الاحتفال بمناسبة ذكرى الإسراء والمعراج

منذ 2014-05-19

إن الاحتفال بالإسراء والمعراج من الأمور البدعية، التي نسبها الجهال إلى الشرع، وجعلوا ذلك سُنَّة تقام في كل سَنة، وذلك في ليلة سبع وعشرين من رجب، وتفننوا في ذلك بما يأتونه في هذه الليلة من المنكرات

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهد الله فهو المهتدِ، ومن يُضلل فلن تجد له وليًا مرشدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، وتركنا على المحجة البيضاء لا يزيغ عنها إلا هالكٌ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن اتبعه واقتفى أثره واستن بسنته إلى يوم الدين، أما بعد:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [آل عمران:102]. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:1]. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا . يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب:70، 71]. عباد الله إن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، أجارني الله وإياكم من البدع والضلالات.

 

أيها المسلمون: إن الله سبحانه وتعالى قد شرع لنا دين الإسلام، وهو دين كامل لا يعتريه أي نقص أو خلل قال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإسْلامَ دِيناً} [المائدة:3]، وبينه لنا رسولنا الكريم، وما ترك شيئًا من أمر الدين صغيرًا ولا كبيرًا ألا ووضحه وبينه، وما توفي صلى الله عليه وسلم إلا وقد أكمل الله به الدين، قال صلى الله عليه وسلم: «قد تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك» (1).

 

أيها المسلمون: لقد أمرنا نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم بلزوم سنته والحذر من البدع، وأخبر أنها شر الأمور، فعن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم، ثم أقبل علينا فوعظنا موعظة بليغة؛ ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، فقال قائل: يا رسول الله! كأن هذه موعظة مودع، فماذا تعهد إلينا؟ فقال: «أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة، وإن عبداً حبشياً، فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين، تمسكوا بها، وعَضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة» (2)، وكان إذا خطب قال: «وخير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة» (3)، وزاد النسائي: «وكل ضلالة في النار» (4).

 

عباد الله: إن الاحتفال بالإسراء والمعراج من الأمور البدعية، التي نسبها الجهال إلى الشرع، وجعلوا ذلك سُنَّة تقام في كل سَنة، وذلك في ليلة سبع وعشرين من رجب، وتفننوا في ذلك بما يأتونه في هذه الليلة من المنكرات، وأحدثوا فيها من أنواع البدع ضروبًا كثيرة، كالاجتماع في المساجد، وإيقاد الشموع والمصابيح فيها، وعلى المنارات، والإسراف في ذلك، واجتماعهم للذكر والقراءة، وتلاوة قصة المعراج المنسوبة إلى ابن عباس، والتي كلها أباطيل وأضاليل، ولم يصح منها إلا أحرف قليلة، وكذلك قصة ابن السلطان الرجل المسرف الذي لا يصلي إلا في رجب، فلما مات ظهرت عليه علامات الصلاح، فسئل عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنه كان يجتهد ويدعو في رجب!! وهذه قصة مكذوبة مفتراة، تحرم قراءتها وروايتها إلا للبيان (5).

 

ويجمعون في هذه الليلة منكرات كثيرة، منتهكين بها حرمات المساجد، ومن هذه المنكرات: قراءة القرآن بنغمات وترجيعات تشبه الغناء، وذكر الله بصفة لا يفهم سماعها أنه ذكر، وبدع وخرافات ما أنزل الله بها من سلطان، ويجمعون إلى ذلك في بعض البلدان اجتماع النساء المتزينات بالرجال مختلطين في جامع!! وفي هذا من الفساد والفتنة ما الله به عليم، ولا حول ولا قوة إلا بالله، إلى غير ذلك من الأمور العظيمة التي ترتكب باسم الدين، ودعوى تعظيم بعض الأمور التي يزعمون أن تعظيمها دليل محبة للرسول صلى الله عليه وسلم (6).

 

أيها الناس: إن هذه الاحتفالات في ليلة سبع وعشرين من رجب أيًا كان شكلها، والتي يزعمون أنها ليلة الإسراء والمعراج باطلة من أساسها، لأنه لم يثبت أنه أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم في هذه الليلة. "ولم يقم دليل معلوم لا على شهرها، ولا على عشرها، ولا على عينها، بل النقول في ذلك منقطعة مختلفة، ليس فيها ما يقطع به، ولا شرع للمسلمين تخصيص الليلة التي يظن أنها ليلة الإسراء بقيام ولا غيره، بخلاف ليلة القدر" ا.هـ (7). قال ابن رجب: "وقد روي أنه كان في شهر رجب حوادث عظيمة، ولم يصح شيء من ذلك، فروي أن النبي صلى الله عليه وسلم ولد في أول ليلة منه، وأنه بعث في السابع والعشرين منه، وقيل: في الخامس والعشرين، ولا يصح شيء من ذلك" (8) ا.هـ. وقال أبو شامة: "وذكر بعض القصاص أن الإسراء كان في رجب، وذلك عند أهل التعديل والجرح عينُ الكذب!" (9) ا.هـ.

فنسأل الله أن يرزقنا اتباع سنة نبيه، ويجنبنا البدع والمحدثات، قلت ما سمعتم واستغفر الله لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير المرسلين نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أيها المؤمنون: إن علماء الأمة قد وضحوا بدعية الاحتفال بمثل تلك المواسم، وأنها من البدع التي دخلت على الأمة، وليست من دينها، ومن خلال عرض بعض أقوالهم يتضح لنا هذا الأمر؛ قال ابن قيم الجوزية: "قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ولا يعرف عن أحد من المسلمين أنه جعل لليلة الإسراء فضيلة على غيرها، لا سيما على ليلة القدر، ولا كان الصحابة والتابعون لهم بإحسان يقصدون تخصيص ليلة الإسراء بأمر من الأمور ولا يذكرونها، ولهذا لا يعرف أي ليلة كانت، وإن كان الإسراء من أعظم فضائله صلى الله عليه وسلم؛ ومع هذا فلم يشرع تخصيص ذلك الزمان، ولا ذلك المكان بعبادة شرعية، بل غار حراء الذي ابتدئ فيه بنزول الوحي، وكان يتحراه قبل النبوة،لم يقصده هو ولا أحد من الصحابة بعد النبوة مدة مقامه بمكة، ولا خصَّ اليوم الذي أنزل فيه الوحي بعبادة ولا غيرها، ولا خص المكان الذي ابتدئ فيه بالوحي ولا الزمان بشيء. ومن خص الأمكنة والأزمنة من عنده بعبادات لأجل هذا وأمثاله، كان من جنس أهل الكتاب الذين جعلوا زمان أحوال المسيح مواسم وعبادات كيوم الميلاد، ويوم التعميد، وغير ذلك من أحواله. وقد رأى عمر بن الخطاب رضي الله عنه جماعة يتبادرون مكانًا يصلون فيه فقال: ما هذا؟ قالوا: مكان صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أتريدون أن تتخذوا آثار أنبيائكم مساجد؟! إنما هلك من كان قبلكم بهذا، فمن أدركته فيه الصلاة فليصل وإلا فليمض (10)". ا.هـ (11).

 

وقال ابن الحاج: "ومن البدع التي أحدثوها فيه -أعني في شهر رجب- ليلة السابع والعشرين منه التي هي ليلة المعراج..." ا.هـ (12). وقال الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله: "إن الاحتفال بذكرى الإسراء والمعراج أمر باطل، وشيء مبتدع، وهو تشبه باليهود والنصارى في تعظيم أيام لم يعظمها الشرع، وصاحب المقام الأسمى رسول الهدى محمد صلى الله عليه وسلم هو الذي شرع الشرائع، وهو الذي وضع ما يحل وما يحرم، ثم إن خلفاءه الراشدين، وأئمة الهدى من الصحابة والتابعين لم يعرف عن أحد منهم أنه احتفل بهذه الذكرى..." ثم قال: "المقصود أن الاحتفال بذكرى الإسراء والمعراج بدعة، فلا يجوز ولا يجوز المشاركة فيه" (13) ا.هـ.

 

وقال الشيخ عبد العزيز بن عبد الله ابن باز رحمه الله: "وهذه الليلة التي حصل فيها الإسراء والمعراج، لم يأت في الأحاديث الصحيحة تعيينها، وكل ما ورد في تعيينها فهو غير ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم عند أهل العلم بالحديث، ولله الحكمة البالغة في إنساء الناس لها، ولو ثبت تعيينها لم يجز للمسلمين أن يخصوها بشيء من العبادات ولم يجز لهم أن يحتفلوا بها لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم لم يحتفلوا بها، ولم يخصوها بشيء، ولو كان الاحتفال بها أمرًا مشروعًا لبينه الرسول صلى الله عليه وسلم للأمة إما بالقول أو الفعل، ولو وقع شيء من ذلك لعرف واشتهر، ولنقله الصحابة رضي الله عنهم إلينا فقد نقلوا عن نبيهم صلى الله عليه وسلم كل شيء تحتاجه الأمة، ولم يفرطوا في شيء من الدين، بل هم السابقون إلى كل خير، فلو كان الاحتفال بهذه الليلة مشروعًا لكانوا أسبق الناس إليه، والنبي صلى الله عليه وسلم هو أنصح الناس للناس، وقد بلغ الرسالة غاية البلاغ، وأدى الأمانة، فلو كان تعظيم هذه الليلة والاحتفال بها من دين الإسلام لم يغفله النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكتمه، فلما لم يقع شيء من ذلك علم أن الاحتفال بها وتعظيمها ليسا من الإسلام في شيء، وقد أكمل الله لهذه الأمة دينها، وأتم عليها النعمة، وأنكر على من شرع في الدين ما لم يأذن به الله، قال سبحانه وتعالى في كتابه المبين من سورة المائدة: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِينًا} [المائدة:3]. وقال عز وجل في سورة الشورى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [الشورى:21]. وثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأحاديث الصحيحة التحذير من البدع، والتصريح بأنها ضلالة تنيبهاً للأمة على عظيم خطرها، وتنفيراً لهم من اقترافها..." (14) ا.هـ.

 

فما ذكر من كلام العلماء وما استدلوا به من الآيات والأحاديث فيه الكفاية، ومقنع لمن يطلب الحق في إنكار هذه البدعة، بدعة الاحتفال بليلة الإسراء والمعراج، وأنها ليست من دين الإسلام في شيء، وإنما هي زيادة في الدين، وشرع لم يأذن به الله، وتشبه بأعداء الله من اليهود والنصارى في زيادتهم في دينهم، وابتداعهم فيه، وأن لازمها التنقص للدين الإسلامي، واتهامه بعدم الكمال، ولا يخفى ما في ذلك من الفساد العظيم، والمنكر الشنيع، والمصادمة لقوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ}، والمخالفة الصريحة لأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم المحذرة من البدع، ومما يؤسف له أن هذه البدعة قد فشت في كثير من الأمصار في العالم الإسلامي، حتى ظنها بعض الناس من الدين (15).

 

فنسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين جميعًا، ويمنحهم الفقه في الدين، ويوفقنا وإياهم للتمسك بالحق، والثبات عليه، وترك ما خالفه، إنه ولي ذلك والقادر عليه. اللهم أعِز الإسلام المسلمين، وانصر عبادك المجاهدين، اللهم انصرهم في كل مكان يا قوي يا متين، اللهم كن لهم ناصرًا ومعينًا، اللهم عليك بأعداء الدين أجمعين يا قوي يا متين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

 

(1) رواه ابن ماجه، وأحمد، وصححه الألباني في صحيح الجامع رقم (4369).

(2) رواه أبو داود، والترمذي وصححه، وقال الألباني: صحيح، كما في مشكاة المصابيح (156).

(3) رواه مسلم رقم الحديث (867).

(4) رواه النسائي في سننه، وصححه الألباني في (إرواء الغليل) رقم (607).

(5) يراجع: السنن والمبتدعات ص(147)، والإبداع ص (272).

(6) راجع: المدخل لابن الحاج (1/295 - 298).

(7) زاد المعاد نقلاً عن ابن تيمية (1/57).

(8) لطائف المعارف ص (168).

(9) الباعث على إنكار البدع والحوادث ص (171)، لأبي محمد عبد الرحمن بن إسماعيل المعروف بأبي شامة الشافعي. طبع ونشر مطبعة النهضة الحديثة بمكة المكرمة، الطبعة الثانية 1401هـ.

(10) رواه ابن أبي شيبة في مصنفه (2/376، 377)، والصنعاني في مصنفه (2/118).

(11) يراجع: زاد المعاد (1/58، 59).

(12) المدخل (1/294).

(13) يراجع: فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ (3/103).

(14) التحذير من البدع ص (7 - 9).

(15) التحذير من البدع ص (9).

المصدر: موقع إمام المسجد