الوالدان، نهر الحياة وشريانها المتدفقن، كيف نبرهما؟
من أصعب الأشياء أن تكتب عن شخصين هما سبب وجودك في هذه الحياة بعد الله عزَّ وجلَّ وهما من أضاءا الكون لك. بَذَلا كل ما يستطيعان من أجلك، ضَحَّيا.. سهرا.. قاسيا نوائب الحياة.. ومع هذا كله ما زال عطاؤهما مستمرًا كالنهر الجاري الذي لا يقف عند حد.
من أصعب الأشياء أن تكتب عن شخصين هما سبب وجودك في هذه الحياة بعد الله عزَّ وجلَّ وهما من أضاءا الكون لك. بَذَلا كل ما يستطيعان من أجلك، ضَحَّيا.. سهرا.. قاسيا نوائب الحياة.. ومع هذا كله ما زال عطاؤهما مستمرًا كالنهر الجاري الذي لا يقف عند حد.
فهل وفيناهما حقهما؟!
هل.. وهل.. وهل..
تساؤلات كثيرة تدور في مخيلتي مما جعلني أقوم بإجراء هذا التحقيق وشاركني أطفال أعمارهم ما بين 9-21 سنة فبدأت بالسؤال:
كيف تبر بوالديك؟
عمر الشمري: الدعاء لهما في الصلاة وطاعتهما.
آلاء المدني: طاعتهما والدعاء لهما، وعدم المشي أمامهما، ولا بدء الأكل قبلهما وشكرهما.
أروى الحقباني: الإحسان لهما في القول والعمل، وعدم التضجر منهما ورفع الصوت عليهما.. رعايتهما عند الكبر.
جمانة الصغير: رعايتهما عند الكبر والدعاء لهما وطاعتهما في غير معصية الله وشكرهما.
ديمة الجار الله: الدعاء لهما وطاعتهما وتقديم أمورهما على فعل النوافل والانفاق عليهما ورعايتهما في الكبر وخفض الجناح لهما وعدم رفع الصوت عليهما.
رهف العضيلة: طاعتهما واحترامهما أثناء الكلام معهما والسلام عليهما كل ما دخلت المنزل والدعاء لهما ورعايتهما.
منال الدوه: مساعدتهما وعدم إزعاجهما وعدم رفع الصوت عند التحدث معهما.
عمر: بالسماع لكلامهما وطاعتهما وترك ما ينهيانا عن فعله وفعل ما يأمراننا به.
تركي: سماع كلامهما وأداء الصلاة في المسجد وخصوصًا الفجر وحينما يوقظاني للمدرسة.
عبد الملك: مساعدتهما في المنزل وعدم إغضابهما وشراء الهدايا لهما والدعاء لهما وأساعد أمي في المطبخ فذلك ليس عيبًا.
وسألناهم: لماذا تبر والديك؟
عمر: أمرنا الله ورسوله صلى الله عليه وسلم بذلك فطاعتهما واجبة.
تركي: لأن الله أمرنا بذلك وطاعتهما سبب في دخول الجنة.
عبد الملك: أمرنا الله بذلك وقرن طاعته بطاعتهما ورضاه برضاهما وندخل الجنة.
- رسائل صادقة
وهذه رسائل خطتها أيديهم ليعبروا عما في داخلهم..
عمر الشمري: أشكركما يا أبي وأمي على ما بذلتموه من أجلي وسأدعو لكما.. ربي ارحمهما كما ربياني صغيرًا.
حمود المحيفر: إلى والديّ الغاليين.. أشكركما على تربيتي الحسنة والجميلة. وسأرد لكما الجميل عند كبركما، وسأعتني بكما كما اعتنيتما بي وأنا أحبكما كثيرًا.
آلاء المدني: إلى أمي الحبيبة.. أشكرك لتربيتي وعنايتك بي في صغري..
أبي الحبيب.. أشكرك لأنك تعبت من أجلنا.
منال الدوه: أمي الحبيبة أعجز عن شكرك لأنك عملت من أجلي وتعبت في حملي.
أبي الحبيب.. كم سعيت لتربيتي وتكبيري وتعليمي وها أنا كبرت يا أبي، فأنا أشكرك من أعماق قلبي.
ديمة الجار الله: إلى أمي وأبي الغاليين، إلى مثلي الأعلى.. إلى من ربياني وأحسنا تربيتي، إلى من سهرا من أجلي.. أمي.. أبي.. أشكركما على تربيتكما وصبركما علي، فأنتم قدوتي في الحياة وأدعو الله أن يحفظكما من كل مكروه.
أروى الحقباني: والديّ الأعزاء:
أنتما سبب وجودي بعد الله سبحانه، أحسنتم تربيتي وأخذتم بيدي لأتخطى الصعاب. أطال الله في عمريكما وحفظكما من كل مكروه.
جمانة الصغير: إلى أمي وأبي الحبيبين.. أشكركما على تعبكما وحرصكما.. فمهما كتبت أو قلت فلن أوفيكما حقكما.. لا أريد إلا رضاكما بعد الله..
اللهم اجمعني معهم في جنة الفردوس الأعلى من الجنان.. اللهم آمين.
رمز الحب ومنبعه
رهف العضيلة: إلى أمي الحنونة.. إلى أبي الرؤوم.
يا مدرسة الإيمان وبر الأمان ووصية الرحمن..
إلى رمز الحب ومنبعه.. إلى من دفعاني إلى قمة المجد.. إليكما قطرة من الخليج وزهرة من بستان الأريج.. وكلمات حب من قلبي البهيج.. إلى الصابرين في زمن نفاد الصبر.. إليكما فلساني يعجز عن الكلام والعقل عن التفكير والقلب عن التعبير، فأرجو منكما أن تقبلا مني هذا الدعاء: ربي ارحمهما كما ربياني صغيرًا..
هذه رسائل أبنائنا وبناتنا لوالديهم فلا بد أن نقف وقفات مع أنفسنا ونحاسبها ونعرف معنى البر.
- معنى البر:
البر هو الإحسان ومنه قال صلى الله عليه وسلم: «البر حسن الخلق وهو في حق الوالدين والأقربين واجب»
- فضل البر:
عرفنا معنى البر فما فضله لنجتهد أكثر؟
دلت النصوص الشرعية على فضل البر وأنه مفتاح للخير فمن فضائله.
- أنه سبب لدخول الجنة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «رغم أنفه.. رغم أنفه.. رغم أنفه» قيل مَنْ يا رسول الله؟ قال: «من أدرك والديه عند الكبر أحدهما أو كليهما ثم لم يدخل الجنة؟» (رواه مسلم والترمذي).
- أنه من أحب الأعمال إلى الله، فعن أبي عبدالرحمن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: «سألت النبي صلى الله عليه وسلم أي العمل أحب إلى الله؟». قال: «الصلاة على وقتها». قلت ثم أي؟ قال: «بر الوالدين». قلت ثم أي؟ قال: «الجهاد في سبيل الله» (متفق عليه).
- بر الوالدين مقدم على الجهاد في سبيل الله عزّ وجلّ: عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: أقبل رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أبايعك على الهجرة والجهاد وابتغي الأجر من الله تعالى فقال صلى الله عليه وسلم: «هل من والديك أحد حي؟» قال: نعم بل كلاهما. قال: «فتبتغي الأجر من الله تعالى؟» قال: نعم. قال: «فارجع فأحسن صحبتهما» (متفق عليه).
وهذا لفظ مسلم وفي رواية لهما: جاء رجل فاستأذنه في الجهاد فقال: «أحي والداك؟» قال: نعم. قال: «ففيهما فجاهد».
- رضا الرب:
- رضا الرب في رضا الوالدين: عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «رضا الرب في رضا الوالدين، وسخط الرب في سخط الوالدين» (رواه الترمذي وصححه ابن حبان والحاكم).
- البر منجاة من مصائب الدنيا، بل هو سبب تفريج الكروب، وذهاب الهم والحزن كما ورد في شأن نجاة أصحاب الغار، وكان أحدهم بارًا بوالديه ويقدمهما على زوجته وأولاده.
- أنواع البر:
بعد ما عرفنا معنى البر وفضله، فالكل منا يتساءل: كيف نبرهما؟
فللبر ولله الحمد أنواع عدة ونذكر على سبيل المثال وليس الحصر:
1- فعل الخير وإتمام الصلة وحسن صحبتهما {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً} [الأنعام: 151]. جاء الإحسان في الآية بصيغة التنكير مما يدل على أنه عام يشمل الإحسان في القول والعمل والأخذ والعطاء.
2- عدم رفع الصوت عليهما أو مقاطعتهما في الكلام، والكذب عليهما وإشعارهما بالذل لهما وتقديمهما في الكلام والمشي احترامًا لهما وإجلالاً لقدرهما.
3- شكرهما والدعاء لهما، قال تعالى: {وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً} [الإسراء: 24]، وأن يؤثرهما على رضا نفسه وزوجته وأولاده.
4- رعايتهما وخاصة عند الكبر وملاطفتهما وإدخال السرور عليهما وحفظهما من كل سوء وأن نقدم لهما كل ما يرغبان فيه ويحتاجان إليه.
5- الإنفاق عليهما عند الحاجة. قال تعالى: {قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ} [البقرة: 215].
6- الدعاء لهما بعد موتهما وبر صديقهما وإنفاذ وصيتهما.
- عهد السلف:
هذه صور مشرقة من البر في عهد السلف الصالح علنا نتعظ منها ونتشبه بفعلهم:
- عن أنس بن النضير الأشجعي: استقت أم ابن مسعود ماء في بعض الليالي فذهب فجاءها بشربة فوجدها قد ذهب بها النوم فثبت بالشربة عند رأسها حتى أصبح.
- ظبيان بن علي الثوري، وكان من أبر الناس بأمه، وكان يسافر بها من مكة فإذا كان يوم حار حفر بئرًا ثم جاء بنطع فصب فيه الماء ثم يقول لها: ادخلي تبردي في هذا الماء.
- وكان حيوة بن شريح وهو أحد أئمة المسلمين، يقعد في حلقته يعلم الناس فتقول له أمه: قم يا حيوة فالق الشعير للدجاج فيقوم ويترك التعليم.
- اختصاص الأم بالبر:
اختصاص الأم بمزيد من البر لحاجتها وضعفها وسهرها وتعبها في الحمل والولادة والرضاعة. قال تعالى: {وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} [لقمان: 14].
- البر بعد الموت:
بر الوالدين لا يقتصر على فترة حياتهما، بل يمتد إلى ما بعد مماتهما ويتسع ليشمل ذوي الأرحام وأصدقاء الوالدين.
جاء رجل من بني سلمة فقال: يا رسول الله. هل بقي من بر أبويَّ شيء أبرهما بعد موتهما؟ قال: «نعم. الصلاة عليهما والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما بعدهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما وإكرام صديقهما» (رواه أبو داود والبيهقي).
وهذا من فضل ربي علينا وعلى من فقد والديه.
- التحذير من العقوق:
وبعدما تحدثنا عن البر، لا بد أن نحذر من العقوق، لأن نتيجته وخيمة ووصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم بأكبر الكبائر فقال: «ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قلنا بلى يا رسول الله. قال: «الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وكان متكئاً فجلس فقال: «ألا وقول الزور وشهادة الزور فما زال يرددها حتى قلنا ليته سكت»
- تعريف العقوق:
والعق لغة هو المخالفة، وضابطه عند العلماء أن يفعل مع والديه ما يتأذيان منه تأذيًا ليس بالهين عُرفًا.
- مظاهر العقوق:
للعقوق مظاهر من أهمها؛ ولكي لا نقع فيها وبها نختم التحقيق:
1- إبكاؤهما وتحزينهما بقول أو فعل أو غير ذلك، فعن عبدالله بن عمر بن العاص رضي الله عنهما قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يبايعه فقال جئتك أبايعك على الهجرة وتركت أبوي يبكيان. قال: «فارجع إليهما فاضحكهما كما أبكيتهما».
قال ابن عمر: بكاء الوالدين من العقوق والكبائر.
2- ادخال المنكرات أو مزاولتها أمامهما.
3- تقديم الزوجة والأبناء عليهما.
4- عدم زيارتهما والسؤال عنهما أو التأخير في ذلك.
5- النظر إليهما بشزر عند الغضب أو يتعاظم عن تقبيل يدي والديه أو لا ينهض لهما احترامًا وإجلالاً.
6- التسبب في شتم الوالدين: قال صلى الله عليه وسلم: «من الكبائر شتم الرجل والديه». قالوا: وكيف يشتم أو يسب الرجل والديه؟ فقال: «يسب أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه فيسب أمه» (أي: يصير متسبباً في شتم والديه).
وقال صلى الله عليه وسلم: «لعن الله من لعن والديه».
لآمال الدهمش
- التصنيف: