كيف تكون السياسة؟

منذ 2014-05-12

ليت حكام اليوم يتعلمون من سلف الأمة كيف تكون السياسة، وما معنى تحمل المسئولية.. فهمها الخلفاء ومن بعدهم فهماً صحيحاً مستنيراً، فعلموا أن سياسة الرعية هي خدمتهم خدمة شاقة في حقيقة الأمر، فالحاكم خادم للشعب مسئول أمام الله ثم أمام شعبه عن هذه المسئولية العظيمة.

ليت حكام اليوم يتعلمون من سلف الأمة كيف تكون السياسة، وما معنى تحمل المسئولية..
فهمها الخلفاء ومن بعدهم فهماً صحيحاً مستنيراً، فعلموا أن سياسة الرعية هي خدمتهم خدمة شاقة في حقيقة الأمر، فالحاكم خادم للشعب مسئول أمام الله ثم أمام شعبه عن هذه المسئولية العظيمة.

لنفتح القليل من أوراق عمر بن الخطاب ولنرى كيف كانت وما هي السياسة؟
"كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يذهب إلى العوالي كل يوم سبت، فإذا وجد عبدًا في عمل لا يطيقه وضع عنه" (رواه مالك).

وعن زيد بن أسلم، عن أبيه، قال: "خرجت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى السوق، فلحقت عمر امرأة شابَّة فقالت: يا أمير المؤمنين هلك زوجي، وترك صبية صغارًا، والله ما ينضجون كراعًا، ولا لهم زرع، ولا ضرع، وخشيت أن تأكلهم الضبع، وأنا بنت خُفاف بن إِيماء الغفاري، وقد شهد أبي الحديبية مع النَّبي صلى الله عليه وسلم، فوقف معها عمر ولم يمض، ثُمَّ قال: مرحبًا بنسب قريب، ثم انصرف إلى بعير ظهير كان مربوطًا في الدار، فحمل عليه غرارتين ملأهما طعامًا وحمل بينهما نفقة وثيابًا، ثم ناولها بخطامه، ثُمَّ قال: اقتاديه فلن يفنى حتى يأتيكم الله بخير، فقال رجل: يا أمير المؤمنين، أكثرت لها، قال عمر: ثكلتك أمُّك، والله إني لأرى أبا هذه وأخاها قد حاصرا حصنا زمانًا فافتتحاه، ثم أصبحنا نستفيء سهمانهما فيه" (رواه البخاري:4160).

وفي تاريخ الطبري عن زيد بن أسلم عن أبيه قال: "خرجت مع عمر بن الخطاب رحمه الله إلى حرة واقم، حتى إذا كنا بصرار إذا نار تؤرث، فقال: يا أسلم، إني أرى هؤلاء ركباً قصر بهم الليل والبرد، انطلق بنا فخرجنا نهرول حتى دنونا منهم، فإذا امرأة معها صبيان لها وقدر منصوبة إلى النار وصبيانها يتضاغون، فقال عمر: السلام عليكم يا أصحاب الضوء -وكره أن يقول: يا أصحاب النار- قالت: وعليك السلام، قال: أأدنوا؟ قالت: ادن بخير أو دع، فدنا فقال: ما بالكم؟ قالت: قصر بنا الليل والبرد، قال: فما بال هؤلاء الصبية يتضاغون؟ قالت: الجوع، قال: وأي شيء في هذا القدر؟ قالت: ماء أسكتهم به حتى يناموا، الله بيننا وبين عمر! قال: أي رحمك الله، ما يدري عمر بكم! قالت: يتولى أمرنا ويغفل عنا!

فأقبل علي، فقال: انطلق بنا، فخرجنا نهرول، حتى أتينا دار الدقيق، فأخرج عدلاً فيه كبة شحم، فقال: احمله علي، فقلت: أنا أحمله عنك، قال: احمله علي، مرتين أو ثلاثاً كل ذلك أقول: أنا أحمله عنك، فقال لي في آخر ذلك: أنت تحمل عني وزري يوم القيامة، لا أم لك! فحملته عليه، فانطلق وانطلقت معه نهرول، حتى انتهينا إليها، فألقى ذلك عندها، وأخرج من الدقيق شيئاً فجعل يقول لها: ذري علي، وأنا أحرك لك، وجعل ينفخ تحت القدر وكان ذا لحية عظيمة فجعلت أنظر إلى الدخان من خلل لحيته حتى أنضج وأدم القدر ثم أنزلها، وقال: ابغني شيئاً، فأتيته بصفيحة فأفرغها فيها..

ثم جعل يقول: أطعميهم، وأنا أسطح لك، فلم يزل حتى شبعوا، ثم خلى عندها فضل ذلك، وقام وقمت معه، فجعلت تقول: جزاك الله خيراً! أنت أولى بهذا من أمير المؤمنين! فيقول: قولي خيراً، إنك إذا جئت أمير المؤمنين وجدتني هناك إن شاء الله، ثم تنحى ناحية عنها، ثم استقبلها وربض مربض السبع، فجعلت أقول له: إن لك شأنًا غير هذا، وهو لا يكلمني حتى رأيت الصبية يصطرعون ويضحكون ثم ناموا وهدؤوا، فقام وهو يحمد الله ثم أقبل علي فقال: يا أسلم، إن الجوع أسهرهم وأبكاهم، فأحببت ألا أنصرف حتى أرى ما رأيت منهم" (انتهى).

وفي كنز العمال عن أنس: "أن رجلاً من أهل مصر أتى عمر بن الخطاب فقال: يا أمير المؤمنين عائذ بك من الظلم، قال: عذت معاذاً، قال: سابقت ابن عمرو بن العاص فسبقته فجعل يضربني بالسوط ويقول: أنا ابن الأكرمين، فكتب عمر إلى عمرو يأمره بالقدوم ويقدم بابنه معه فقدم، فقال عمر: أين المصري، خذ السوط فاضرب فجعل يضربه بالسوط ويقول عمر اضرب ابن الأكرمين"، قال أنس: "فضرب فو الله لقد ضربه ونحن نحب ضربه، فما أقلع عنه حتى تمنينا أنه يرفع عنه، ثم قال عمر للمصري: ضع السوط على صلعة عمرو، فقال: يا أمير المؤمنين إنما ابنه الذي ضربني وقد استقدت منه، فقال عمر: لعمرو مذ كم تعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً؟ قال: يا أمير المؤمنين لم أعلم ولم يأتني".

عن زيد بن وهب قال: "خرج عمر رضي الله عنه ويداه في أذنيه وهو يقول: يا لبيكاه يا لبيكاه، قال النَّاس: ما له؟ قال: جاءه بريد من بعض أمرائه أنَّ نهرًا حال بينهم وبين العبور ولم يجدوا سفنًا، فقال أميرهم: اطلبوا لنا رجلًا يعلم غور الماء، فأتي بشيخ فقال: إني أخاف البرد وذاك في البرد، فأكرهه فأدخله، فلم يلبثه البرد، فجعل ينادي: يا عمراه يا عمراه! فغرق، فكتب إليه فأقبل فمكث أيامًا معرضًا عنه، وكان إذا وجد على أحد منهم فعل به ذلك، ثم قال: ما فعل الرجل الذي قتلته؟ قال: يا أمير المؤمنين، ما تعمدت قتله، لم نجد شيئًا يعبر فيه، وأردنا أن نعلم غور الماء، ففتحنا كذا وكذا، وأصبنا كذا وكذا، فقال عمر رضي الله عنه: لرجل مسلم أحبُّ إليَّ من كلِّ شيء جئت به، لولا أن تكون سُنَّة لضربت عنقك، اذهب فأعط أهله ديته، واخرج فلا أراك" (رواه البيهقي في السنن الكبرى:8/559، 17555).

وغيرها الكثير مما لا يتحمل المقال ولا المقام لذكره.

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

أبو الهيثم محمد درويش

دكتوراه المناهج وطرق التدريس في تخصص تكنولوجيا التعليم من كلية التربية بجامعة طنطا بمصر.