كيف تربي طفلًا منظمًا؟

منذ 2014-05-13

عزيزي المربي.. إنّ اكتسابك سلوكيات التنظيم، يعلم أبناءك هذا السلوك الراقي، فالقدوة الحسنة خير وسيلة لتعويد الطفل على النظام.

(ما دام هناك أطفال صغار في البيت؛ فلا بد أن هناك فوضى!). عزيزي المربي.. ما هو تقييمك لهذه العبارة؟ هل هي صواب أم خطأ؟ أحسنت.. إنها غير صحيحة، فعلى الرغم من أنها جملة خبرية تبدو صحيحة قاطعة مثل قوانين الفيزياء، إلا أنها في الحقيقة عارية من الصواب، تعبر فقط عن تصورات قائلها، وضعف خبراته العملية في تربية الأبناء!

 

ففي المراحل الأولى من عمر الطفل تكثر حركته ويكون اللعب من أعماله اليومية، وذلك أمر طبيعي يجب أن يتقبله الوالدان، وهو في الوقت نفسه لا يتعارض مع تعليم الطفل النظام من صغره حتى يصير من عاداته الثابتة. ولكن تبقى هناك حلقة مفقودة لدى كثير من الآباء والأمهات بين تفهّم خصائص النمو الطبيعي للطفل، وكيفية تدريبه على العادات السليمة في النظام وغيره أثناء مروره بتلك المراحل، فيلجأ الكثير منهم إلى تأجيل تدريب الطفل على السلوك السليم تحت تصور أنه سيتعلم حين يكبر! وهذا بالطبع تصور خطأ، فهل سيتعلم الطفل من تلقاء نفسه؟ ومن الذي سوف يعلمه؟ وهل يكفي أن يعلم أم لا بد من تدريبه على العادات الحسنة والسلوك السليم يوميًا؟ وما ذاك عزيزي المربي سوى معنى التربية التي هي صميم عمل الوالدين، والتفريط فيها يعد إهمالاً يحاسب عليه المرء يوم القيامة بين يدي الله عزّ وجلّ، قال نبينا صلى الله عليه وسلم: «إنّ الله سائلٌ كل راعٍ عما استرعاه: حفظَ أم ضيّع؟»(صححه الألباني).

 

وإليك عزيزي المربي أهم الخطوات العملية لتربية طفلك على النظام:

- كن منظمًا في كل شؤونك:

عزيزي المربي.. إنّ اكتسابك سلوكيات التنظيم، يعلم أبناءك هذا السلوك الراقي، فالقدوة الحسنة خير وسيلة لتعويد الطفل على النظام، إذ أن الطفل بطبعه ينمو علي التقليد ويقلد غالبًا من يحبهم ويعاشرهم لأوقات طويلة، كالوالدين والأشقاء ومجتمع المدرسة، فكونه ينمو ويكبر وهو يرى مَن حوله من الكبار يمارسون النظام سلوكًا عمليًا في كل شؤونهم؛ فيجعله هذا الوسط المنظم يتشرب سلوك النظام والترتيب فلا يحسن غيره من الفوضى والبعثرة.

 

- ربط الأبناء بمظاهر النظام في الخلق والكون:

فالملائكة الأطهار منظمون، فقد أخبرنا الله تعالى بجملة من صفاتهم في القرآن الكريم، ومنها النظام في أعمالهم وعبادتهم، قال تعالى: {وَالصَّافَّاتِ صَفًّا} [الصافات:1]، فهذا قسمٌ من الله تعالى بالملائكة الذين يصفّون أنفسهم صفًّا لعبادة الله تعالى، وقال تعالى أيضًا على لسان الملائكة وهى تخبر عن عبادتها المنظمة لله تعالى: {وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ . وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ} [الصافات:165، 166]، وقد حثّنا النبي صلى الله عليه وسلم على الاقتداء بهم في ذلك فقال: «ألا تصفّون كما تصفّ الملائكة عند ربها؟» قالوا: يا رسول الله، وكيف تصفّ الملائكة عند ربها؟ قال: «يتمُّون الصفوف ويتراصّون في الصفّ» (رواه مسلم).

 

كما يمكنك عزيزي المربي أن توجه أنظار ولدك إلى مظاهر النظام في ممالك الطير والحيوان والحشرات، ليدرك كيف تعيش حياتها بنظام بديع، مثلاً: مملكة النحل وهذا النظام الدقيق الذي تعيش به، فبالرغم من صغرها إلا أنها تعيش حياة منتظمة تصنع بيوتها من الشمع في أشكال سداسية متساوية الأضلاع في غاية من الدقة والإتقان وكأنها قرأت كتاب إقليدس، هل تدري لماذا؟ لأن المطلوب من الدُورِ هو الوثاقة والسعة، والشكل المسدس دون سائر الأشكال إذا انضمت بعض أشكاله إلى بعض صار طبقًا واحدًا محكمًا، فعلمت النحل أنها تحتاج إلى أن تبنى بيوتها من أشكال موصوفة بصفتين:

إحداهما: ألا تكون زواياها ضيقة حتى لا يبقى الموضع الضيق معطلاً ولكي لا تتجمع فيه القاذورات.

الثانية: أن تكون تلك البيوت على أشكال إذا انضم بعضها إلى بعض لا يبقى منها أي مسحة ضائعة، والشكل الّذي تتوفر فيه هاتين الصفتين معًا هو الشكل المسدس، لا المثلث ولا المربع، فمن الّذي علمها وهداها أن تبني بيوتها على هذا الشكل المتقن بدون مسطرة أو آلة هندسية؟ إنه الله تعالى: {الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} [طه:50]، والذي خلق الكون كله مؤسسًا على نظام بديع فتبارك الله أحسن الخالقين.

