فن الحوار بين الزوجين

منذ 2014-05-20

عندما تختلف طباع الزوجين ويتعثر كل منهما بينما يحاول أن يصل الآخر، ولايجد إلاّ سبيل الصمت ليصبح اللغة بينهما، وإن أراد الحديث أن يطرق بابه فلا يكون إلاّ للمسائل الضّرورية الخاصة بالأولاد ومشاكلهم.

عندما تختلف طباع الزوجين ويتعثر كل منهما بينما يحاول أن يصل الآخر، ولايجد إلاّ سبيل الصمت ليصبح اللغة بينهما، وإن أراد الحديث أن يطرق بابه فلا يكون إلاّ للمسائل الضّرورية الخاصة بالأولاد ومشاكلهم.

فقد تلجأ الزوجة لذلك الصمت الطويل عندما تشعر من زوجها غِلْظة الطبع، وكثيراَ ما تحاول كبت مشاعر داخلها فتفضِّل عدم الإفصاح بها؛ فتخاف محاورته في أي موضوع لأنها تعلم نتيجة حوارها هذا. وعلى الجانب الآخر يجد الزوج من زوجته ضيقًا في الحديث معها لشدة عصبيتها وكثرة عنادها وتصلبها لرأيها، فيفقد الطرفان المرونة في الحديث. لذلك تجدهما يعيشان في بيت واحد وكلٌ منهما له حياته الخاصة، فيقوم كل واحد بدوره في صمت، ذلك الصمت الذى أذهب الجو الروحي للحياة الزوجية، فأصبحت هذه الحياة حينذاك أمام من حولهم ملونة بجميع ألوانها فيظن البعض أنهم من أسعد الأزواج لكن الذى يخفى عليهم أنها ألوان زائفة، شكل بغير معنى.

وقد وجه الله تعالي النصح لنبيه صلى الله عليه وسلم في كتابه حين قال سبحانه: {وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران: 159]، فأعطت لنا الآية الكريمة مثلاَ رائعاَ على أن الفرقة والبعد والجفاء لا يأتي إلا من التطبع بالغلظة وحدة الطباع.

إنها نعمة الله تعالى علينا، فلم يترك لنا باباَ من الخير إلا وأعطى لنا كل سبل الوصول إليه، فجعل باب التحاور من الأشياء التي توصل بين الزوجين. فاهتم القرآن الكريم بالحوار، وفتح الطّرق التي تؤدي لحسن التلقي والاستجابة، احترامًا لكرامة الإنسان وإعلاءََ لشأن عقله. ولهذا كان لازمًا الحديث خاصة على الأزواج، ذلك لأنهما أكثر اثنين تجمعهما الأيام والأعباء والمشكلات.

فالحوار ذو قيمة لابد أن يدركها كلاهما، خاصة وقد أتى القرآن الكريم ببعض صور للحوار، فهذا حوار قصة صاحب الجنتين في سورة الكهف عندما استعلى أحدهما على الآخر بكثرة زرعه وثماره، وهذا حوار في قصة موسى والعبد الصالح الخضر، غير حوار إبراهيم عليه السلام حين همً بذبح ابنه قال تعالى: {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَىٰ ۚ قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ۖ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} [الصافات:102]. والحوار الرائع الذي دار بين النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه في الغار بينما المخاطر تحدق بهما {إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ معنا} [التوبة:40]. ما أجمل حسن التلقي وما أجمل الاستجابة رغم هول الموقف.

أما رسولنا الكريم فضرب لنا المثل في حواره مع زوجاته، والحديث معهم وتخصيص الأوقات لذلك رغم ما كان يعانيه من عبء المسئولية التي اختارها له الله عز وجل. فلا شك أن الزوجين لفي أشد الحاجة للحوار، للخلاص من المعاناة النفسية التي تسببها لهما كبت المشاعر فلا ينبغي أن يكتفيا على حوار لحل الخلاف بينهما فحسب؛ لكن لابد أن يهتما بالحوار في جميع شؤون حياتهما.

لذا علي الزوجين أن يتفننا في الطريقة المثلى للحوار لتجديد التواصل بينهما ويتبعا الأسلوب الفني للحوار عن طريق بعض النقاط :

1- سعة الصدر وحسن الاستماع، وعلى الآخر أن يتقبل ويحسن التلقي فإذا تعصب كل منهما لرأيه فلا يزيدهم الحوار إلا احتقانًا وبعداَ وجفاءََ.

2- لابد للحوار أن يترك قيمته الإيجابية إذا كان على أسس صحيحة وسليمة مهما اختلفت بينهما الآراء والأمزجة والميول والرغبات، لكن عليهما احترام كل منهما لرأي الآخر، فاختلاف الرأي لا يفسد للود قضية، لكن عليهما أن يعلما أن ذلك الاختلاف في الآراء له ضوابط أصلها تجاوز هدي القرآن والسنة.

3- عدم اتباع طريقة الاستعلاء في الحوار، وتجنب الاستهزاء والسخرية والإنتقاص من شأن الآخرن ولابد من انتقاء الكلمات التي يتلفظ بها كل منهما فينبغي ألا تكون جارحة.

4 - على الزوجين أن يعلما أنه ربما باستفزاز أحدهما الآخر قد يتطور الحوار وينقلب إلى شجار وحينئذ ترتفع الأصوات ويكونا على مسمع من الأبناء ثم أهل البيت والجيران، فلابد من التحلي بالهدوء أثنائه وخفض الصوت فإن رفع الصوت ليس من قوة الحجة وكلما كان الحوار أهدأ كان أعمق.

5- أيضًا على الزوجين أثناء الحوار التحلي بالصبر وضبط النفس وكظم الغيظ فإذا أساء أحدهما فلا مانع ولا تقليل من شأنه بالاعتذار.

6- أما إذا كان أحدهما غاضبًا فعلى الآخر ألا يطلب منه في ذلك الحين أن يهدِّأ من روعه بل يكون جادًا ويستمع له بهدوء.

7- على الطرفين التحلي بالعفو والتسامح للآخر ولا يلتقط منه عثرات وزلات وهفوات اللِّسان أثناء غضبه ولا يستعجل الرّد خاصة أثناء الغضب؛ بل عليه تأجيل الرد لمدة معينة حتي يهدأ ليكمل التحاور بشكل جيد فمن الخطأ الاستعجال حينذاك بالرد، ولا يتكلم إلا بالحسنى لقوله تعال: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً} [البقرة:83]، وقوله تعالى: {وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ} [الحج:24]، فالكلام الطيب يلين الحديد ويخفف من شدة الاحتقان عند الحوار .

8- يجب عدم مقاطعة أحدهما عند الحوار فكم من مشاكل حلّت بالاستماع فقط لذلك يجب الاستماع حتى النهاية وألا يعتقد أحدهما أن الحق معه وأن الآخر بعيدًا عن الحق.

9- لا ينبغي أن يتبع أحدهما الحوار ويستخدمه كشكل من أشكال ما يطلق عليه حرية التعبير ويستخدم الطريقة الخارجة عن آداب الحوار كما استغله الكثير وفسر حرية الرأي بطريقته؛ فافتقدنا أدب الحرية التي يتحدث عنها، واستغله البعض في هذا الأوان أسوأ استغلال بحجة حرية التعبير أو حرية الحوار، ولذلك وجب على المتحاور أو المعبر عن رأيه سواء أكان من الزوجين أو غيرهما أن يتصف بصدقه في الحوار، صدقة مع ربه سبحانه، ثم صدقه مع نفسه يعمل بما يقول حتى يتمتع بقيمته كقدوة صالحة.

 

أميمة الجابر