل البعض من فتح للمطاعم بالمجان، وعلاج بالمجان، إلى صور من الجشع والاستغلال ورفع للأسعار ولا عجب فإننا نشاهدها حتى في موسم الحج.
ولك أن تتخيل أن "أسطوانة الغاز" تباع في سيناء بثلاثة جنيهات، بينما تصدر السلطات المصرية الغاز والوقود للصهاينة لتباع تلك "الأسطوانة" في غزة بستون جنيهاً، لا بل إن الصهاينة يمنعونه عن غزة اليوم، هلا باعته السلطات المصرية إلى إخواننا بغزة مباشرة!
بمجرد أن تطأ أرضك ثرى تلك البقاع فاعلم أن الخوف قد دفن على حدودها، وستحدثك الجدران والشوارع والأزقة والشجر والحجر عن البطولات والتضحيات، كل شيء ينطق ويعبر وهو صامت، انظر إلى تلك البيوت وقد خرقها الرصاص في كل زاوية وحجر، وانظر إلى ركام البيوت التي هدمت، وانظر إلى نعي الشهداء الأبطال على الجداران، وإلى بقايا الحجارة التي كانوا يتترسون بها للتصدي للاجتياحات، وانظر إلى الأعلام الخضراء التي ترفرف وتخفق بالعزة والكرامة، وإلى الأعلام الصفراء التي ترفرف وتفضح زمرة رام الله التي ألزمت الناس برفعها لئلا تقطع عنهم الرواتب، انظر إلى المساجد وقد امتلأت بالمصلين، انظر إلى حلقات تحفيظ القرآن الكريم، وانظر إلى الأنشطة الثقافية والتربوية، انظر إلى الأطفال وقد أصبح لعبهم تدريباً على القتال في الطرقات، انظر لهم وهم يرددون عبارات رئيس وزرائهم إسماعيل هنية: "لن نعترف بإسرائيل".
في كل زاوية قصة، وفي كل بيت شهيد أو جريح أو أسير، في كل بيت يتيم أو أرملة أو مسكين، ربما فقدوا الكثير من مظاهر الحياة التي نحرص عليها ولا يمكننا العيش بدونها، إلا أنهم ملكوا الدنيا كلها، فقد أسروا هواهم وأصروا على البقاء في أرض الأنبياء رغم كل الصعاب، رغم القتل والتدمير والحصار، ملكوا العزة والكرامة والبطولة والشجاعة والثبات والإقدام والتضحية في سبيل دين الله.
أما في الليل فما هنالك أروع أو أعظم من مشهد المرابطين وهم واقفون في حلكة الظلام ممتشقين السلاح متربصين بالعدو وأعوانه، تاركين لذة النوم ودفء الفراش، ولا تسل عن أمهاتهم أو زوجاتهم وهن يجهزن للمرابط السلاح ويودعنه، فإن عاد سالماً فسيذهب في الصباح إلى عمله طبيباً كان أم مدرساً أم موظفاً.
أما إن ذهبت إلى بيت العزاء فكن حذراً من ردة فعل ذوي الشهيد إن عزيتهم، فسرعان ما علا صوت والد الشهيد وهو يقول لأحد المعزين: "لا تعزي الحمد لله هذه كرامات من الله.. مَن مِن الناس اثنان من أبنائه شهداء؟ الحمد لله.. هذه كرامات يا بني كرامات.."
وإن شئت السؤال عمن تغتالهم طائرات العدو فسيخبرك رفاقهم بأن الشهيد فلان لم يكن يوماً نشيطاً مثل يوم استشهاده، وأما تلاميذه فلا يزالون يذكرونه وهو يمر بين أزقة المخيم عند أذان الفجر ليوقظهم لصلاة الفجر، فكانت الثمار قادة مباركين في أرض مباركة.
أما البرد القارس أو تحليق الطائرات الصهيونية فلا يزيدهم إلا قوة، ورؤية دماء إخوانهم وقادتهم تزيدهم إصراراً فقد رأوا من الكرامة على سيماهم ووجوههم ومحياهم ما يدفعهم دفعاً إلى المضي في هذا الطريق.
أما إن شاهدت فيلا أو بيتاً كبيراً فمباشرة ستعلم أنه بيت أحد رموز السلطة البائدة ويمكنك التأكد بمجرد سؤال أي طفل يمشي هناك، وأما إن سألت عن منزل الياسين أو هنية أو غيره من قادة المقاومة فيلزمك أن تذهب إلى مخيمات اللاجئين وتدخل الأزقة حتى تصل إليه، إن تلك المعاني والمشاهد اليومية التي يراها أهل غزة لا يمكن تغطيتها بالأكاذيب، فالشمس لا تغطى بالغربال، وغزة فيها اليقين.
ومع كل تلك المآسي فصور الثبات عجيبة، إن من أسرار ثبات إخواننا ما يرونه من أحداث يومية لا تنقل لنا ولا نسمع عنها، لعلي أكتفي بذكر إحداها، مبنى للشرطة كان مقراً للسلطة السابقة يقابله مبنى منهار بالسؤال عنه سيجيبك الجميع بأنه كان مقراً للقوة التنفيذية فقصفته طائرات الاحتلال بينما لم تطلق رصاصة واحدة على مبنى الشرطة الذي يقابله ويفصل بينهما خمسة أمتار فقط، أما نتيجة القصف فهي شهيدان فقط، والسبب أن الصاروخ الأول لم ينفجر فكان رسالة إنذار للمجاهدين، أما الثاني ففجر السور الخلفي ففتح مخرجاً لهم هربوا من خلاله للمزرعة الواقعة خلف المبنى، أما الثالث والرابع فقضى على كل ما تبقى من المبنى، لتكون الحصيلة نجاة أكثر من ستين من رجال التنفيذية وقادتها، أرأيتم كيف أنها تتحدث في كل زاوية من زوايا بقصة تزيدك إيماناً ويقيناً وسكينة وثباتاً.
أما إن أردت المزيد فعليك زيارتها فمهما نُقل لنا من أحاديث وقصص وأخبار سيبقى قول رسولنا صلى الله عليه وسلم واضحاً حين قال: «الشَّاهِدُ يَرَى مَا لَا يَرَى الْغَائِبُ» [أخرجه الإمام أحمد، وصححه الألباني].
ولأن الأصل أصبح في زماننا استثناءً، ومحاولة لإعادة إغلاق الحدود من جديد فقد منعت السلطات دخول البضائع من جسر السلام إلى سيناء، ومنعت أصحاب المحلات في المدن المصرية من فتحها، حتى غدا الحصار على قطاع غزة وشمال سيناء.
وفي الختام ينبغي أن نتذكر ونذكر بأن الحصار ما زال قائماً وأن التبضع من سيناء لمدة أيام لا يكفي لكسر الحصار، وأن على الأمة كلها حكاماً ومحكومين السعي بكل الوسائل والطرق لفك الحصار وإنهاء معاناة إخواننا في قطاع غزة بشكل نهائي، ولنعلم أنهم يقفون في الخندق الأول دفاعاً عن الأمة جميعاً، فعلينا أن نشد على أيديهم ونقويهم لا أن نكسر أقدامهم!
قال تعالى: {هَا أَنْتُمْ هَؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} [محمد: 38].
الرسالة:
بقلم/ زياد آل سليمان
- التصنيف: