حقيقة ما جرى ويجري في فلسطين
... وأخـذت القضية الفلسطينية منحى جديدا ومذهلا في أواخر 1987 بقيام الانتفاضـة الأولى ، وقـد بدأت الانتفاضة الأولـى في 8 ديسمبر/كانون الأول 1987 في قطاع غزة ، بعد حادث مروري متعمّد قتل 6فلسطينيين كان مدبرا من جهاز الأمن الإسرائيلي للإنتقام لطعن
في العام 1871 أرسلت بريطانيا بعثة مساحية لفلسطين ، عملت فيها 4سنوات
، ثم أكملـت في لندن 4 سنوات أخرى ، ترصد النتائج وتنظمـها ، حتى
أصدرت العام 1888 م ، عشرة مجلدات عن قرى فلسطين ، بكل شيء فيها ، حتى
طيورها ، وزهورها ، وعن القدس كذلك ، ومعها 26 خريطة تفصيلية عن كل
فلسطين.
كانت هذه الخرائط بحوزة الصليبي اللنبي في بداية إحتلاله لفلسطين عام
1917م ، وهو الذي وُضعت تحت صورته كلمتـُه المشهورة في الصحف
البريطانية إذْ ذاك ( اليوم انتهت الحروب الصليبية ) ، ومعها إعـلان
وزير الخارجية البريطاني في مجلس العموم ، أنّ حملة اللنبي هي الحملة
الصليبية الثامنـة !
ثـم بعد ذلك كان وايزمان الصهيوني ، يلحّ على حكومة الاحتلال
البريطاني ، لتوثيق كلّ شيء على أرض فلسطين ، فسجّلت حكومة الإحتلال
كلّ قطعة أرض ، بهدف استيلاء حكومة الاحتلال البريطاني على كلّ مالا
يثبت لدى مالك الأرض أنـّه صاحبـها ، حتى يتم تحويلها للإستيطان
اليهودي وفق المادة السادسة من صك الانتداب .
ثم جـرت بعد ذلك أكبر عملية نهب منظمة بريطانية لوطــن ، وكانت
بريطانيا تجمع ما تنهـب لتسلمها في النهاية للصهاينة ،
ثم إنطـلقت الخطوة الأولى للغزو الصهيوني لفلسطين ، في مارس 1948م ،
وانتهت بعد عام في مارس 1949م ، وأسفـرت عن احتلال الصهاينة 78% من
فلسطين ، إنطلاقا من قواعد تحت سيطرة الاحتلال البريطاني ، وكانت
المساحة اليهودية قبل ذلك 5% فقط .
وأما الخطوة الثانية فكانـت التطهير العرقي ، بالإستيلاء على ممتلكات
الأهالي ، تـمّ فيها تهجيـر أهالي 675 مدينة وقريـة فلسطينية، كانت
تدمر فيها أكثر من ثلثي القرى المهجّرة ، وارتكـب الصهاينـة ما لايقل
عن 73 مذبحة ، وعشرات جرائم الحرب ، بما فيها من حرق المحصولات ،
وتسميم الآبار ، وقتل كل من يحاول العودة إلى بيته .
ثم جاءت الخطوة الثالثــة وهي عندما أمر بن جوريون قواته ، وخبراءه
العسكريين ، والجغرافيين ، أن يمحـو كلّ أثـر للأسمـاء الفلسطينية
سواء كانت عربية إسلامية ، أو لنصارى فلسطين ، أو حتى ما كان من أسماء
من كنعانيـة قبل ذلك ، ووضع أسماء عبرية مكانهـا .
لكنّ الأعجـب من هذا كلّـه ، أن نابليون عندما غزا بلاد الشام عام
1801 ـ وهو الذي وجـه نداءً دعا فيه اليهود في آسيا ، وأفريقيا ،
للالتحاق بجيشه من أجل دخول القدس ـ كان برفقته ضابط مساح اسمه (
جاكوتان ) ، وهـو الذي تعد خريطته هـي أول خريطة مفصلة لفلسطين ، وقد
مسح فيها كلّ فلسطين ، وكان الهدف المعلن هـو تتبع خطوات السيد المسيح
، غـير أن ما تبع ذلك من حملات لجواسيس وخبراء طيلة القرن التاسع عشـر
، قـد كشف الوجه غير المعـلن ، وهو الإستيـلاء على هذه الأرض ونهبها
في أكبر عملية سطو في التاريخ الحديث.
