انتصار العزة في محرقة الشتاء الساخن
منذ 2008-03-11
وأعلنت والدة أحد القتلى: "لقد قتل ولدي من غير هدف"، وانتصرت المقاومة حينما أعلنت: "إنا قادمون بالصواريخ والبنادق بمقاتلينا لا مفاوضينا، بشهدائنا لا مستسلمينا".
منحة لا محنة
المؤمن يرى في المحنة رغم الآلام بعضًا من الأنوار الإلهية، ففيها دعوة استيقاظ من الغفلة، وتقوية للإيمان والثبات على الحق، والمؤمن يرى المحن منحًا والبلايا عطايا، فإن عظم الجزاء مع عظم البلاء، والمحن تطهير للآثام والذنوب، ومن هنا فقد كانت محرقة الشتاء الساخن بشمال غزة، نصرًا عزيزًا ومنحةً ربانيةً، وكانت فرجًا من بعد كرب، وفرحًا من بعد حزن، وإكرامًا من بعد إجرام، وقوةً من بعد ضعف، وكانت نصرةً من السماء بعد خذلان الأرض، فمن جوف المحنة تخرج المنحة، من شدة الظلمة تشتعل أضواء الأمل، قالها رب العزة: {مَّا كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} [آل عمران: 179]، ومهما تخلى القريب والبعيد عن المجاهدين، فهم يذكرون قوله تعالى: {وَإِن تَوَلَّوْاْ فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَوْلاَكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ} [الأنفال: 40].
غزة العِزة
غزة هاشم هي غزة العزة والإباء، غزة الحرية والكرامة، غزة الجهاد وبوابة الاستشهاد، أرادوها نموذجًا للانهزام فأصبحت نموذجًا للثبات، توالت عليها المحن وتنوعت فلم تركع، خططوا لاغتيال قادتها ورموزها فلم تركع، حاصروها من كل اتجاه فلم تركع، قطعوا عنها الإمدادات البترولية والكهربائية فلم تركع، بقيت شهورًا بلا طعام ولا مؤن ولا دواء فلم تركع، تعرضت لهجوم كاسح من الصهاينة المجرمين عدة مرات فلم تركع، وأخيرًا أشعلوا لها محرقة الهولوكست الجديدة فلم تركع، وأعلنوها محرقة الشتاء الساخن فلم تركع، وهي في كل يوم ومع كل دفقة دم من شهيد تفضح المتآمرين عليها، فالصهاينة ومَن معهم يريدون كسر هذا النموذج وتحطيمه، لتنهار معه الإرادة الإسلامية في كل مكان، تمنوا أن يجعلوها عبرةً للمسلمين، ولكنها غدت رمزًا للتحدي والصمود والممانعة والصبر والثبات والشموخ والعزة والكرامة، وهي لم تبالِ بمَن خذلها، ولا بمَن خالفها، أقريب هو أم بعيد، أعربي هو أم أعجمي، بل بقيت ماضيةً في طريقها طريق العزة.
انكشاف المستور
قال تعالى: {وَكَذَلِكَ نفَصِّلُ الآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ} [الأنعام: 55]، وهذا درس من أروع ما تجلى في المحرقة الصهيونية الأخيرة، وما تبعها من أحداث وما ترتب عليها من نتائج، لقد فضحت المحرقة أعداء الأمة من داخلها وخارجها، فأصبح واضحًا جليًّا لكل ذي عينين، من هم المستكينون والمنافقون والخانعون والبائعون لأمتهم، والخائنون لإخوانهم وبني جلدتهم، الذين يرقصون على أشلائها، ومنوا النفس بموتها قبل أن تموت ولن تموت بعون الله، والذين تعاونوا مع المعتدين وشربوا مع الغازي نخب الخيانة والجريمة في غزة، لقد سقطت الأقنعة واحترقت أوراق العملاء والخونة، فقد جاءت تصريحات رئيس السلطة الفلسطينية لتكون بمثابة الهجمات التحريضية على العمليات العسكرية بعد ترويجه لفكرة وجود القاعدة في غزة، وقد اعترفت كتائب شهداء الأقصى التابعة لحركة (فتح) بأن المعركة في قطاع غزة ليست معركتها، بل هي معركة صهيونية ضد حركة (حماس) وما أسمته "بانقلابها على الشرعية"، مؤكدةً أنها تلقت أوامر قيادية واضحة بعدم المشاركة في صد العدوان على القطاع، وانكشف الخذلان العربي الذي وصل إلى تلك الدرجة من البرود تجاه الدم العربي المستباح أمام مرأى العالم ومسمعه؛ الأمر الذي يؤكِّد أن الموقف العربي تعدَّى الصمت ووصل للمباركة وإعطاء المشروعية لما تشهده غزة من مذابح وتجويع.
أهداف مشتركة
وضحت أهداف المحرقة كما قالها وزير حرب العدو مجرمهم باراك: "حينما نمنح الجيش الضوء الأخضر للعمل بكامل القوة، فالأهداف هي إحباط إطلاق الصواريخ، ومنع تهريب السلاح، وإضعاف حكم حماس وانحساره لمدى طويل، والانفصال التام عن قطاع غزة"، ولعل الهدف الرئيسي في أجندة عباس هو تحريض العالم على حركة (حماس) من خلال ربطه بين الحصار والعدوان الصهيوني وصواريخ المقاومة، فلا فرقَ بين الجرائم والمذابح التي ارتكبتها قوات الاحتلال الصهيوني وبين تصريحات عباس في القاهرة، والتي اعتبر فيها أن الصواريخ هي سبب العدوان والحصار الصهيوني، وإن تصريحات عباس تمكن من توفير الغطاء الشرعي للاحتلال الصهيوني بارتكاب المزيد من المجازر اليومية، وهي إنذار لأهالي غزة بالاستعداد للمحرقة القادمة عليهم، وهي تصريحات بمثابة مؤشر لإعلان حرب صهيونية جديدة ضد الشعب الفلسطيني خاصة في قطاع غزة الذي يسعى عباس إلى القضاء على حركة (حماس) وعلى المقاومة، لإعادة سيطرته عليه.
وحينما يقول عباس: إن رفع الحصار مرهون بوقف الصواريخ، وعندما يطالب بوقف المقاومة العبثية، فإن هذا ضوء أخضر لباراك وأولمرت في الولوغ بدمائنا، وفي المزيد من العدوان والإرهاب، وقيادة حركة فتح وعناصرها قد نذروا أنفسهم لتحقيق هدف وحيد هو إسقاط حركة حماس من خلال التعاون الأمني والاستخباري مع الموساد (الإسرائيلي) وتحولت حركة فتح إلى أحد فروع الأمن العسكري (الإسرائيلي).
حصاد المحرقة
بلغ الإجرام الصهيوني مداه في عمليته الأخيرة في جباليا بشمال غزة؛ حيث بلغ عدد شهداء (المحرقة) 124 شهيدًا، بينهم 39 طفلاً و15 سيدةً، واثنان من المسعفين، تُوفي منهم 7 في مستشفيات مصرية، وأن عدد الإصابات والجرحى يتمثل في إصابة 350 مواطنًا، بينهم 92 طفلاً و42 سيدةً، كما أن سبعة مواطنين بترت قدم واحدة لهم، وأن سبعة آخرين بترت أقدامهم بشكلٍ كامل، وهناك 22 مصابًا من بين الجرحى في حالة خطر شديد، وأن 35 إصابتهم في منطقة الرأس، و15 إصابتهم في العمود الفقري.
اعتراف العدو
هزيمة مدوية تلك التي مني بها جيش الصهاينة أمام مجموعة قليلة من مجاهدي المقاومة؛ حيث أقر وزير أمن الكيان الصهيوني بفشل العملية فشلاً ذريعًا، وأعلنها المجرم أولمرت أمام لجنة الخارجية والأمن في البرلمان الصهيوني: "إن كل الوسائل واردة بالحسبان وجاهزة للرد"، في اعتراف غير مباشر بفشل عملياته العسكرية وإعلان انسحابه من غزة، كما أعلنها آفي دختر وزير (الأمن الداخلي) في الحكومة الصهيونية حينما أقر بفشل العملية العسكرية التي بدأت منذ يوم الأربعاء الماضي (27/2)، مشيرًا إلى أن صواريخ المقاومة الفلسطينية ما زالت تنهمر بكثافة أكبر من ذي قبل، وقال الوزير قوله خلال جلسة الحكومة الصهيونية الأسبوعية يوم الأحد (2/3): "إن الجيش الإسرائيلي وبعد خمسة أيام من المعارك، لم يتمكن من تحقيق غايته المتمثلة في وقف إطلاق الصواريخ باتجاه إسرائيل"، وكررها ثانية "لم يتوقف إطلاق الصواريخ ولم تتوقف النيران ضدنا ولم نحقق الردع المطلوب، فما الذي تغير علينا في قطاع غزة؟"، وكانت الصحافة الصهيونية قد وصفت ما يجري في شمال قطاع غزة على يد مجاهدي (كتائب الشهيد عز الدين القسام)، بأنه: "جيش يكاد أن يكون منظَّمًا"، وقالت: "إن مقاتلي كتائب القسام هم عبارةٌ عن مقاتلين بارعين، ويمتلكون تكتيكات مدروسةً تمكَّنت من خلال ذلك إلى إرباك قواتنا المدرَّبة التي كانت في أرض المعركة شمال غزة، وقد أربكت جيشنا في أكثر من موقع".
ونقل عن مسئول عسكري صهيوني قوله: "إن القوات تواجه منظمة عسكرية لا منظمة أنصار"، ووصف القتال في القطاع منذ فجر السبت (1/3) بأنه: "معقد وصعب في منطقة مكتظة وهناك عدد كبير من المقاومين واحتكاك كبير داخل أحياء ومن الصعب التعرف على مصادر النيران".
ويعلنها خبراؤهم العسكريون: "إن المقاومة الفلسطينية استخدمت، صاروخًا مدمرًا من نوع جديد يستخدم لأول مرة، قوته التدميرية كبيرة جدًّا وتختلف عن باقي الصواريخ التي أطلقت".
مقاومة رائعة
"إن مدى الصواريخ صار أبعد من ذي قبل ووصل إلى عسقلان وإلى نتيفوت (القريبة من أسدود)، وأصبح الآن 250 ألف (إسرائيلي) في مدى الصواريخ الفلسطينية بدلاً من 125 ألفًا"، بهذه الكلمات عبر قائد عسكري صهيوني مبينًا حجم المقاومة التي واجهتها القوات الصهيونية المتوغلة في شمال غزة، وأقرت الصحافة الصهيونية بروعة المقاومة قائلة: "لقد أصيب جيشنا بالذهول والصدمة الرهيبة وغير المتوقعة؛ وذلك ناتج عن طبيعة شراسة القتال الذي يدور بين أروقة شوارع شمال قطاع غزة؛ حيث أبدى مقاتلو القسام البارعون صمودًا منقطع النظير، لم نشهد له مثيلاً"، وقالها آخر: "إن القوات تواجه منظمة عسكرية لا منظمة أنصار".
قيادة راشدة
في تحدٍّ واضح للصهاينة الذين أعلنوا استهداف قادة حماس، جاء الظهور العلني للدكتور محمود الزهار، وبلسان العزة والقوة وجه د. الزهار كلمته للصهاينة قائلاً: "قبل أن تفكروا في ضرب البيوت الآمنة في غزة، فكروا في حماية مستوطناتكم التي ستجتاحها جحافل حماس في المرات القادمة"، وفي أول تصريحٍ له أعلنها رئيس الوزراء إسماعيل هنية: "إن دماء أطفال غزة انتصرت والإحتلال إلى زوال".
وفي اجتماع حكومته أعلن: "إنه تم تكليف وزارة الأشغال بحصر الأضرار الناتجة عن العدوان الصهيوني في مختلف مناطق قطاع غزة"، مؤكدًا أن الحكومة قررت صرف مساعدة عاجلة لكل بيت مدمر بقيمة 1000 دولار إلى حين استكمال بيانات وزارة الأشغال، وأن الحكومة قررت صرف مائة دولار بشكلٍ عاجلٍ لكل جريح أُصيب في العدوان الصهيوني، وقررت صرف طرود غذائية من وزارة الشئون الاجتماعية لكل العائلات المتضررة من العدوان الصهيوني.
انتصار العزة
جاءت محرقة الشتاء الساخن خلال الأيام الخمسة السوداء، لتعلن انتصار إرادة المقاومة وخيارها على خيار الاستسلام، فانتصرت المقاومة حينما تلاحم معها الشعب الفلسطيني في جباليا وجبل الكاشف وعزبة عبد ربه وحي التفاح، وحرموا أنفسهم من الطعام والشراب وقدموه للمرابطين، وحينما قدموا المال والولد، وقدموا الأرض التي جرفت، والبيوت التي هدمت، وانتصرت المقاومة حينما استخدم الصهاينة بيوت جباليا حصونًا وأهلها دروعًا بشريةً، فتحولت عليها نارًا ودمارًا وتمت محاصرتهم من الأمام والخلف، فانتصرت المقاومة حينما أصبح الصهاينة هم المحاصرين، وانتصرت المقاومة بإرادة الصمود التي أبدتها في مواجهة محرقة العدوان الصهيوني فلم تنكسر، وانتصرت المقاومة بصواريخ القسام الجديدة التي طالت اليهود في نطاقٍ أوسع، فجرح رئيس بلدية سديروت وبعض مرافقيه، وكاد أن يقتل الإرهابي بيريز، وانتصرت المقاومة حين تناثرت أشلاء الشهداء فوق ثرى جباليا لتكون نورًا وشرفًا للأمة، ونارًا على الطغاة والظالمين، وانتصرت المقاومة حينما قنص الشهيد معتصم عبد ربه 3 جنود صهاينة فأرداهم قتلى، فيسجد لله شاكرًا فيتلقى قذائف طائرة استطلاع فيرتقي شهيدًا في موقعة العزة، وانتصرت المقاومة حينما أتقنت فن صناعة الموت، وقدمت 124 شهيدًا خلال الأيام الخمسة، وهي تقدم الشهداء في كل مواجهة، وانتصرت المقاومة حينما استولت حالات الإحباط والخوف والقلق الشديدة على نفسيات الجنود المشاركين في الحملة مما أصابهم بالهزيمة المعنوية، وانتصرت المقاومة حينما أعلن والد أحد القتلى اليهود: "لا ترسلوا أولادكم إلى غزة".
وأعلنت والدة أحد القتلى: "لقد قتل ولدي من غير هدف"، وانتصرت المقاومة حينما أعلنت: "إنا قادمون بالصواريخ والبنادق بمقاتلينا لا مفاوضينا، بشهدائنا لا مستسلمينا".
* مرسلة من اسماعيل حامد .
المصدر: طريق الاسلام
- التصنيف: