هكذا دخلت الشات! وهكذا خرجت منه!
ماذا جرى؟! لقد اتبعت فقه إبليس اللعين الذي باسم الدعوة أدخلني غرف الضلال، فأهملت تلاوة القرآن وأضعت الصلاة، وأهملت دروسي وتدنى تحصيلي، وكم كنت واهمة ومخدوعة بالسعادة التي أنالها من حب النت، إن غرفة المحادثة فتنة، احذرن منها أخواتي فلا خير يأتي منها.
أحيانًا بدافع الفضول، وأحيان أخرى بدافع دفع الملل المتسلل إلى النفس، وربما لجذب اهتمام مفقود لم تجده داخل الأسرة، وتارة بدافع البحث عن عريس الغفلة، وكلها في الحقيقة يجمعها شيء واحد، هو وسوسة شيطانية وحيل إبليسية لدخول هذه الغرف المسماة بغرف الدردشة أو الشات.
كثيرًا ما تكون البداية بريئة أو من فتاة ساذجة لا تدري حقيقة الذئاب المتخفية وراء شاشة الكمبيوتر ولوحة المفاتيح، هذه الكلاب الباحثة عن قطعة لحم تلتهمها أو فريسة جديدة مسكينة تفترسها، وآآه من النتائج المؤلمة والحكايات المرعبة والخواتيم المظلمة، ولا شك أن ما خفي كان أعظم.
قصص المصائب كثيرة وقل من يتعظون، لأن كل فتاة تظن أنها أذكى من سابقتها وأنها ليست كصاحبتها، ولكن سرعان ما تسقط سقطتها وتضاف حكايتها إلى قاموس حكايات الضحايا، نعم قد لا يصل الأمر أحيانًا إلى نتائج قاسية، وإن كان يصل في أحيان أخرى إلى قصص صادمة ونهايات قاتمة، ولكنه في كل الحالات يترك جرحًا كبيرًا وأثرًا بالغًا ونتوءًا غائرًا في نفس الضحية وبدوره على المجتمع.
هذه قصة قرأتها من ضمن ما قرأت لفتاة تقول إنها كانت داعية -هكذا تزعم-، لم يزل بها إبليس يوسوس ويسول ويزين ويمني بفتح أبواب للخير، ولم تدر ـوهي الداعيةـ إنه إنما يريد اصطيادها، وأن شباكه تلتف حول عنق قلبها، لتقتل فيها الإيمان وتسرق العفة وتذهب الحياء، نسيج محبوك من صائد محترف قل أن يطيش سهمه إلا عمن حفظه الله، فأصابها سهمه ولم تشعر بمصيبتها إلا بعد أن وقعت في حبائله.
تحكي الفتاة قصتها مع غرفة المحادثة فتقول:
"أنا فتاة جامعية عمري 30 عامًا، كنت أدخل المنتديات الشرعية بهدف الدعوة إلى الله، وكانت لديّ الرغبة أن أشارك في حوارات، كنت أعتقد أنها تناقش قضايا مهمة وحساسة، تهمني في المقام الأول وتهم الدعوة؛ مثل الفضائيات واستغلالها في الدعوة، ومشروعية الزواج عبر الإنترنت.
وكان من بين المشاركين شاب متفتح ذكي، شعرت بأنه أكثر ودًا نحوي من الآخرين، ومع أن المواضيع عامة إلا أن مشاركته كان لدي إحساس أنها موجهة لي وحدي ـولا أدري كيف تسحرني كلماته؟ فتظل عيناي تتخطف أسطره النابضة بالإبداع والبيان الساحر، بينما يتفجر في داخلي سيل عارم من الزهو والإعجاب، يحطم قلبي الجليدي في دعة وسلام، ومع دفء كلماته ورهافة مشاعره وحنانه، كنت أسبح في أحلام وردية وخيالات محلقة في سماء الوجود.
ذات مرة ذكر لرواد الساحة أنه متخصص في الشؤون النفسية، ساعتها شعرت أنني محتاجة إليه بشدة، وبغريزة الأنثى، أريد أن يعالجني وحدي، فسولت لي نفسي أن أفكر في الانفراد به وإلى الأبد، وبدون أن أشعر طلبت منه بشيء من الحياء، أن أضيفه على قائمة الحوار المباشر معي، وهكذا استدرجته إلى عالمي الخاص. وأنا في قمة الاضطراب كالضفدعة أرتعش، وحبات العرق تنهال على وجهي بغزارة ماء الحياء، وهو لأول مرة ينسكب ولعلها الأخيرة.
بدأت أعد نفسي بدهاء صاحبات يوسف، فما أن أشكو له من علة إلا أفكر في أخرى. وهو كالعادة لا يضن عليّ بكلمات الثناء والحب والحنان والتشجيع وبث روح الأمل والسعادة، إنه وإن لم يكن طبيبًا نفسيًا إلا أنه موهوب ذكي لماح يعرف ما تريده الأنثى!
الدقائق أصبحت تمتد لساعات، في كل مرة كلماته كانت بمثابة البلسم الذي يشفي الجراح، فأشعر بمنتهى الراحة وأنا أجد من يشاركني همومي وآلامي ويمنحني الأمل والتفاؤل، دائمًا يحدثني بحنان وشفقة ويتوجع ويتأوه لمعاناتي، ما أعطاني شعور أمان من خلاله أبوح له بإعجابي الذي لا يوصف، ولا أجد حرجًا في مغازلته وممازحته بغلاف من التمنع والدلال، الذي يتفجر في الأنثى وهي تستعرض فتنتها وموهبتها، انقطعت خدمة الإنترنت ليومين لأسباب فنية، فجن جنوني، وثارت ثائرتي، أظلمت الدنيا في عيني.
وعندما عادت الخدمة عادت لي الفرحة، أسرعت إليه وقد وصلت علاقتي معه ما وصلت إليه، حاولت أن أتجلد وأن أعطيه انطباعًا زائفًا أن علاقتنا هذه يجب أن تقف في حدود معينة، وأنا في نفسي أحاول أن أختبر مدى تعلقه بي، قال لي: "لا أنا ولا أنت يستطيع أن ينكر احتياج كل منا إلى الآخر"، وبدأ يسألني أسئلة حارة أشعرتني بوده وإخلاص نيته.
ودون أن أدري طلبت رقم هاتفه، حتى إذا تعثرت الخدمة لا سمح الله أجد طريقًا للتواصل معه، كيف لا وهو طبيبي الذي يشفي لوعتي وهيامي، وما هي إلا ساعة والسماعة المحرمة بين يدي، أكاد ألثم مفاتيح اللوحة الجامدة، لقد تلاشى من داخلي كل وازع.
وتهشم كل التزام كنت أدعيه وأدعو إليه، بدأت نفسي الأمارة بالسوء تزين لي أفعالي، وتدفعني إلى الضلال بحجة أنني أسعى لزواج من أحب بسنة الله ورسوله، وتوالت الاتصالات عبر الهاتف، أما آخر اتصال معه فقد امتد لساعات قلت له: "هل يمكن لعلاقتنا هذه أن تتوج بزواج؟ فأنت أكثر إنسان أنا أحس معه بالأمان؟!"، ضحك وقال لي بتهكم: "أنا لا أشعر بالأمان! ولا أخفيك أنني سأتزوج من فتاة أعرفها قبلك، أما أنت فصديقة وتصلحين أن تكوني عشيقة"، عندها جن جنوني وشعرت أنه يحتقرني فقلت له: "أنت سافل"، قال: "ربما، ولكن العين لا تعلو على الحاجب!"، شعرت أنه يذلني أكثر قلت له: "أنا أشرف منك ومن..."، قال لي: "أنت آخر من يتكلم عن الشرف!"، لحظتها وقعت منهارة مغشى عليّ، وجدت نفسي في المستشفى، وعندما أفقت، أفقت على حقيقة مرة، فقد دخلت الإنترنت وأنا أظن أني داعية، وتركته وأنا لا أصلح إلا عشيقة!
ماذا جرى؟! لقد اتبعت فقه إبليس اللعين الذي باسم الدعوة أدخلني غرف الضلال، فأهملت تلاوة القرآن وأضعت الصلاة، وأهملت دروسي وتدنى تحصيلي، وكم كنت واهمة ومخدوعة بالسعادة التي أنالها من حب النت، إن غرفة المحادثة فتنة، احذرن منها أخواتي فلا خير يأتي منها.
ختامًا، أنقل كلامًا جميلًا قرأته حول موضوع الشات موصفًا ومحذرًا يقول: "مواقع الشات أو غرف المحادثة للأسف الشديد تعطي صورة مشوهة لمجتمعنا المسلم، وأول ما تسمع عن هذه الغرف يتبادر إلى ذهن العاقل الإسفاف وقلة الذوق والحياء، ولا يخفى على الجميع أن رواد هذه الغرف من المراهقين العابثين من الرجال والنساء، وتصرفاتهم صبيانية ليس إلا، ولتعلم كل فتاة تعتز بقيمها ودينها وتحافظ على شرفها وكرامتها، أن ترددها على غرف المحادثة هو تردد على أماكن مشبوهة وعيب لا تريد أن يعرف عنه أحد شيئًا، كما أن ما تقوم به من محادثة مع أجنبي يجب أن تستدرك معه أن الله مطلع عليها وتخشى أن تنزل بها عقوبة بما اقترفته من إثم.
- التصنيف:
- المصدر: