الغضب - (6) الأسباب المعينة على ترك الغضب

منذ 2014-05-19

وأمر تعالى بالاستعاذة من الشيطان عند نزغاته، ولـمَّا كانت المعاصي كلها تتولد من الغَضَب والشهوة، وكان نهاية قوة الغَضَب القتل، ونهاية قوة الشهوة الزنى، جمع الله تعالى بين القتل والزنى، وجعلهما قرينين..

1- تغيير الحال بالجلوس والاضطجاع: فعن أبي ذر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس؛ فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع» (رواه أبو داود:4782، وأحمد:5/152،21386، وابن حبان:(12/501،5688). من حديث أبي ذر رضي الله عنه، قال ابن الملقن في شرح البخاري (28/491): فيه انقطاع، وجوَّد إسناده العراقي في تخريج الإحياء:(3/215)، وقال الهيثمي في (مجمع الزوائد:8/73): رجاله رجال الصحيح، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود:4782، وقال الوادعي في (أحاديث معلة:107): سنده رجال الصحيح)، وقال ابن مفلح: "ويستحب لمن غضب أن يغير حاله، فإن كان جالسًا قام واضجع، وإن كان قائمًا مشى" (الآداب الشرعية لابن مفلح:2/261).

2- الالتزام بوصية النَّبي صلى الله عليه وسلم في عدم الغضب.
فعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: "قلت: يا رسول الله، دلَّني على عمل يدخلني الجنَّة. قال: «لا تغضب»" (رواه الطبراني كما في مجمع الزوائد، للهيثمي:8/73، ورواه في المعجم الأوسط:3/25،2353، من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه، صحح إسناده المنذري في الترغيب والترهيب:3/384، وحسن إسناده العراقي في تخريج الإحياء:3/204، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (8/73): أحد إسناديه رجاله ثقات، وصححه لغيره الألباني في صحيح الترغيب:2749).

3- ضبط النَّفس عن الاندفاع بعوامل الغَضَب.
4- الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم: فعن سليمان بن صرد رضي الله عنه قال: "كنتُ جالسًا معَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ورجلانِ يَستَبَّانِ، فأحدُهما احمَرَّ وجهُه وانتفخَتْ أوداجُه، فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «إني لأَعلَمُ كلمةً لو قالها ذهَب عنه ما يَجِدُ، لو قال: أعوذُ باللهِ منَ الشيطانِ، ذهَب عنه ما يَجِدُ» (رواه البخاري:3282).

وقال ابن القيِّم: "ولـمَّا كان الغَضَب والشهوة جمرتين من نار في قلب ابن آدم، أمر أن يطفئهما بالوضوء والصلاة، والاستعاذة من الشيطان الرجيم، كما قال تعالى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ . وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ..} [البقرة:44-45]، وهذا إنما يحمل عليه شدة الشهوة، فأمرهم بما يطفئون بها جمرتها، وهو الاستعانة بالصبر والصلاة، وأمر تعالى بالاستعاذة من الشيطان عند نزغاته، ولـمَّا كانت المعاصي كلها تتولد من الغَضَب والشهوة، وكان نهاية قوة الغَضَب القتل، ونهاية قوة الشهوة الزنى، جمع الله تعالى بين القتل والزنى، وجعلهما قرينين في (سورة الأنعام، وسورة الإسراء، وسورة الفرقان، وسورة الممتحنة)،
 

والمقصود: أنه سبحانه أرشد عباده إلى ما يدفعون به شر قُوتَي الغَضَب والشهوة من الصلاة والاستعاذة" (زاد المعاد:2/463).

5- السكوت: قال ابن رجب عن السكوت: "وهذا أيضًا دواء عظيم للغضب؛ لأنَّ الغَضبان يصدر منه في حال غضبه من القول ما يندم عليهِ في حال زوال غضبه كثيرًا من السِّباب وغيره مما يعظم ضَرَرُه، فإذا سكت زال هذا الشرُّ كلُّه عنه، وما أحسنَ قولَ مورق العجلي رحمه الله: (ما امتلأتُ غيظًا قَطُّ، ولا تكلَّمتُ في غضبٍ قطُّ بما أندمُ عليه إذا رضيتُ)" (جامع العلوم والحكم:1/366).

6- أن يذكر الله عزَّ وجلَّ فيدعوه ذلك إلى الخوف منه، ويبعثه الخوف منه على الطاعة له، فيرجع إلى أدبه ويأخذ بندبه: قال الله تعالى: {وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ} [الكهف:24]، قال عكرمة: "يعني إذا غضبت"، وقال سبحانه: {وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ..} [الأعراف:200]، ومعنى قوله ينزغنك أي: يغضبنك، {..فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [فصلت:36]، يعني أنَّه سميع بجهل من جهل، عليمٌ بما يُذهب عنك الغَضَب.

7- أن يتذكر ما يؤول إليه الغَضَب من الندم ومذمة الانتقام.
8 - أن يذكر انعطاف القلوب عليه، وميل النفوس إليه، فلا يرى إضاعة ذلك بتغير الناس عنه، فيرغب في التألف وجميل الثناء (أدب الدنيا والدين للماوردي:258-260)، بتصرف.
9- أن يحذر نفسه عاقبة العداوة، والانتقام، وتشمير العدو في هدم أعراضه، والشماتة بمصائبه، فإن الإنسان لا يخلو عن المصائب، فيخوِّف نفسه ذلك في الدنيا إن لم يخف في الآخرة.

10- أن يتفكَّر في قبح صورته عند الغَضَب.
11- أن يتفكَّر في السبب الذي يدعوه إلى الانتقام، مثل أن يكون سبب غضبه أن يقول له الشيطان: إن هذا يحمل منك على العجز، والذلة والمهانة، وصغر النفس، وتصير حقيرًا في أعين الناس، فليقل لنفسه: تأنفين من الاحتمال الآن، ولا تأنفين من خزي يوم القيامة والافتضاح إذا أخذ هذا بيدك وانتقم منك! وتحذرين من أن تصغري في أعين الناس، ولا تحذرين من أن تصغري عند الله تعالى وعند الملائكة والنبيين!

12- أن يعلم أن غضبه إنَّما كان من شيء جرى على وفق مراد الله تعالى، لا على وفق مراده، فكيف يقدم مراده على مراد الله تعالى (مختصر منهاج القاصدين لابن قدامة: ص:234، بتصرف).
13- أن يذكر ثواب من كظم غيظه: قال سبحانه: {الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران:134].

قوله: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ} أي: "إذا حصل لهم من غيرهم أذية توجب غيظهم -وهو امتلاء قلوبهم من الحنق، الموجب للانتقام بالقول والفعل-، هؤلاء لا يعملون بمقتضى الطباع البشرية، بل يكظمون ما في القلوب من الغيظ، ويصبرون عن مقابلة المسيء إليهم" (تيسير الكريم الرحمن للسعدي:1/148).

وقال تعالى: {وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ} [الشورى:37]، "أي: قد تخلَّقوا بمكارم الأخلاق ومحاسن الشيم، فصار الحلم لهم سجية، وحسن الخلق لهم طبيعة، حتى إذا أغضبهم أحد بمقاله أو فعاله، كظموا ذلك الغَضَب فلم ينفذوه، بل غفروه، ولم يقابلوا المسيء إلا بالإحسان والعفو والصفح، فترتب على هذا العفو والصفح، من المصالح ودفع المفاسد في أنفسهم وغيرهم شيء كثير" (تيسير الكريم الرحمن للسعدي:1/759).

وقال ابن كثير في تفسيره للآية: "أي: سجيتهم وخلقهم وطبعهم، تقتضي الصفح والعفو عن الناس، ليس سجيتهم الانتقام من الناس" (تفسير القرآن العظيم (7/210)، وقال عزَّ وجلَّ: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ} [الأعراف:201]، قال سعيد بن جبير: "هو الرجل يغضب الغَضَبة، فيذكر الله تعالى، فيكظم الغيظ" (معالم التنزيل للبغوي:3/318).

المقال السابق
(5) أقسام الغَضَب
المقال التالي
(7) نماذج من غضب النَّبي صلى الله عليه وسلم عندما تنتهك حرمات الله