مصر وحماس وأهالي غزة

منذ 2008-03-06

لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تصبح ذريعة للانتقام من غزة، يجب أن نقف مع حماس في هذا الظرف، وألا ننفذ المخطط الأمريكي بشأن تصفيتها، لأنها أولاً حركة تحرر وطني، وقوة مقاومة


منذ أن تدفقت الحشود الفلسطينية من بوابة رفح، أو بعض الثغرات والفجوات التي أحدثها الفلسطينيون في الحدود بين مصر وغزة، فإن التحليلات لا تنقطع عن هذا الموضوع، وكلٌّ يغنِّي على ليلاه.

هناك البعض في مصر والدول العربية -وبالمناسبة فهم ليسوا من الحكومات فقط أو المرتبطين بالحكومات- استغلوا المناسبة، فراحوا يتحدثون عن أن ذلك نوع من انتهاك السيادة المصرية، وبديهي أن الأمر ليس فيه أي انتهاك للسيادة؛ لأن الجوعى والمرضى والمجاهدين لا يمكن بحال من الأحوال أن يفكروا في انتهاك سيادة أحد.

وخاصة مصر الشقيقة الكبرى للفلسطينيين عمومًا وأهالي غزة خصوصًا.

ولما لم يكن هذا المنطق مقبولاً، راح هؤلاء أنفسهم يتحدثون عن خطورة حماس، وأن اجتياح الحدود جاء بناء عن خطة مسبقة مع سبق الإصرار من حماس في إطار ما يسمى بالتنظيم الدولي للإخوان المسلمين، وأن ذلك نوع من الدعم والخطورة لقوة الإخوان المسلمين في مصر، الذين هم بالفعل يشكِّلون القوة الأكبر في الشارع المصري، أو البديل الوحيد الممكن للنظام المصري، بل وصل الأمر إلى حد القول بأن خالد مشعل هو المرشد العام للإخوان المسلمين في مصر وفلسطين، وأن عملية الاجتياح جاءت بناء على خطة بين إخوان مصر وحماس «إخوان فلسطين وغزة»، وأن الأمر أخطر من أن يتم السكوت عليه.

وبديهي أيضًا أن هذا كلام لا دليل عليه، بل ينافي المنطق -أي منطق- وأن حماس ليست ساذجة للتورط في مثل هذا الأمر.

فضلاً عن أن الإخوان المسلمين في مصر، تركوا منذ زمن طويل قصة الثورة على النظام، أو الانقلاب عليه مدنيًّا أو عسكريًّا.

وكل ما في الأمر أنهم يرغبون في الوصول إلى السلطة عن طريق صندوق الانتخابات فقط لا غير، وبصرف النظر عن إمكانية ذلك من عدمه، أو تخلي الإخوان المسلمين عن كثير من الثوابت الدينية والقومية والوطنية، تحقيقًا لهذا الأمر، لدرجة أنهم أحيانًا يغازلون الأمريكان، ويغازلون العلمانيين، ويغازلون إسرائيل ذاتها -أو على الأقل فهذه التُّهَم منسوبة لهم بصورة أو بأخرى ليس من فراغ، بل هناك بالفعل ما يشير إلى ذلك، تصريح الدكتور عصام العريان مثلاً- وهو بمثابة رئيس المكتب السياسي لجماعة الإخوان حول إمكانية الاعتراف بإسرائيل، وهو التصريح الذي أثار لغطًا كبيرًا في حينه عندما نُشر في جريدة الحياة اللندنية منذ عدة شهور !!

واستمرارًا في تلك الحملة، فإن هناك بالفعل أخطاء تمت بين عدد من الفلسطينيين.