 

- تعريف الأبناء بأهمية النظام والتخطيط:

إنّ إقناع الأبناء بأهمية النظام وبحجم الفوائد التي تعود عليهم في جوانب حياتهم إذا أخذوا به كمنهج حياة، أجدى بكثير من محاولة قسرهم على النظام بأسلوب الأوامر العسكرية التي لا تقبل النقاش، ففرق كبير بين أن يحرص الابن على النظام لإدراكه أنه شعار الإسلام الذي يعتز به، وميزة خُلقية يتميز بها، وأنه أنفع له في شؤون حياته المختلفة، وبين أن يقوم بالمحافظة على النظام تحت التهديد والمراقبة وإيقاع العقاب الشديد عند أدنى مخالفة..! فعندئذ سيلتزم الطفل بالنظام لكن وهو يكرهه ويتمنى أن تواتيه الفرصة ليتفلّت منه، لذلك من الأفضل إبراز أهم فوائد النظام للأبناء والتأكيد عليها المرة تلو المرة بلا ملل حتى تتكون لديهم القناعة بأن النظام هو الأصل الصحيح والعشوائية والفوضى هو التصور الخاطئ المرفوض، ومن أهم تلك الفوائد:

 

- أن النظام طاعة لله تعالى الذي خلق الكون ورتب كل شيء فيه بنظام دقيق، قال تعالى: {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا} [الفرقان:2] وأمرنا بالنظام في كل أمور ديننا ودنيانا.

- في التنظيم حفاظٌ على الوقت بدلاً من إضاعته في البحث عن المفقودات من المتعلقات والمعلومات، مما يوفر وقتًا للراحة والاسترخاء.

- النظام يجعل الإنسان مستعدًا للقيام بأكثر من عمل مفيد في نفس الوقت، فبدلاً من أن تضيع يومك كله في إنجاز واجبك المدرسي، سيتسع الوقت -إذا التزمت بتنظيم وقتك وإنجاز أعمالك- للمزيد من اللعب، وممارسة الهوايات (هداية الله أحمد الشاش: موسوعة التربية العملية للطفل، ص505).

- النظام يحمي الشخص المنظم والمخطِّط من الملل والانقطاع، ويكسبه صفة المثابرة و الاستمرارية في العمل بشكل دائم، وهذا المبدأ مستمد من حديث النبي صلى الله عليه وسلم: «أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قلّ» (رواه مسلم).

- النظام يجعلك تنتهي من الواجبات الدراسية وتستعد للامتحانات مبكرًا وبدرجة استعداد أفضل.

- يعرفك نقاط القوة والضعف لديك، بحيث تعرف الصعوبات التي تواجهها وبالتالي تستطيع مواجهتها.

- يعتبر العمل المنظم هو أقصر طريق يصل منه الإنسان إلى تحقيق أهدافه، حيث يكون الهدف واضحًا، وباتباع التخطيط والعمل المنتظم والمواظبة عليه تستطيع أن تصل على أي هدف تريد (تربية الأبناء على التخطيط والنظام، خالد بهاء، ص:39).

 

- تدريب الأبناء على تصحيح الأخطاء وتعديل السلوك، لأن ذلك يعتبر من أبرز الأساليب وأنفعها لحفظ النظام أن يحرص الإنسان على تقويم وتصحيح ما قد يصدر عنه من سلوكياتٍ خاطئةٍ غير مقصودة، وأن يرجع إلى جادة الصواب إذا ما وقع في الخطأ، وبهذا الأسلوب كان النبي صلى الله عليه وسلم يوجّه أصحابه، فعن معاذ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: «يا معاذ، أتبِع السيئة بالحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن» (رواه أحمد، الحديث رقم 22039) (د. صالح بن علي أبو عرّاد، مقالة: النظام في التربية النبوية).

 

- توجيه الأبناء إلى احتساب النية في خُلق النظام حتى يؤجروا عليه، لأن حفظ النظام واحترامه في حياة الإنسان المسلم هو منهج وأسلوب للحياة السليمة التي تسبب له النجاح والسعادة، ويمكنه أن يجعل من محافظته على النظام عبادةً يُثابُ عليها ويؤجر متى أخلص النية في ذلك، وابتغى بها وجه الله تعالى انطلاقًا من قوله صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنيَّات، وإنما لكل امرئٍ ما نوى» (رواه البخاري).

- (أحمد طفل منظم ومرتب، ونحن نعتز بوجود الطفل المسلم المنظم بيننا) هذا نموذج لعبارة تشجيعية يمكنك عزيزي المربي أن تعلقها على أحد الجدران في مكان بارز من المنزل كصورة من صور التشجيع لطفلك المنظم.

 

وأخيرًا..عزيزي المربي:

ذكّر ولدك دائماً بهذه العبارات:

تذكر أنك تدرس وتتعلم وتخطط وتنظم لنفسك، ولا يوجد أحد ليقوم بعملك عنك..!

إذا فشلت في إنجاز واجباتك في وقتها؛ فستتحمل أنت العواقب وحدك..!

سيكون لديك الكثير من الوقت لتمرح وتلعب إذا انتهيت من أداء أعمالك بسرعة.. وهكذا مع التذكير والتدريب وكثير من الحب والتشجيع يصير ولدك ناجحًا منظمًا إن شاء الله تعالى.

 

المراجع:

- موسوعة التربية العملية للطفل، هداية الله أحمد الشاش.

- مقالة (التربية النبوية والنظام)، د.صالح أبو علي أبو عرّاد.

- تربية الأبناء علة التخطيط والنظام، خالد بهاء.

- مقالة: النظام في التربية النبوية، د. صالح بن علي أبو عرّاد.

سحر محمد يسري

المصدر: موقع مفكرة الإسلام