وفي هـذه الفترة بين ( جاكوتان ) وما بعده ، جاء ما ذكرناه في أول
المقال أنه في العام 1871 أرسلت بريطانيا بعثة مساحية لفلسطين ، عملت
فيها 4سنوات ، ثم أكملـت في لندن 4 سنوات أخرى ، ترصد النتائج
وتنظمـها ، حتى أصدرت العام 1888 م ، عشرة مجلدات عن قرى فلسطين ،
بكلّ شيء فيها ، حتى طيورها ، وزهورها ، وعن القدس كذلك ، ومعها 26
خريطة تفصيلية عن كلّ فلسطين.
ثـم استمـر الصهاينة في عدوانهم ، ومجازرهم ، ونهبهم الوطن الفلسطينـي
، واستـمرت الهزائم العربية ، بسبب الخيانات والموالاة للأعداء
،
حتى أخـذت القضية الفلسطينية منحى جديدا ومذهلا في أواخر 1987 بقيام
الانتفاضـة الأولى ، وقـد بدأت الانتفاضة الأولـى في 8 ديسمبر/كانون
الأول 1987 في قطاع غزة ، بعد حادث مروري متعمّد قتل 6فلسطينيين كان
مدبرا من جهاز الأمن الإسرائيلي للإنتقام لطعن إسرائيلي الأسبـوع
السابق ، قتـل نـحو 1,300 فلسطيني و80 صهيوني ، حتـى نهايـة 1991.
ونسـف العديد من المنازل الفلسطينية .
ثـم بعـدما انكشف الغطاء عن الخداع الصهيوني في مسيرة الإستسلام في
أوسلو ، انطلـقت الشرارة الأعظـم في تاريخ الجهاد الفلسطيني ، في
أيلول 2000م ، بالانتفاضة الثانية التي فجرت العمليات الإستشهادية ،
وصـعّدت المواجهة في فلسطين المحتلة إلى مستوى بالغ الخطـورة بالنسبة
للكيان الصهيوني.
مـن هنا دخل الخـط الإسلامـي على الجهاد الفلسطيني بقـوة ، وبدأ يخوض
تجربـة فريـدة في تاريخ الحركة الإسلامية .
صحيح أن هذه الإنتفاضة كانـت تقاد من ثلاث جهات ، السلطة الفلسطينية
التي لم تكن سوى نموذج لأحد الأنظمة العربية بأمراضها المعهودة ، فقد
أتخمت بالفساد ، وكانت السلطة قد أرغمت على الإنجرار وراء الإنتفاضـة
، لكنها بقيت متعلقة بإستجداء رضا أمريكا والصهاينة أيضا للبقاء في
مشروع أوسلو البائـس ، ولهذا لعبت أدوارا متناقضة ، بين رغبتها
الزائفة في الظهور بمظهر حركة تحرير وطني ، وبين إملاءات الخيانة وحب
السلطة التي كان يستحوذ عليها.
والجهة الثانية ، تنظيـم فتح ، الذي أراد الإستفادة مـن الانتفاضـة ،
لرفع أسهمـه ، وتحسين موقـعه ، لحصـد المكاسب في حال اتفاق مستقبلي مع
الصهاينة ، ولهذا دخل في منافسة حتى في العمليات الإستشهادية مع
التنظيمات الإسلامية ، وهي الجهة الثالثة والأقوى والقيادة الأعظم
للانتفاضـة الثانـية .
غيـر أن الجهة الثالثة : وهـي التنظيمات الإسلامية وعلى رأسها حركة
حماس ، قـد تربعت بجـلاء على عـرش الانتفاضة ، وقادت القضية
الفلسطينية عبـر جهاد باسل أثبتـت فيه أنهـا قادرة على التعبئة ،
والتنظيم ، والصمـود .
ثم إنهــا وجـدت نفسها بين شعـب يقدّر تضحياتهـا ، ويعجـب ببرنامجها ،
في وقـت قـد بلغ بـهذا الشعـب اليأس مبلغه بين خداع الصهاينة ، وخيانة
النظام العربي وعجزه ، وفساد السلطة ، وفشل التنظيمات الأخرى .
