الإنابة

منذ 2014-05-19

من نزل في منزل التّوبة، وقام في مقامها نزل في جميع منازل الإسلام، فإذا استقرّت قدمه في منزل التّوبة نزل بعده في منزل الإنابة، وقد أمر اللّه تعالى بها في كتابه، وأثنى على خليله بها

الإنابة لغة:
تدور مادّة (ن وب) حول الرّجوع. يقول ابن فارس: "النّون والواو والباء كلمة واحدة تدلّ على اعتياد مكان ورجوع إليه" (مقاييس اللغة:[5/367]). وقال ابن الأثير: "يقال أناب ينيب إنابة، فهو منيب، إذا أقبل ورجع" (النهاية لابن الأثير:[5/123]).

 

الإنابة اصطلاحًا:
الإنابة: إخراج القلب من ظلمات الشّبهات. وقيل: الإنابة: الرّجوع من الكلّ إلى من له الكلّ. وقيل: الإنابة: الرّجوع من الغفلة إلى الذّكر، ومن الوحشة إلى الأنس.
وقال الكفويّ: "الإنابة: الرّجوع عن كلّ شيء إلى اللّه تعالى". وقال ابن القيّم: "الإنابة: الإسراع إلى مرضاة اللّه مع الرّجوع إليه في كلّ وقت، وإخلاص العمل له".

 

أنواع الإنابة:
الإنابة إنابتان:
- إنابة لربوبيّته: وهي إنابة المخلوقات كلّها؛ يشترك فيها المؤمن والكافر، والبرّ والفاجر. قال اللّه تعالى: {وَإِذا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ} [الروم:33]. فهذا عامّ في حقّ كلّ داع أصابه ضرّ. كما هو الواقع.

- إنابة أوليائه: وهي إنابة لإلهيّته إنابة عبوديّة ومحبّة، وهي تتضمّن أربعة أمور: محبّته، والخضوع له، والإقبال عليه، والإعراض عمّا سواه. فلا يستحقّ اسم (المنيب) إلّا من اجتمعت فيه هذه الأربع.

 

منزلة الإنابة:
قال ابن القيّم رحمه اللّه تعالى: "من نزل في منزل التّوبة، وقام في مقامها نزل في جميع منازل الإسلام، فإذا استقرّت قدمه في منزل التّوبة نزل بعده في منزل الإنابة، وقد أمر اللّه تعالى بها في كتابه، وأثنى على خليله بها، فقال: {وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ} [الزمر:54] وقال: {إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ} [هود:75]. وأخبر سبحانه أنّ البشرى منه، إنّما هي لأهل الإنابة فقال: {وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوها وَأَنابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرى} [الزمر:17]".

 

بعض الآيات الواردة في (الإنابة):
الإنابة صفة النبيين والمؤمنين:
1- {إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ} [هود:75].
2- {وقال شعيب عليه السلام لقومه: وَما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} [هود:88].
3- {وَظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ راكِعاً وَأَنابَ} [ص:24].
4- {وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ} [الزمر:54].
5- {وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوها وَأَنابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرى فَبَشِّرْ عِبادِ} [الزمر:17].
6- {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ . هذا ما تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ . مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ وَجاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ} [ق:31- 33].

 

الأحاديث الواردة في (الإنابة):
1- عن ابن عبّاس رضي اللّه عنهما أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان يقول إذا قام إلى الصّلاة من جوف اللّيل: «اللّهمّ لك الحمد أنت نور السّموات والأرض، ولك الحمد أنت قيّام السّموات والأرض، ولك الحمد أنت ربّ السّموات والأرض ومن فيهنّ. أنت الحقّ، ووعدك الحقّ، وقولك الحقّ، ولقاؤك حقّ، والجنّة حقّ، والنّار حقّ، والسّاعة حقّ. اللّهمّ لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكّلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، وإليك حاكمت، فاغفر لي ما قدّمت وأخّرت، وأسررت وأعلنت، أنت إلهي لا إله إلّا أنت» (أخرجه البخاري).
2- عن جابر بن عبد اللّه رضي اللّه عنهما عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «لا تمنّوا الموت فإنّ هول المطّلع شديد، وإنّ من السّعادة أن يطول عمر العبد ويرزقه اللّه الإنابة» (أخرجه أحمد).

 

من الآثار وأقوال العلماء الواردة في (الإنابة):
- قال ابن القيّم رحمه اللّه: "الإنابة هي عكوف القلب على اللّه عزّ وجلّ كاعتكاف البدن في المسجد لا يفارقه، وحقيقة ذلك عكوف القلب على محبّته، وذكره بالإجلال والتّعظيم، وعكوف الجوارح على طاعته بالإخلاص له والمتابعة لرسوله، ومن لم يعكف قلبه على اللّه وحده، عكف على التّماثيل المتنوّعة".
- وعن مجاهد في قوله تعالى: {أَوَّاهٌ مُنِيبٌ} [هود:75] حدّثنا بشر قال: الأوّاب: القانت الرّجّاع.
- قال ابن زيد، في قوله: {وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ} [الزمر:54] قال: "الإنابة: الرّجوع إلى الطّاعة، والنّزوع عمّا كانوا عليه، ألا تراه يقول: {مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ}".

 

من فوائد (الإنابة):
(1) دليل كمال الإيمان وحسن الإسلام.
(2) دليل على سلامة النّيّة وحسن الطّويّة.
(3) بشارة اللّه للمنيبين وهدايته لهم.
(4) معلم على صلاح العبد وقربه من ربّه.
(5) دليل على حسن ظنّ العبد بربّه.
(6) طريق موصّل إلى الجنّة.
(7) المنيب يُرزَق خشية اللّه.

 

من كتاب: نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم.