حقيقة ما جرى ويجري في فلسطين

منذ 2008-04-14

... وأخـذت القضية الفلسطينية منحى جديدا ومذهلا في أواخر 1987 بقيام الانتفاضـة الأولى ، وقـد بدأت الانتفاضة الأولـى في 8 ديسمبر/كانون الأول 1987 في قطاع غزة ، بعد حادث مروري متعمّد قتل 6فلسطينيين كان مدبرا من جهاز الأمن الإسرائيلي للإنتقام لطعن


في العام 1871 أرسلت بريطانيا بعثة مساحية لفلسطين ، عملت فيها 4سنوات ، ثم أكملـت في لندن 4 سنوات أخرى ، ترصد النتائج وتنظمـها ، حتى أصدرت العام 1888 م ، عشرة مجلدات عن قرى فلسطين ، بكل شيء فيها ، حتى طيورها ، وزهورها ، وعن القدس كذلك ، ومعها 26 خريطة تفصيلية عن كل فلسطين.

كانت هذه الخرائط بحوزة الصليبي اللنبي في بداية إحتلاله لفلسطين عام 1917م ، وهو الذي وُضعت تحت صورته كلمتـُه المشهورة في الصحف البريطانية إذْ ذاك ( اليوم انتهت الحروب الصليبية ) ، ومعها إعـلان وزير الخارجية البريطاني في مجلس العموم ، أنّ حملة اللنبي هي الحملة الصليبية الثامنـة !

ثـم بعد ذلك كان وايزمان الصهيوني ، يلحّ على حكومة الاحتلال البريطاني ، لتوثيق كلّ شيء على أرض فلسطين ، فسجّلت حكومة الإحتلال كلّ قطعة أرض ، بهدف استيلاء حكومة الاحتلال البريطاني على كلّ مالا يثبت لدى مالك الأرض أنـّه صاحبـها ، حتى يتم تحويلها للإستيطان اليهودي وفق المادة السادسة من صك الانتداب .


ثم جـرت بعد ذلك أكبر عملية نهب منظمة بريطانية لوطــن ، وكانت بريطانيا تجمع ما تنهـب لتسلمها في النهاية للصهاينة ،

ثم إنطـلقت الخطوة الأولى للغزو الصهيوني لفلسطين ، في مارس 1948م ، وانتهت بعد عام في مارس 1949م ، وأسفـرت عن احتلال الصهاينة 78% من فلسطين ، إنطلاقا من قواعد تحت سيطرة الاحتلال البريطاني ، وكانت المساحة اليهودية قبل ذلك 5% فقط .

وأما الخطوة الثانية فكانـت التطهير العرقي ، بالإستيلاء على ممتلكات الأهالي ، تـمّ فيها تهجيـر أهالي 675 مدينة وقريـة فلسطينية، كانت تدمر فيها أكثر من ثلثي القرى المهجّرة ، وارتكـب الصهاينـة ما لايقل عن 73 مذبحة ، وعشرات جرائم الحرب ، بما فيها من حرق المحصولات ، وتسميم الآبار ، وقتل كل من يحاول العودة إلى بيته .

ثم جاءت الخطوة الثالثــة وهي عندما أمر بن جوريون قواته ، وخبراءه العسكريين ، والجغرافيين ، أن يمحـو كلّ أثـر للأسمـاء الفلسطينية سواء كانت عربية إسلامية ، أو لنصارى فلسطين ، أو حتى ما كان من أسماء من كنعانيـة قبل ذلك ، ووضع أسماء عبرية مكانهـا .


لكنّ الأعجـب من هذا كلّـه ، أن نابليون عندما غزا بلاد الشام عام 1801 ـ وهو الذي وجـه نداءً دعا فيه اليهود في آسيا ، وأفريقيا ، للالتحاق بجيشه من أجل دخول القدس ـ كان برفقته ضابط مساح اسمه ( جاكوتان ) ، وهـو الذي تعد خريطته هـي أول خريطة مفصلة لفلسطين ، وقد مسح فيها كلّ فلسطين ، وكان الهدف المعلن هـو تتبع خطوات السيد المسيح ، غـير أن ما تبع ذلك من حملات لجواسيس وخبراء طيلة القرن التاسع عشـر ، قـد كشف الوجه غير المعـلن ، وهو الإستيـلاء على هذه الأرض ونهبها في أكبر عملية سطو في التاريخ الحديث.

وفي هـذه الفترة بين ( جاكوتان ) وما بعده ، جاء ما ذكرناه في أول المقال أنه في العام 1871 أرسلت بريطانيا بعثة مساحية لفلسطين ، عملت فيها 4سنوات ، ثم أكملـت في لندن 4 سنوات أخرى ، ترصد النتائج وتنظمـها ، حتى أصدرت العام 1888 م ، عشرة مجلدات عن قرى فلسطين ، بكلّ شيء فيها ، حتى طيورها ، وزهورها ، وعن القدس كذلك ، ومعها 26 خريطة تفصيلية عن كلّ فلسطين.

ثـم استمـر الصهاينة في عدوانهم ، ومجازرهم ، ونهبهم الوطن الفلسطينـي ، واستـمرت الهزائم العربية ، بسبب الخيانات والموالاة للأعداء ،

حتى أخـذت القضية الفلسطينية منحى جديدا ومذهلا في أواخر 1987 بقيام الانتفاضـة الأولى ، وقـد بدأت الانتفاضة الأولـى في 8 ديسمبر/كانون الأول 1987 في قطاع غزة ، بعد حادث مروري متعمّد قتل 6فلسطينيين كان مدبرا من جهاز الأمن الإسرائيلي للإنتقام لطعن إسرائيلي الأسبـوع السابق ، قتـل نـحو 1,300 فلسطيني و80 صهيوني ، حتـى نهايـة 1991. ونسـف العديد من المنازل الفلسطينية .

ثـم بعـدما انكشف الغطاء عن الخداع الصهيوني في مسيرة الإستسلام في أوسلو ، انطلـقت الشرارة الأعظـم في تاريخ الجهاد الفلسطيني ، في أيلول 2000م ، بالانتفاضة الثانية التي فجرت العمليات الإستشهادية ، وصـعّدت المواجهة في فلسطين المحتلة إلى مستوى بالغ الخطـورة بالنسبة للكيان الصهيوني.

مـن هنا دخل الخـط الإسلامـي على الجهاد الفلسطيني بقـوة ، وبدأ يخوض تجربـة فريـدة في تاريخ الحركة الإسلامية .

صحيح أن هذه الإنتفاضة كانـت تقاد من ثلاث جهات ، السلطة الفلسطينية التي لم تكن سوى نموذج لأحد الأنظمة العربية بأمراضها المعهودة ، فقد أتخمت بالفساد ، وكانت السلطة قد أرغمت على الإنجرار وراء الإنتفاضـة ، لكنها بقيت متعلقة بإستجداء رضا أمريكا والصهاينة أيضا للبقاء في مشروع أوسلو البائـس ، ولهذا لعبت أدوارا متناقضة ، بين رغبتها الزائفة في الظهور بمظهر حركة تحرير وطني ، وبين إملاءات الخيانة وحب السلطة التي كان يستحوذ عليها.

والجهة الثانية ، تنظيـم فتح ، الذي أراد الإستفادة مـن الانتفاضـة ، لرفع أسهمـه ، وتحسين موقـعه ، لحصـد المكاسب في حال اتفاق مستقبلي مع الصهاينة ، ولهذا دخل في منافسة حتى في العمليات الإستشهادية مع التنظيمات الإسلامية ، وهي الجهة الثالثة والأقوى والقيادة الأعظم للانتفاضـة الثانـية .

غيـر أن الجهة الثالثة : وهـي التنظيمات الإسلامية وعلى رأسها حركة حماس ، قـد تربعت بجـلاء على عـرش الانتفاضة ، وقادت القضية الفلسطينية عبـر جهاد باسل أثبتـت فيه أنهـا قادرة على التعبئة ، والتنظيم ، والصمـود .

ثم إنهــا وجـدت نفسها بين شعـب يقدّر تضحياتهـا ، ويعجـب ببرنامجها ، في وقـت قـد بلغ بـهذا الشعـب اليأس مبلغه بين خداع الصهاينة ، وخيانة النظام العربي وعجزه ، وفساد السلطة ، وفشل التنظيمات الأخرى .

فأسلم إليها هذا الشعـب الباسـل السلطة ، وتفاجأت بعد قرارها ـ الذي قادهـا لمأزق تكلمنا عليه في مقال سـابـق ـ الدخول في الإنتخابات ، تفاجأت بأنها أصبحت على مسرح المشـهد بكامل تعقيداته ، الداخلية ، والخارجية ، وقـد وضعـت بيدها ، أسلاك الألغام التي إذا تحركت بهـا انفجرت ، وإذا بقيـت بيدها بقيـت في أزمـات متلاحقة !

ولاريب أن أخطـر هذه الأزمات المؤامرة الداخلية التي يقودها دحلان وزمرته تحت غطاء السلطة ، وبدعم من بعض الأنظمة العربية الخائنة ،
وهدفـه هـو ذات الهدف الذي تقوده الحملة الغربية الصهيو صليبية على الإسلام ، وهـو تحطيـم أي نهضة إسلامية للشعوب في بلادنا ، و وأد أي تجربة ناجحـة في هذا الإطار ،

وهو نفس هدف اللنبي ، في حملتـه الصليبية الثامنة ، إنها الحملة الصليبية التاسعـة ، أو العاشـرة ، أو ..إلـخ

ولسـنا في ريــب أن الحركة الإسلامية في فلسطين ، إنـما تخـوض اليـوم هذه المعركة ، كما يخوضها الإسلام مع أعداءه في كلّ بقاع الأرض ، وأنها ابـتُليـت بخونـة الداخـل الذين يجنّدهـم الأعداء ، ويحرّكهم ويسلّحهـم خونـة الخارج ، وأنها قـد تكون اضطُرّت إلى ما اضطُرّت إليــه من الصـدام الأخيــر الذي ربما سيتفاجؤون بثماره .

ومع درايتنا أيضـا أن في أبناء الشعب الفلسطيني الشامـخ من المنتمين إلى التنظيمـات الأخرى من غـَررت بهم قياداتهـم ، وتحت وطأة الحاجة بل الضرورة ، آلت بهم الأحوال البائسـة ، إلى وجودهـم منضوين تحت تلك القيادات الفاسدة ، وأن الحركة الإسلامية تعـي هذا الوضع المعقـّد وتضعـه في حسبانهـا .

غيـر أننـا أيضـا نؤكـد أن الخطـأ الإستراتيجي الذي وقعت القيادة الإسلامية للانتفاضـة في دخول الإنتخابات ، هو الذي أخـذ ينقلها من مأزق إلى مأزق ، حتى آل بها الحال إلى صـراع مجهـول العواقـب ، محفوف بغموض النتائج بل خطورتـها .

وأخشى ما نخشـاه أن تجد نفسها ـ إن لم يكن قد وقع ـ في النهايــة بين وعـود المشروع الإستعماري الصفوي الكاذبـة المخادعة ، هذا المشروع الذي يفعل بالعـراق ، ويستعـد أن يفعل في غيـره ، ما فعله بن جوريون في فلسطين حتى تغيير الأسماء العربية إلى فارسية ! ، وبين أنياب المشروع الصهيو صليبي وأذنابه الذين ينفذون مخططاته سواء في فلسطين ، أو العراق ، أو أفغانستان ، أو الصومال ، أو غيـرها.

ومن نظـر إلى ما هـم فيه في فلسطين الحبيبة ، في ظــل وعورة الطريق ، وصعـوبة المرحلة ، وقسوة الأحوال ، وشدة المعاناة ، مع عظـم مكايد الأعداء ، وضعف الأمـة ، وشتات أمرها،.

لم يملك مع شفقة الأخ على إخوانـه ، والمحـبّ لأبنـاء أمّتـه ، إلاّ أن يدعـو لهـم بأنّ يرشدهم لمعرفـة أخطاءهم ، ويبصّرهم بطريق الخروج من مأزقهـم ، وأن ينجيهـم مما هـم فيـه ، ويأخذ بأيديهـم إلى العاقبة المحمودة ، وينصـرهم كما ينصـر الإسلام على أعداءه.

وأن يخـرج هذا الشعب المسلم المضطهد من محنتـه ، ويعـيد إليه ما استلبه الأعداء منه ، في عـزّة تعـمّ بلاد الإسلام ، ونصـر ينهض بهذه الأمـة إلى الأمـام .

آمين

المصدر: خاص بإذاعة طريق الإسلام

حامد بن عبد الله العلي

أستاذ للثقافة الإسلامية في كلية التربية الأساسية في الكويت،وخطيب مسجد ضاحية الصباحية