فإني قريب

منذ 2014-05-05

بيان معاني اسم الله (القريب) وكيف نصل إلى مرتبة القرب من الله؟

الحمد لله رب العالمين، القريب من التائبين، الناصر للمستضعفين.

والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فمن أسماء الله عز وجل: القريب.

ومن معاني هذا الاسم:

أن سبحانه قريب من عباده، عليٌ فوق عرشه، عليم بالسرائر، وما تكنه الضمائر، وهو قريب بالعلم والقدرة من عامة الخلائق أجمعين، وقريب باللطف والنصرة وهذا خاص بالمؤمنين، من تقرب منه شبرًا تقرب منه ذراعًا، ومن تقرب منه ذراعًا تقرب منه باعًا، وهو أقرب إلى العبد من عنق راحلته، وهو أيضا قريب من عبده بقرب ملائكته الذين يطلعون على سره ويصلون إلى مكنون قلبه[1]. والاعتقاد الحق: أنَّ الله عَزَّ وجَلَّ قريب من عباده حقيقة كما يليق بجلاله وعظمته، وهو مستوٍ على عرشه، بائنٌ من خلقه، وأنه يتقرَّب إليهم حقيقة، ويدنو منهم حقيقة[2].

ومن معاني القريب: أنه الذي يرى ويسمع ولا يخفى عليه شيء! وهو قريب من جميع عباده بعلمه المحيط بكل شيء، وهو القريب من العابدين والداعين والذاكرين يؤنسهم ويحفظهم وينصرهم ويسدد رميهم ويثبت جنانهم ويجيب دعائهم.

ومن معاني القريب:

أنه قريب بإجابة الدعاء {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة:186] وهو مشروط بالاستجابة له فمن الناس من يستجيب لله فيزيدهم من فضله {وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُم مِّن فَضْلِهِ} [الشورى من الآية:26] فهو سبحانه هو الذي يُقابِل السؤالَ والدُّعاء بالقَبُول والعَطاء، وهو الذي يجيب المضطر إذا دعاه ويغيث الملهوف إذا ناداه، ويكشف السوء عن عباده ويرفع البلاء عن أحبائه، وكل الخلائق مفتقرة إليه، ولا قوام لحياتها إلا عليه، لا ملجأ لها منه إلا إليه، قال تعالى: {يَسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} [الرحمن:29]، فجميع الخلائق تصمد إليه وتعتمد عليه[3].

وشرط إجابة الدعاء صدق الإيمان والولاء، فالله حكيم في إجابته، قد يعجل أو يؤجل على حسب السائل والسؤال، أو يلطف بعبده باختياره الأفضل لواقع الحال، أو يدخر له ما ينفعه عند المصير والمآل، لكن الله تعالى يجيب عبده حتمًا ولا يخيب ظنه أبدا كما وعد وقال وهو أصدق القائلين {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة:186]، وقال: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر:60]، وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما على الأرض مسلم يدعو الله بدعوة إلا آتاه الله إياها أو صرف عنه من السوء مثلها ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم»، فقال رجل من القوم: إذًا نكثر؟، قال: «الله أكثر» رواه الترمذي رقم [3573] وهو حديث صحيح.

وإذا وصل المؤمن درجة الإحسان، وراقب ربه، واستشعر قربه، ودنوه واستحيا منه حق الحياء كان من المحسنين الذين لا ترد لهم دعوة، وكانت رحمة الله وفرجه قريبة عاجلة {وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا ۚ إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف: 56].

ومن معاني القريب:

القريب بنصره للصابرين المحتسبين: {وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَىٰ مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّىٰ أَتَاهُمْ نَصْرُنَا ۚ وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ} [الأنعام من الآية:34] وقد يطول البلاء، ويعظم الكرب، وتنتظر الإجابة حتى ينفذ الصبر، فلا يأس فإن ما عند الله قريب {حَتَّىٰ إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاءُ ۖ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ} [يوسف:110]. {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم ۖ مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللّهِ ۗ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} [البقرة:214].

ومن معاني هذا الاسم:

أنه سبحانه القريب من التائبين يجيب دعائهم، ويثبت جنانهم ويذيقهم من حلاوة القرب منه ما يعوضهم فقد ما فقدوه  {يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ ۖ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ ۚ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ} [هود من الآية:61]، وقد ثبت في الصحيحين: «ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر» (رواه البخاري: [1094]، ومسلم: [758])، وفى حديث آخر: «أقرب ما يكون الرب من عبده في جوف الليل الآخر» (رواه الترمذي: [3579] وهو حديث صحيح)، ولكن التوبة لا تقبل إلا إذا كانت من قريب بأن تغتنم الحياة ويبادر بالرجوع والوقوف بباب الله قبل أن يحال بينك وبينه فتقول {رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ} [المنافقون من الآية:10].

كيف نحظى بالقرب؟!

الإيمان والعمل الصالح:

إن كثرة الأولاد والأموال لا تقرب إلى الله، بل ربما كانت أعظم الملهيات والصوارف عن ذكر الله وطاعته والجهاد في سبيله، وفي هذا يقول الحق سبحانه: {وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُم بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَىٰ إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَـٰئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ} [سبإ:37]، ولا تنال منزلة القرب إلا بالإيمان وصالح الأعمال، يقول سبحانه في الحديث القدسي: «وما تقرب إلى عبدي بشيء أحب إلى مما افترضته عليه ولا يزال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي عليها ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه» رواه البخاري [6136].
قال الشيخ عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله في قوله تعالى: {وَاسْجُدْ وَاقْتَرِب} [العلق من الآية:19]: "واسجد لربك واقترب منه في السجود وغيره من أنواع الطاعات، والقربات فإنها كلها تدني من رضاه وتقرب منه"[4].

الصلاة بساط القرب:

إن الصلاة هي وسيلة القرب الكبرى، وليس بين العبد وبين ذلك إلا أن يقبل على الله بوجهه ولا يلتفت، ثم يسجد فيزداد قربًا، {وَاسْجُدْ وَاقْتَرِب} [العلق من الآية:19] فالصلاة أعظم قربة إلى اللَّه حيث وجه إليها الرسول صلى الله عليه وسلم من أول الأمر وقال صلى الله عليه وسلم: «أقرب ما يكون العبد إلى الله وهو ساجد».

إن لحظات السجود والقرب من الله هي ساعات كرم الله وبركته وعطائه الذي لا حدود له، ولا قيود، تهتبل فيها الفرصة بالدعاء والطلب، وتنثر فيها كنانة القلب بما فيه من أشواق ومطالب. قال صلى الله عليه وسلم: «أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا من الدعاء فقمن أن يستجاب لكم» رواه مسلم. وقال الله سبحانه وَاسْجُدْ وَاقْتَرِب [العلق من الآية:19]. وفي الحديث أن رجلًا قال: يا رسول الله أسالك مرافقتك في الجنة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «أو غير ذلك؟»، فقال هو ذاك. فقال: «فأعني على نفسك بكثرة السجود». رواه مسلم. وفي الحديث: « ما من مسلم يسجد لله سجدة إلا رفعه الله بها درجة وحط عنه خطيئة» رواه مسلم عن أبي الدرداء. وقال صلى الله عليه وسلم: «إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد اعتزل الشيطان يبكي ويقول يا ويلاه أمر هذا بالسجود فسجد فله الجنة وأمرت أنا بالسجود فعصيت فلي النار» أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة. ويروى عن علي بن عبد الله بن عباس أنه كان يسجد في كل يوم ألف سجدة وكانوا يسمونه السجاد[5].
 
الذكر والدعاء:

إن ساعات الذكر، ولحظات المناجاة والمناداة والابتهال هي لحظات قرب من الله ودواعي رحمته وإجابته، قال صلى الله عليه وسلم: «إن الذي تدعون أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته» متفق عليه، رواه البخاري [6236] ومسلم [2704]. وقال صلى الله عليه وسلم: أ «نا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير من ملئه» رواه البخاري [6970] ورواه مسلم [2675]. وذكر الله يوجب القرب من الله عز وجل والزلفى لديه، ومن أكرم الخلق على الله تعالى من المتقين من لا يزال لسانه رطبًا بذكره وإذا جعل المؤمن ذكر الله شعاره أثمر القرب من الله والتقنع بثوب الحياء منه وإجلاله، وهاج في قلبه هائج الهيبة والمراقبة.

مشهد القرب في عشية عرفة:

عن عائشة رضي الله عنها مرفوعًا: «ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدًا من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة فيقول ما أراد هؤلاء» رواه مسلم [1348]. أي شيء أراد هؤلاء حيث تركوا أهلهم وأوطانهم وصرفوا أموالهم وأتعبوا أبدانهم، إنهم أرادوا المغفرة والرضا والقرب واللقاء ومن جاء هذا الباب لا يخشى الرد فالمغفرة شيء سهلٌ يسيرٌ على الله ؛ إذ المغفرة لمن خلق من التراب، لا يتعاظم على رب الأرباب[6].

فإن قرب الله من عبده في القرآن نوعان:

الأول: قرب الله سبحانه وتعالى من داعيه بالإجابة، ومنه قوله تعالى: { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة من الآية:186].

والثاني: قربه من عابده بالإثابة ومن ذلك قوله: «أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد» رواه مسلم [482]، {وأقرب ما يكون الرب من عبده في جوف الليل} رواه الترمذي [3579] وهو حديث صحيح، فهذا قربه من أهل طاعته وفى الصحيح عن أبي موسى رضي الله عنه: قال كنا مع النبي في سفر فارتفعت أصواتنا بالتكبير فقال: «يا أيها الناس اربعوا على أنفسكم إنكم لا تدعون أصم ولا غائبا إن الذي تدعونه سميع قريب أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته» متفق عليه، فهذا قرب خاص بالداعي دعاء العبادة والثناء والحمد.

وهذا القرب لا ينافي كمال مباينة الرب لخلقه، واستواءه على عرشه بل يجامعه ويلازمه، فإنه ليس كقرب الأجسام بعضها من بعض تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا، ولكنه نوع آخر، والعبد في الشاهد يجد روحه قريبة جدًا من محبوب بينه وبينه مفاوز تتقطع فيها أعناق المطي، ويجده أقرب إليه من جليسه كما قيل: "ألا رب من يدنو ويزعم أنه يحبك والنائي أحبُ وأقربُ".

وأهل السنة أولياء رسول الله، وورثته، وأحباؤه الذين هو عندهم أولى بهم من أنفسهم، وأحب إليهم منها يجدون نفوسهم أقرب إليه وهم في الأقطار النائية عنه من جيران حجرته في المدينة، والمحبون المشتاقون للكعبة والبيت الحرام يجدون قلوبهم وأرواحهم أقرب إليها من جيرانها ومن حولها هذا مع عدم تأتي القرب منها فكيف بمن يقرب من خلقه كيف يشاء وهو مستو على... والقصد أن هذا القرب يدعو صاحبه إلى ركوب المحبة وكلما ازداد حبًا ازداد قربًا، فالمحبة بين قربين قرب قبلها، وقرب بعدها، وبين معرفتين معرفة قبلها حملت عليها ودعت إليها، ودلت عليها، ومعرفة بعدها هي من نتائجها وآثارها [1].

ومن آثار معرفة اسم القريب:

الأمن والثقة:

فالمؤمن يعيش بقرب الله في أنس وثقة ويقين، وملاذ أمين، وحصن حصين مكين ؛ لأنه في معية الله، ومصاحبته فهو سبحانه القريب منهم في كل أحوالهم وهو الصاحب في أسفارهم حال غربتهم ووحشتهم فالله صاحبهم القريب منهم «أنت الصاحب في السفر» رواه مسلم [1342]، وهو سبحانه في ذات الوقت خليفته على أهله والخليفة في الأهل، وقد كان من دعائه عليه الصلاة والسلام عند السحر في السفر «ربنا صاحبنا وأفضل علينا» عائذًا بالله من النار رواه مسلم [2718]. 

ومن آثار هذه المعرفة لهذا الاسم:

حصول السكينة والثبات:

قال الله تعالى: {إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ۖ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا} [التوبة من الآية:40]، وقال صلى الله عليه وسلم لأبي بكر: «يا أبابكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما» متفق عليه. فمن كان الله معه فمعه القوة العظمى التي لا تهزم، ولقد ربى الله أصفياءه على أن يكونوا على علم بأنه معهم فلما أرسل موسى إلى فرعون الطاغية قائلًا: {اذْهَبْ أَنتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي . اذْهَبَا إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ} [طه:42-43]، قال موسى وهارون: {قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَن يَطْغَىٰ . قَالَ لَا تَخَافَا ۖ إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَىٰ} [طه:45-46]، وهذا دواء الخوف وعلاجه من قلوب المؤمنين، إنه القاهر فوق عباده معنا أسمع وأرى فما يكون فرعون وجنوده وما يصنع حين يفرط أو يطغى؟ والله معهما يسمع ويرى، فيذهبان إلى فرعون فيخاطبانه دون خوف ولا وجل فيقولان {إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ ۖ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكَ ۖ وَالسَّلَامُ عَلَىٰ مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَىٰ} [طه من الآية:47]، ويختمان الحديث {إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَىٰ مَن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ} [ طه:48].

ويوحي الله إلى موسى بالسرى، ويتبعه فرعون وجنوده، ويقترب المشهد من نهاية وتصل المعركة ذروتها، ويقف موسى أمام البحر ليس معهم سفين، وماهم بمسلحين وقاربهم فرعون بجنوده شاكي السلاح يطلبونهم، ودلائل الحال تقول كلا: لا مفر! العدو من خلفهم، والبحر من أمامهم ويبلغ الكرب مداه، وما هي إلا لحظات ويهجم الموت ولا مناص ولا معين {فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَىٰ إِنَّا لَمُدْرَكُونَ} [الشعراء:61]، فيقول موسى الذي امتلأ قلبه بربه ثقة بربه (كَلَّا) لا يكون ذلك {كَلَّا ۖ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الشعراء من الآية:62]، كلا بقوة وشدة لن نكون مدركين، كلا لن نكون ضائعين! كلا إن معي ربي سيهدين! وفي اللحظات الأخيرة ينبثق الشعاع المنير في ليل اليأس وينفتح باب من النجاة من حيث لا يحتسبون [2].

ويضطرب أبو بكر الصاحب إذ هما في الغار وهو يسمع خفق نعال المطاردين ويملكه خوف شديد على صاحبه فيقول: "لو أن أحدهم رفع قدمه رآنا"، فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم الواثق بمعية الله: {لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [التوبة من الآية:40].

ومن آثار معرفة هذا الاسم:

قرب النصر والفرج:

قال صلى الله عليه وسلم: «واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرًا» رواه الترمذي [2516] وهو حديث صحيح.

إن نصر الله آت، وفرجه قريب، والمؤمن لا يفقد أمله مع طول الانتظار بل يظل يُرجي من القريب المجيب نصره، وفرجه ولا يقترح عليه بل يتأدب بأدب العبد المسلّم لما أراده ربه ويأخذ بما شرع له من الأسباب.

إذا اشتملت على اليأس القلوب *** وضاق لما به الصدر الرحيب 
وأوطأت المكاره واطمأنت *** وأرست في أماكنها الخطوب
ولم تر لانكشاف الضر وجهًا *** ولا أغنى بحيلته الأريب 
أتاك على قنوط منك غوث *** يمن به اللطيف المستجيب 
وكل الحادثات إذا تناهت *** فموصول بها الفرج القريب 
ولرب نازلة يضيق بها الفتى ذرعا *** وعند الله منها المخرج 
كملت فلما استحكمت حلقاتها *** فرجت وكان يظنها لا تفرج

ومن الآثار: 

الشوق إلى الله والأنس به:

فمع كون الله هو القريب من عباده إلا أن عباده المؤمنين به المصدقين بوعده المصدقين برسله المحبين المختبين أعظم شوقًا إلى من كل قريب وكلما ازدادوا صلاحًا وقربة وسجودًا، لاح من جماله وجلاله ما يزيدهم شوقًا وحنينًا إلى لقائه وأعظم ما يكون هذا الشوق عند لحظات الحياة الأخيرة عند مفارقة الحياة عندها يعظم شوق المؤمن ويحب لقاء الله ويرجوه.

وأبرح ما يكون الشوق يومًا إذا دنت الخيام من الخيام. 

أيها الأخ القارىء والأخت القارئة: لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم ينتهز الفرصة ليشعر أصحابه بالشعور بقرب الله ومعيته ليعشوه هذا المعنى واقعًا عمليًا في حياتهم «إن الذي تدعونه أقرب إلى عنق أحدكم من عنق راحلته»، «أقرب ما يكون العبد من ربه جوف الليل الآخر»، «أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد» فهل نشعر أنفسنا بهذا المعنى ونربي عليه من حولنا من متلق ومتعلم ومتأدب؟ وهل نحن نعيش هذا المعنى العظيم الذي يحمل في طياته معاني الأنس والطمأنينة و القوة والثبات، إنها معاني ومعالم تنهض بالهمة وتصل بالنفس والروح إلى بساط القرب!

وبعد أيها القارئ الكريم:

فإني مع هذا أزعم أني أتيت بظاهر هذه المعاني دون خافيها، وحمت حول حماها ولم أقع فيها، إذ الغرض إنما هو الوصول إلى القرب من الرب سبحانه حقيقة لا ادعاءً، وذلك شيء مكنون في القلوب والخواطر، ولا تنطق به الأوراق ولا الدفاتر، فليس أمامك أيها الحبيب المبارك إلا الدربة والإدمان على تذكر اسم القريب، وإجرائه على قلبك، وذلك أجدى عليك نفعًا، وأهدى بصرًا وسمعًا، ترى الخبر عيانًا، والبعيد إمكانا، فأعط كل جارحة منك قلبًا ولسانًا من معاني قربه تجده معك ولك قريبًا مجيبًا، وتعرف عليه في الرخاء يعرفك في الشدة، واحفظ الله تجده تجاهك ،و احفظ الله تجده ناصرك ومعينك[3].

اللهم إنك أنت تعلم سرنا وعلانيتنا فاقبل معذرتنا، وتعلم حاجتنا فأعطنا سؤلنا، وتعلم ما عندنا فاغفر لنا ذنوبنا.
اللهم إنا نسألك إيمانًا يباهي قلوبنا، ويقينًا صادقًا حتى نعلم أنه لن يصيبنا إلا ما كتبت لنا...

وصلى الله وسلم وبارك على النبي محمد.
والحمد لله رب العالمين.

_______________________

[1] انظر: طريق الهجرتين ص[44]، واجتماع الجيوش الإسلامية ص[68]، كلاهما للإمام ابن القيم، وجامع البيان في تفسير آي القرآن، للإمام الطبري [2/92]، تفسير الأسماء الحسنى، للرضواني ص[68].

[2] ينظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام [5/466]. وينظر منه: [6/14]، وصفات الله، لعلوي السقاف ص[92].

[3] ينظر: الاعتقاد، للبيهقي ص[60]، والأسماء والصفات ص[88]، الأسماء الحسنى، للرضواني ص [70].

[4] ينظر: تفسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان ص [930].

[5] ينظر: تفسير القرآن العظيم، للحافظ ابن كثير [4/527]. بتصرف 

[6] ينظر: مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح، للقاري [5/510]. بتصرف واختصار.

[7] ينظر: مدراج السالكين [2/266-267]. بتصرف.

[8] يراجع: قصة موسى عليه السلام في تفسير [في ظلال القرآن]، لسيد قطب تفسير سورة طه وسورة الشعراء.

[9] تضمين واقتباس من كتاب المثل السائر [1/25].

 

ماجد بن أحمد الصغير

كلية الشريعة وأصول الدين - جامعة القصيم - الدراسات العليا