وهذا أمر بديهي وطبيعي جدًّا، فلن يتصرف 750 ألف مواطن عبروا الحدود بسبب الجوع والمرض والحصار على مستوى واحد، فمنهم من سوف يسرق أو يستخدم نقودًا مزيفة، أو يستفز أجهزة الأمن، أو يستغل الظرف لأهداف إجرامية كالتهريب مثلاً، أو يحاول دخول باقي الأراضي المصرية لأي سبب، ومن ثم مخالفة التعليمات أو غيرها.

وهذا لا يسيء إلى المجموع، ولكن كل من فعل جريمة أو مخالفة يسيء إلى نفسه فقط، ولا يمكننا أن نحمل كل الفلسطينيين الذين عبروا مسئولية المخالفين. وكذا لا يمكن تحميل كل الشعب الفلسطيني مسئولية هؤلاء -استغل البعض الأمر وتحدث عن انحطاط أخلاقي فلسطيني عام- ولا حتى يمكن تحميل الأمر لحماس؛ لأن اندفاع الجموع أكبر من طاقة أي حكومة أو شرطة على ضبط الأمر تمامًا.

وهكذا فإن الهدف المعلن والخفي لتلك الحملة كان الوقيعة بين مصر وفلسطين، وهو أمر غبي يضر الأمن القومي المصري من ناحية، ولا يتناسب مع طبيعة العلاقات بين الشعبين من ناحية ثانية، ولا يتناسب حتى مع الأخلاق التقليدية لمصر حكومة وشعبًا، ومن الضروري أن نُشيد هنا بالقرار المصري بفتح الحدود، حتى ولو كان ذلك نوع من الاضطرار؛ لأنه لو ركب النظام المصري رأسه في الموضوع لكانت مذبحة مروعة !!

على الجانب الآخر، فإن هناك حملة أخرى بعضها صحيح وأهدافها مريبة، تتحدث عن أن هناك خطة إسرائيلية أمريكية لتوطين أهالي غزة في سيناء.

ويستند هؤلاء القائلين بذلك إلى استنادات هي بالفعل صحيحة، مثل القول بأن تلك الخطة قديمة قال بها بن جوريون، وأنها منشورة في عدد من الصحف الأمريكية والإسرائيلية.. أو أن عمرها يرجع إلى ما قبل 1967م بقرار من مجلس الوزراء الإسرائيلي.

وكل هذا صحيح، وأكثر منه نقوله نحن، وهو أن معدل زيادة السكان الفلسطينيين تعادل ستة أضعاف زيادة الإسرائيليين، ومن ثم فإن الانفجار الديموجرافي حادث لا محالة، وهو يشكل خطرًا ماحقًا على مستقبل إسرائيل، وبديهي أن إسرائيل تفكر في حل؛ لأنها تريد طرد عدد من الفلسطينيين «الذين يعيشون داخل حدود 1948م»، وكذا فإن من الواضح أن إسرائيل تزيد من مستوطناتها في القدس والضفة، ومن ثم فإن الحديث عن دولة فلسطينية في غزة والضفة لن يصبح مقبول عمليًّا، فبعد أن تقتطع إسرائيل ما تريد من الأراضي، فإن ما يتبقى سيكون ضيقًا جدًّا، ولا بد من نوع من التنفيس، وإلا حدث انفجار باتجاه إسرائيل، وأفضل نوع من التنفيس هنا يكون باتجاه سيناء إذا أخذنا تلك الحقائق مأخذ الجد، فإن المعنى الحقيقي والصحيح هو أن تقوم مصر بتعمير وتسكين سيناء بالمصريين وإعطائها أولوية في ذلك.

الأمر الثاني: ألا ندع الأمور تسير بشكل تلقائي نحو الانفجار، فليس من الممكن عمليًّا الاستمرار في حصار الشعب الفلسطيني في غزة ولا يحدث انفجار، ولا يمكن استمرار غلق المعابر في وجوه هؤلاء يجوعون ويموتون ويمرضون وتظلم حياتهم، ثم لا نتوقع أن تصبح غزة مرتعًا خصبًا لأسوأ أنواع التطرف والإرهاب ستكون حماس النسبة له نوع من الملائكة !!

لا بد من بحث عن حل عملي للمشكلة

فتح الحدود بنظام.

السماح بدخول أغذية وأدوات طبية ووقود.

سواء أراد الإسرائيليون والأمريكيون ذلك أم لم يريدوا.

الضغط بجدية على أمريكا وإسرائيل لوقف عمليات الحصار والعقاب الجماعي.

إعطاء الفلسطينيين نوع من الأمل، وقف عمليات التحريض بداعٍ أو بدون داع ضد أهالي غزة.

إجراء صلح سريع بين حماس وفتح، وإيصال رسالة واضحة للأمريكيين والإسرائيليين ولأبي مازن شخصيًّا ورجاله في الضفة، بأن استهداف حماس بهذه الطريقة لن يحل المشكلة، فهو إما أن يؤدي إلى تقوية حماس، أو زيادة تطرفها، أو يؤدي إلى انهيار الأمور تمامًا في غزة، وحينذاك لن تستطيع فتح ولا حماس ولا أمريكا ولا إسرائيل، ولا كائنًا من كان أن يوقف نمو أسوأ أنواع الإرهاب والتطرف في غزة بل في المنطقة كلها.

من المؤسف أن أهالي غزة هم الذين يدفعون الثمن، وهم محاصرون بين الحكومة المصرية، وإسرائيل، والسلطة الفلسطينية، وهم أيضًا يتعرضون لتحريض أمريكي مستمر عليهم، لدرجة أن جورج بوش شخصيًّا في خطاب حالة الاتحاد دعا إلى المزيد من حصار غزة حتى يندفع أهلها للتخلص من حماس، وهو أسلوب يدل على مدى سذاجة جورج بوش، ولكنه الواقع !!

وكذا فإن أهالي غزة يعانون من بعض تصرفات حماس التي لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تصبح ذريعة للانتقام من غزة، يجب أن نقف مع حماس في هذا الظرف، وألا ننفذ المخطط الأمريكي بشأن تصفيتها، لأنها أولاً حركة تحرر وطني، وقوة مقاومة والزهار مثلاً استُشهد له ولدان في حين أن ابن «أبو مازن» يستخدم نفوذ أبيه في الحصول على مكاسب تجارية، ولكن أيضًا مهما كان الرأي في حماس، فإن ذلك ينبغي ألا يصبح ذريعة لحصار غزة والانتقام من أهلها.

ومن الضروري في المقابل أن تتفهم حماس الهواجس الحكومية المصرية بشأن العلاقة مع الإخوان المسلمين في مصر، وأن تُطَمْئِن حماسُ مصر بأنها لا تنوي أن تكون ورقة في هذا الإطار، وأنها وإن كانت من أصول إخوانية، فإن اهتمامها بالقضية الفلسطينية أعلى من انتمائها الإخواني.

ومن الضروري أن تقول حماس لمصر: إن من مصلحة حماس أن تحافظ على الأمن المصري، وأن نجاح حماس في التصدي لإسرائيل هو ورقة عربية ومصرية ضد إسرائيل في النهاية؛ لأن إطلاق يد إسرائيل وأمريكا في المنطقة خطر ليس على حماس وحدها، ولا على الفلسطينيين وحدهم، بل خطر على كل الأمة، وخطر على الحكومات العربية المعتدلة قبل غير المعتدلة.

يجب أن يتحرك الجميع وفق رؤية استراتيجية شاملة، وأن يجلسوا مع بعضهم البعض لوضع تفاصيل تلك الخطة الاستراتيجية، وأن نكفّ جميعًا عن سياسة العمل الأحادي أو ردود الفعل العفوية غير المدروسة، أو السير بلا خطة ولا رؤية كالعميان، فنصل إلى ما تريده أمريكا وإسرائيل لنا، ونكون جميعًا خاسرين .




المصدر: موقع لواء الشريعة