قبس من نور الهجرة

منذ 2003-02-08

إذا كان لكلّ أمّة من الأمم لحظات مصيرية في تاريخها لا يمكن أن تنساها أبدا.. فليس لأمة الإسلام -بعد انبلاج فجر الوحي فى غار حراء حينما نطق أمين السماء لأمين الأرض بهذه الكلمة الخالدة "اقرأ" -من حدث أهم من حادث الهجرة الذي لم يكن نقطة تحوّل لأمتنا فحسب.. بل للبشرية بأسرها..

تلك النقطة التحوّلية التي تحوّل فيها المسلمون من مجموعة صابئة مضطهدة معذبة مطاردة في شعاب مكة إلى مواطنين من الدرجة الأولى.. أصحاب دولة لها كيانها المعتبر.. وتحوّل الرسول صلى الله عليه وسلم من "صابئ متمرد على دين قومه" كما كان يطلق عليه كفار مكة عليهم لعنة الله.. إلى رئيس دولة تأتمر بأمره.. وتنتهى بنهيه..
ولتتكون أول دويلة إسلامية تحكم بشريعة السماء، وتتخذ من المسجد مقرّا لحكمها.. وليكون فيها كتاب الله عز وجل وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- هما المرجع الأول والأخير لتدبير كل ما دقّ وجلّ من شئونها..

ومن الفضول تكرار ذكر أحداث الهجرة التى لا تخفى على أحد من المسلمين وإنّما من اللائق بنا الإنتفاع أو الإعتبار بما جعله الله فيها من العبر والدروس درسا واحدا ينتفع به من خلال كلمة قالها أحد المشاركين فى بيعة العقبة الثانية والتى كانت هى التمهيد لهذه الهجرة المباركة..

عندما همّ الأنصار رضي الله عنهم بمبايعة النبي صلى الله عليه وسلم..
فأخذ أسعد بن زرارة رضي الله عنه بأيديهم قائلا " رويداً آل يثرب.. إنّا لم نضرب إليه أكباد الإبل إلا ونحن نعلم أنه رسول الله.. وأنّ إخراجه اليوم مفارقة العرب كافة، وقتل خياركم ،وأن تعضّكم السيوف.. فإمّا تصبرون على ذلك فخذوه وأجركم على الله ،وإمّا تخافون من أنفسكم خيفة فذروه فهو أعذر لكم عند الله "
وفى رواية "فيه معاداة الأبيض والأسود، والأحمر والأصفر وعلى أن ترميكم العرب عن قوس واحدة"

وفى هذه الكلمات اليسيرة يتوضح لنا مدى وضوح طبيعة هذا الدين عن الصحابة رضي الله عنهم وأنّهم كانوا على بينة من أمرهم قبل اعتناقه ومؤازرة نبيه صلى الله عليه وسلم..

ولم يكونوا مثل هؤلاء المنتسبين إلى الإسلام فى عصرنا الحالي حيث يلتمسون النصر والتأييد من الشرق والغرب ويتسوّلون السلام من أخبث اللئام، ونسى هؤلاء جميعا أنّه لن يرضى عنّا أعداؤنا إلا بشرط واحد فقط... قد أخبرنا به أصدق القائلين جل وعلا { ولن ترضى عنك اليهود والنصارى حتى تتّبع ملّتهم قل إنّ هدى الله هو الهدى ولئن اتبعت أهوائهم بعد الذى جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا نصير }

فالغربة من أهم خصائص هذا الدين الحق كما قال صلى الله عليه وسلم { بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا فطوبى للغرباء } صحيح أخرجه مسلم

ونحن عندما اخترنا الإسلام طريقا لنا علمنا انه ليس مفروشا بالورود والرياحين ومع هذا اخترناه... علمنا أنه طريق ملئ بالمحن والفتن والإبتلاءات ومع هذا اخترناه .. علمنا أنّ فيه معاداة الأبيض والأسود والأصفر والأحمر ، وعلى أن يجتمع على حربنا أهل الأرض أجمعين ومع هذا اخترناه..

نعم اخترنا ذلك الطريق الصعب الوعر الذي أخبرنا ربنا جل وعلا ونبينا صلى الله عليه وسلم أنّ آخره جنة عرضها السماوات والأرض.. فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.. ومن أجل هذا اخترناه..

ويكفى أن نلتقي فى نهايته بمن شغفت بمحبتهم قلوبنا ،ولم تقرّ برؤيتهم عيوننا... يكفى أن نلتقى فى نهايته الأحبة.. محمدا وحزبه..
وخير من هذا وذاك ذلك النعيم الخالد الذى تكاد العقول أن تطير والأفئدة أن تنخلع كلما حدثتنا به أنفسنا..
ذلك النعيم الذي لا يزول معه كل نعيم حسّي ومادي في الجنة.. أعني رؤية وجه الرحمن جل وعلا..
فيا لها من لحظة تستحق أن نبذل لها نفوسنا وأرواحنا رخيصة في سبيلها..

ألا فحريّ بكلّ مسلم صادق في ولائه.. وانتمائه لهذا الدين.. عالما بطبيعة هذا الدين ألا يسترضى الشرق ولا الغرب ، وألا يتوسل السلام من أحفاد القردة والخنازير اللئام.. بل علينا أن نعتصم بحبل الله جميعا ولا نفترق كما أمرنا ربنا جل وعلا..
عالمين موقنين أن سبيل النصر في الرجوع إلى الإسلام في سائر مناحي الحياة.. وشئون الدنيا.. وليس في جانبنا دون باقي الجوانب ولا في قضية من دون سائر القضايا وانما ملتزمين بالإسلام جملة وتفصيلا.. مظهرا أو جوهرا.. سرا وعلانية.. داخل المسجد وفى الشارع والبيت.. فقد لخّص لنا الله سبيل النصر قائلا: { إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم }

أخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين سبحانك اللهم وبحمدك نشهد أن لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك..
محمد فريد
 

المصدر: خاص بإذاعة طريق الإسلام