فأسلم إليها هذا الشعـب الباسـل السلطة ، وتفاجأت بعد قرارها ـ الذي
قادهـا لمأزق تكلمنا عليه في مقال سـابـق ـ الدخول في الإنتخابات ،
تفاجأت بأنها أصبحت على مسرح المشـهد بكامل تعقيداته ، الداخلية ،
والخارجية ، وقـد وضعـت بيدها ، أسلاك الألغام التي إذا تحركت بهـا
انفجرت ، وإذا بقيـت بيدها بقيـت في أزمـات متلاحقة !
ولاريب أن أخطـر هذه الأزمات المؤامرة الداخلية التي يقودها دحلان
وزمرته تحت غطاء السلطة ، وبدعم من بعض الأنظمة العربية الخائنة
،
وهدفـه هـو ذات الهدف الذي تقوده الحملة الغربية الصهيو صليبية على
الإسلام ، وهـو تحطيـم أي نهضة إسلامية للشعوب في بلادنا ، و وأد أي
تجربة ناجحـة في هذا الإطار ،
وهو نفس هدف اللنبي ، في حملتـه الصليبية الثامنة ، إنها الحملة
الصليبية التاسعـة ، أو العاشـرة ، أو ..إلـخ
ولسـنا في ريــب أن الحركة الإسلامية في فلسطين ، إنـما تخـوض اليـوم
هذه المعركة ، كما يخوضها الإسلام مع أعداءه في كلّ بقاع الأرض ،
وأنها ابـتُليـت بخونـة الداخـل الذين يجنّدهـم الأعداء ، ويحرّكهم
ويسلّحهـم خونـة الخارج ، وأنها قـد تكون اضطُرّت إلى ما اضطُرّت
إليــه من الصـدام الأخيــر الذي ربما سيتفاجؤون بثماره .
ومع درايتنا أيضـا أن في أبناء الشعب الفلسطيني الشامـخ من المنتمين
إلى التنظيمـات الأخرى من غـَررت بهم قياداتهـم ، وتحت وطأة الحاجة بل
الضرورة ، آلت بهم الأحوال البائسـة ، إلى وجودهـم منضوين تحت تلك
القيادات الفاسدة ، وأن الحركة الإسلامية تعـي هذا الوضع المعقـّد
وتضعـه في حسبانهـا .
غيـر أننـا أيضـا نؤكـد أن الخطـأ الإستراتيجي الذي وقعت القيادة
الإسلامية للانتفاضـة في دخول الإنتخابات ، هو الذي أخـذ ينقلها من
مأزق إلى مأزق ، حتى آل بها الحال إلى صـراع مجهـول العواقـب ، محفوف
بغموض النتائج بل خطورتـها .
وأخشى ما نخشـاه أن تجد نفسها ـ إن لم يكن قد وقع ـ في النهايــة بين
وعـود المشروع الإستعماري الصفوي الكاذبـة المخادعة ، هذا المشروع
الذي يفعل بالعـراق ، ويستعـد أن يفعل في غيـره ، ما فعله بن جوريون
في فلسطين حتى تغيير الأسماء العربية إلى فارسية ! ، وبين أنياب
المشروع الصهيو صليبي وأذنابه الذين ينفذون مخططاته سواء في فلسطين ،
أو العراق ، أو أفغانستان ، أو الصومال ، أو غيـرها.
ومن نظـر إلى ما هـم فيه في فلسطين الحبيبة ، في ظــل وعورة الطريق ،
وصعـوبة المرحلة ، وقسوة الأحوال ، وشدة المعاناة ، مع عظـم مكايد
الأعداء ، وضعف الأمـة ، وشتات أمرها،.
لم يملك مع شفقة الأخ على إخوانـه ، والمحـبّ لأبنـاء أمّتـه ، إلاّ
أن يدعـو لهـم بأنّ يرشدهم لمعرفـة أخطاءهم ، ويبصّرهم بطريق الخروج
من مأزقهـم ، وأن ينجيهـم مما هـم فيـه ، ويأخذ بأيديهـم إلى العاقبة
المحمودة ، وينصـرهم كما ينصـر الإسلام على أعداءه.
وأن يخـرج هذا الشعب المسلم المضطهد من محنتـه ، ويعـيد إليه ما
استلبه الأعداء منه ، في عـزّة تعـمّ بلاد الإسلام ، ونصـر ينهض بهذه
الأمـة إلى الأمـام .
آمين
حامد بن عبد الله العلي
أستاذ للثقافة الإسلامية في كلية التربية الأساسية في الكويت،وخطيب مسجد ضاحية الصباحية
- التصنيف: